قاعة جديدة في «متحف المرأة» تحتفي بسيرة رائدة إماراتية

عوشة بنت حسين بن لوتاه.. «امرأة من دبي» سبقت عصرها

صورة

«امرأة من دبي».. عنوان القاعة التي اختارت مؤسّسة ومديرة متحف المرأة، الدكتورة رفيعة غباش، أن توثّق من خلالها سيرة وإسهامات المرأة الإماراتية، متمثلة هذه المرة في والدتها عوشة بنت حسين بن ناصر لوتاه، التي شكلت نموذجاً فارقاً في تاريخ نساء دبي، ومسيرة المرأة الإماراتية المضيئة، خلال مرحلة الستينات.

تميزت عوشة بنت حسين بحضورها المؤثر وإسهاماتها المجتمعية، التي تجلت في سن مبكرة جداً بعد نشأتها على يد والد اشتهر بالذكاء وسعة الأفق، واقتدائها بجدتها رفيعة بنت ثاني بن قطامي، التي كان لها هي الأخرى دور كبير في تشكيل شخصيتها، بعد أن عززت لديها الثقة بالنفس وكلفتها وهي في سن الـ14 بإدارة منزل الأسرة الذي يبلغ عدد أفراده قرابة الـ100، لما لمسته لديها من قدرة على إدارة الأمور، وحسن تصرف فيها، ورجاحة عقل وقوة شخصية مزجتها عوشة بنت حسين بلمسة تعاطف وحس إنساني عالٍ.

تاريخ مضيء

الجولة في أرجاء قاعة «امرأة من دبي» بمتحف المرأة، تصحب الزائر إلى قائمة طويلة من الوثائق والأوراق التي حرصت الدكتورة رفيعة غباش على ترتبيها بعناية وبتصنيفات في غاية الدقة، تجعل المشاهد يقف ليس فقط مراقباً ومتتبعاً لأدق الأمور، وإنما مأخوذاً أيضاً بسحر التفاصيل التي حرصت الرائدة الإماراتية الراحلة على الاحتفاظ بها وتوثيقها وكتابتها وتوضيحها بشكل لافت، إذ لم تغفل عوشة بنت حسين الاحتفاظ بمراسلاتها الرسمية، سواء إلى الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، والتي ترجع إلى تاريخ 24 أكتوبر عام 1966، أو إلى شيوخ الإمارات، أو مكتب الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، وعدد من الشخصيات المؤثرة الأخرى.

في الوقت الذي تتراءى فيه بالجهة المقابلة من القاعة، بعض تفاصيل الدور الاقتصادي والاجتماعي البارز، الذي لعبته عوشة بنت حسين في عصرها، والذي تجسدت بعض معالمه في علاقتها المتميزة بنساء تلك الفترة، ودفاعها عن حقوقهن، الذي أعلن بشكل استباقي عن مراهناتها التقدمية على مجالات «تمكين المرأة» ووعيها بقيمته في تحقيق النهضة الاجتماعية لبلادها، التي ابتدأتها ليس فقط بانفتاحها على مجتمعها بكل الأشكال والممارسات، بل بحزمة من الأفكار المستنيرة التي كانت فيها سباقة للانفتاح على الآخر، والانطلاق في اكتشافه بتجارب السفر إلى لبنان براً، والمرور عبر دول عدة انطلاقاً من السعودية مروراً بالكويت، والعراق، وسورية، وصولاً إلى لبنان برفقة الأهل والمعاونين لتكون بذلك أول امرأة إماراتية تخوض هذه التجربة آنذاك.

صاحبة إسهامات

لا تخفي الدكتورة رفيعة غباش، منذ تأسيسها متحف المرأة في دبي، وسردها لحكايات أبرز شخصياته التاريخية المؤثرة، توقها إلى تفعيل حضور والدتها في المتحف عبر عرض بعض إسهاماتها البارزة، إلى جانب نساء دبي في مرحلة الستينات، معتبرة أن «افتتاح هذه القاعة الجديدة اليوم ضمن القاعات الست لمتحف المرأة في دبي، يشكل محاولة للاقتراب من تفاصيل حياة هذه المرأة الاستثنائية التي سبقت عصرها، ويطلعنا على إسهاماتها ومسيرة حياتها، وينأى بالتالي عن (الشخصنة) التي كان فيها صور الوالدة حاضرة باستمرار في قلب وذاكرة الابنة». في الوقت الذي جاء فيه كتاب «امرأة سبقت عصرها»، الذي صدر، أخيراً، كدافع أساسي ومشجع لافتتاح هذه القاعة، بعد تأخر لنحو ثمانية أعوام، إذ تؤكد الدكتورة رفيعة: «كنت أظن أنني سأكتب عن أمي، لكنني كتبت عن مجتمع دبي في الستينات، وقد عشت مع هذه المرأة التي لا أعرف كيف أصفها، تاركة لمن عاصرها مهمة الحديث عنها، إذ كانت بالفعل امرأة سابقة لعصرها وزمانها، احترمت ثقافتها ودينها ودفعتنا إلى التمسك به وبقيمه، مشددة على حسن الخلق ومساعدة الآخرين والاعتراف بالمعروف في كل رسائلها».

وأضافت: «الكتاب أخذني في رحلة إلى دبي بفترة الستينات بحضور نسائي مكثف، لكن لم أغفل حضور الرجل في حياتهن، وعندما وضعت (بشت) والدي الذي هو قرين السيدة عوشة، كنت أود أن أؤكد أن هذه الأدوار لم تأتِ يوماً من فراغ».

مدارس الأخلاق

في وصف تجربة تأسيس القاعة الجديدة التي احتضنت ذكريات الراحلة وإنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، قالت الدكتورة رفيعة: «فوجئت بكمية الأوراق التي تحتفظ بها والدتي، حيث كان هناك كمّ هائل من الرسائل التي تمحورت حول مراسلاتها مع أولادها ومعاناتها فراقهم وتوجيهها الدائم لهم، نفسياً ومعنوياً، وأكثر ما استوقفني كانت جملة من قصة كتبتها من ثلاث صفحات عن حياتها، قالت فيها: لست دارسة في المدارس الحديثة أو حاملة شهادة ولكنها مجربة وأحب أن أوضح للجيل الجديد أن على كل إنسان أن يتحلى أولاً بالأخلاق الحسنة، وكرم الخلق ويكون صغير النفس لطيف الكلام، حتى يكسب قلوب العباد، لأن ليس شيء يملك الإنسان سوى الأخلاق الفاضلة وحسن الخلق».

وتابعت: «لم أنسَ شيئاً من تاريخ أمي، وقد تعلمت أكثر أن أعيد قراءة رسائلها مرة ثانية».

قدوة ملهمة

حول أهمية هذا المنجز «امرأة من دبي»، الذي يضاف اليوم إلى المشهد الثقافي الإماراتي، أكدت الدكتورة رفيعة أن القاعة تلقي بالضوء على مصدر آخر للثقافة، يتمثل في سير الناس العاديين بمجتمع الإمارات، كغيره من المجتمعات.

وأوضحت: «هناك شخصيات تركت بصمات واضحة في محيطها الاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي يجب على أهل الثقافة، اليوم، عدم تجاهل دراسة هذه السير والتعرف إليها والانتباه لها وتتبع مصادر المعرفة فيها، وإدخالها في المناهج المدرسية على سبيل المثال، لأن الطفل عندما يتعرف في فئة عمرية محددة إلى هذه النوعية من الشخصيات المؤثرة، يستطيع أن يجد في تاريخ آبائه وأجداده ما يمكن الاقتداء به والتعرف إليه لتلمس مكامن القوة الداخلية التي صنعت هذه النماذج، وسبل تحديها للظروف المحيطة بها، وقدرتها من ثم على المشاركة والإسهام في المشهد الثقافي والمجتمعي بشكل عام».


سوق الذهب

يقع متحف المرأة، في دبي، بمنطقة سوق الذهب في ديرة، في موقع منزل قديم عرف بـ«بيت البنات»، وأطلقت عليه هذه التسمية من قبل أهالي الحي في أربعينات القرن الماضي، كون النساء اللاتي سكنَّه لم يتزوجن، فجاء المسمى متسقاً مع فكرة المشروع الثقافي التوثيقي الذي يضم ست قاعات رئيسة، من بينها قاعة تحمل اسم ديوان عوشة بنت خليفة السويدي (فتاة العرب)، وتعتبر أيقونة المتحف لما تعرضه من قصائد الشاعرة الإماراتية الراحلة، إلى جانب مجموعة من القاعات والزوايا الصغيرة، التي تهتم بتاريخ المرأة في الإمارات، وحاضرها، وكل ما يتعلق بجوانب حياتها من فكر وثقافة وفنون وآداب وتراث وتاريخ ونمط وطقوسٍ حياتها اليومية.

رفيعة غباش:

«(القاعة) تلقي بالضوء على مصدر آخر للثقافة، يتمثل في سير الناس العاديين بمجتمع الإمارات».

«هناك شخصيات تركت بصمات واضحة في محيطها، ويجب على أهل الثقافة اليوم عدم تجاهلها».

تويتر