تدوير بعض المباني يخفض من تكاليف عمليات تحديث المدن ومدد تنفيذها. من المصدر

تدوير المباني القديمة.. فكرة جذابة للحفاظ على التاريخ والعمارة

تعيش جميع المدن في العالم عملية البناء والهدم باستمرار فتستبدل المباني القديمة ونظم البنى التحتية العتيقة لتستجيب لحاجات سكانها المستجدة، وربما لا مفر من ذلك في حالات كثيرة، لكن ألا توجد طريقة لإعادة تدوير بعض المباني والبنى التحتية كما نعيد تدوير الماء والنفايات مثلاً؟ ألا يخفض ذلك من تكاليف عمليات تحديث المدن ومدد تنفيذها؟ وماذا يعني إعادة الاستخدام المتكيف؟

يعني مصطلح إعادة الاستخدام المتكيف تجديد المباني القديمة والبنية التحتية وإعادة استخدامها، بعد أن تجاوزت عمرها الافتراضي؛ مثل تحويل المصانع المهجورة إلى متاحف أو فنادق أو تحويل الحاويات القديمة إلى منازل أو تحويل السكك الحديدية القديمة إلى حدائق، وأصبح هذا المفهوم ذا صلة متزايدة بمفهوم النمو الحضري المستدام.

التأثير البيئي

يسهم قطاع البناء المزدهر في ظل موجة التحضر العالمي السريعة في زيادة التدهور البيئي كونها مصدراً رئيساً للتلوث الذي يؤدي إلى تغير المناخ، إذ نضطر إلى إنشاء مزيد من المباني والبنية التحتية لتلبية احتياجات السكان المتنامية، فتقل جودة الهواء نتيجة استخدام آلات مختلفة في مواقع البناء؛ وتنتج كميات هائلة من النفايات. ويؤدي هدم المباني القديمة لإفساح المجال لمبانٍ جديدة إلى كميات ضخمة من النفايات.

منافع

تحظى إعادة الاستخدام المتكيف بتبنٍ متزايد بين المهندسين المعماريين والبنائين والمطورين في ضوء تنامي الوعي البيئي، فضلاً عن المنافع المحتملة من ناحية التكلفة، لعدم الحاجة إلى إنشاء البنية التحتية بدءاً من الصفر، مع توفير كميات هائلة من المواد وساعات البناء والطاقة.

ويقدر الخبراء أن 90% من شركات التطوير العقاري ستعمل خلال العقد المقبل في مجال إعادة الاستخدام المتكيف للمباني القائمة بدلاً من إنشاء مبانٍ جديدة. وتقلل إعادة الاستخدام المتكيف كُلفة تطوير المباني الجديدة والبنية التحتية.

الاستخدام المتكيف في الإمارات

بداية، قد لا تبدو إعادة الاستخدام المتكيف شيئاً حاضراً بقوة في الإمارات (وباقي دول مجلس التعاون الخليجي)، في ضوء الحداثة النسبية للدولة ومدنها وبنيتها التحتية. ومع ذلك، فإن دولة الإمارات جعلت الاقتصاد الدائري والاستدامة إحدى أولوياتها المستقبلية، وهو ما تندرج تحته إعادة الاستخدام المتكيف. وتأسس في الإمارات مجلس الإمارات للاقتصاد الدائري، الذي يعنى برسم التوجهات والأطر العامة لتعزيز مبادرة «تسريع الاقتصاد الدائري 360» التي وقعت عليها الإمارات كأول دولة عالمياً بالشراكة الاستراتيجية مع المنتدى الاقتصادي العالمي، وذلك بهدف تسخير إمكانات الابتكار التقني لتسريع الاقتصاد الدائري، وسبق ذلك عدد من التجارب الإماراتية الناجحة في مجال إعادة الاستخدام المتكيف، ومنها تطوير (1) ساحة المريجة الفنية في الشارقة، وهي موقع معرض الشارقة الفني السنوي (بينالي الشارقة) الذي أنشئ من خمسة مبانٍ متهدمة، تشمل المدرسة القاسمية وسوق الجبيل القديم للخضراوات. (2) وتحويل منطقة القوز الصناعية في دبي إلى شارع السركال، وهو مركز فني وثقافي مزدهر، (3) وتحويل الوحدات السكنية في البستكية المشهورة بأبراج الرياح في دبي إلى مركز فني.

وهنا نلخص بعض اتجاهات إعادة الاستخدام المتكيف الحديثة:

1. ملاعب يعاد استخدامها

الفوز باستضافة حدث رياضي كبير، في معظم الحالات، يمثل إنجازاً مرموقاً لأي مدينة، لكن بناء مرافق رياضية عالمية المستوى في كثير من الأحيان مشروع مكلف جداً، وفي العقود الأخيرة، واجهت تلك المشروعات انتقادات من الناس لأنها تصبح مباني تزيد على حاجة المجتمع فعلاً (فكّر في مباني الألعاب الأولمبية مثلاً)، ومن خلال تطبيق مفهوم إعادة الاستخدام المتكيف على عملية البناء الأساسية، صمم المهندسون المعماريون في ريو في البرازيل المرافق الرياضية لدورة الألعاب الأولمبية للمدينة لعام 2016 لإعادة استخدامها في الهياكل الجديدة في جميع أنحاء المدينة.

2. مراكز التسوّق

تسعى الإمارات للتحول إلى مركز إقليمي رائد للتجارة الإلكترونية، ويزداد إقبال الناس على التسوق عبر الإنترنت، فما هو مستقبل مراكز التسوق في البلاد؟ أحد الأساليب المبتكرة التي تتبعها مراكز التسوق في جميع أنحاء الولايات المتحدة لمواجهة التحدي، هو جعل أمازون تستخدم المساحة كمراكز خدمات، إن مساعدة أمازون على تحسين أوقات التسليم من خلال الاستفادة من مساحات أماكن البيع بالتجزئة المتوقفة عن العمل، هو شكل مبتكر لإعادة الاستخدام يساعد في حل التحديات الراهنة، وتشمل الخيارات الأخرى استخدام المساحات للمتاجر المؤقتة، أو حتى المكتبات والمراكز الطبية والمنازل.

أمثلة واعدة

يوجد عدد كبير من الأمثلة المرموقة في جميع أنحاء العالم على إعادة الاستخدام المتكيف؛ ومن أبرزها إعادة استخدام محطة الطاقة الشهيرة باتيرسيا في لندن في مشروع متعدد الاستخدامات يضم شققاً ومكاتب ومرافق ترفيهية، وتحويل محطة أخرى لتوليد الطاقة في لندن في منطقة بانكسايد، إلى متحف تيت للفن، وتحويل خط سكة حديد مرتفع مهجور في مانهاتن إلى حديقة معلقة، تجذب ملايين الأشخاص كل عام؛ وتحويل الملعب الأولمبي في بكين في عام 2008 إلى مركز تسوّق.

ملاعب دولية يتم تفكيكها لتصير مدارس، وسكك الحديد تصير حدائق معلّقة.

الأكثر مشاركة