أغلبهم اختفى تماماً في الأزمة وآخرون لجأوا إلى «برامج الطبخ»

«كورونا» يكشف «الفاشينستا».. مشهورون وليسوا «صنّاع محتوى»

صورة

فرضت سطوة الإنترنت والإعلام الرقمي الجديد، أنماطاً مغايرة من المتابعة، اتجه معظمها نحو منصات التواصل الاجتماعية، التي أفرزت اليوم فئة مختلفة من الموضوعات والاهتمامات، وحتى الشخصيات المتصدرة للمشهد الافتراضي، والذين تحولوا إلى «نجوم المرحلة» و«روادها» ومؤثريها الأكثر شهرة على الإطلاق. إلا أنه ومع دخول العالم نفق أزمة «كورونا» المظلم، انحسرت ظاهرة «الفاشينستات» ومشاهير التواصل و«مؤثري السوشيال ميديا» بشكل واضح، رآه الكثيرون صارخاً وداعياً للتساؤل حول دوافع هذا الغياب والانسحاب والصمت، في فترة عصيبة تلح على التدخل ومعاضدة الجهود لتسجيل أي شكل من أشكال الحضور المعنوي، الذي وإن اتكأ اليوم على عدد ضئيل جداً من «صنّاع المحتوى» الحقيقيين الذين ساندوا الجهود الرسمية في مكافحة «كوفيد-19»، قد أبرز هشاشة فئات واسعة من «مشاهير» و«مؤثري» السوشيال.

«فلتر كورونا»

الإعلامية ديالا علي، لا تخفي استغرابها الواضح من ظاهرة غياب أغلب مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي عن أداء دورهم والتأثير الإيجابي في متابعيهم عبر تقديم النصائح والاقتراحات لمواجهة أزمة «كورونا» الصحية، قائلة: «الجميع عانى، على الصعيد النفسي، من تبعات هذه المرحلة الصعبة، خصوصاً في ظل الحجر المنزلي الذي فرض نوعاً من العزلة الإجبارية على أغلب فئات المجتمع، في الوقت الذي تم استثناء العاملين في قطاع الإعلام بسبب طبيعة عملهم وأهميته في هذه المرحلة العصيبة»، لافتة «أنا من بعض المحظوظين بالعمل في هذا المجال الذي كان بالنسبة لي المتنفس الذي مكنني من لعب دوري المجتمعي إما كإعلامية مكلفة بإنجاز التقارير التلفزيونية التوعوية والتغطيات الخاصة أو كمؤثرة على الفضاء الاجتماعي تطرح جزءاً من هذه التقارير والمعلومات على صفحتها الخاصة لتعميم الفائدة على متابعيها»، مضيفة في وصف غياب البعض «أعتقد أن المرحلة المقبلة ستعيد تعريف (المؤثرين) على هذه المنصات، كما ستكون بمثابة (الفلتر) الجديد المتكفل لاحقاً بتصفية الكثير من الظواهر العابرة على وسائل التواصل، وفرز من كان (فاعلاً) و(فعالاً) خلال تلك الفترة ممّن اكتفى (بمراقبة ما يحدث)، وأثق هنا بذكاء وفطنة الجمهور والمتابعين وقدرتهم على الإلمام طبعاً بكل هذه التفاصيل».

حسن النية

الإعلامي الإماراتي منذر المزكي، يرفض انتقاد وتوجيه أصابع الاتهام لمشاهير التواصل الاجتماعي، مسبقاً «حسن النية» في تفسير هذا الغياب النابع من عدم قدرة البعض منهم على التصدي لهذه الموضوعات العلمية الجادة في مواجهة هذه الأزمات، في ظل عدم امتلاكهم للمعلومة، واصفاً تجربته كمؤثر وأحد أبرز مشاهير التواصل بالقول: «أنا مسؤول فقط عن أخلاقي وأخلاق أولادي، وأعتبر أن من واجبي عندما تكون بلادي في أزمة ما، أن أقف إلى جانبها وأسخّر كل الإمكانات والأدوات التي بحوزتي، لخدمة الناس والحكومة التي فتحت خزينتها من أجل حماية كل أفراد المجتمع»، مضيفاً «لهذا السبب لا أعتبر ما قمت به في أزمة (كورونا)، إنجازاً يستحق الوصف والشكر، وإنما واجب ووازع شخصي يدفعني تجاه خدمة وطني الذي علمني أن أخاف على جميع أفراده من مواطنين ومقيمين، أما بالنسبة لغياب بعض مشاهير التواصل، أنا بالتأكيد لست مسؤولاً عنه، وإنما أرجح أن أحد أسبابه الرئيسة متصل بغياب (كاريزما) التقديم لدى بعض الشخصيات المشهورة للعب دورها المجتمعي في الأزمات، وغياب شروط الدقة والمعرفة لبث المعلومة الصحيحة والموثوقة».

«مؤثر رقمي» جديد

الفنانة والمؤثرة الإماراتية روضة الصايغ، تعتبر أن تعريف «المؤثر الرقمي» بعد أزمة «كورونا» المستجد، اختلف كثيراً مقارنة بالمرحلة السابقة التي كرست عدداً من الظواهر المجتمعية السلبية المتصلة بتركيز بعض «المشاهير» على العائد المادي على حساب المحتوى الهادف، معتبرة أن الإلهام وتقديم الفائدة الكبرى للجمهور هو أساس النجاح والاستمرارية، متوقفة عند تجربتها كمؤثرة في المشاركة في حملة «لنبدع معاً» التي أطلقتها هيئة الثقافة والفنون في دبي عبر منصاتها الرقمية لتشجيع المبدعين والمبتكرين والفاعلين في الحقل الثقافي أثناء عزلة «كورونا»، على تقديم نتاجات إبداعية، كل في مجال تخصصه، قائلة: «سعدت كثيراً بتقديم (نم قرير الشعب يا وطن) العمل الفني الذي نفذته بتقنية التصوير الضوئي، ووجّه رسالة ملهمة عنوانها حبنا والتزامنا بحماية صحتنا (من خلال صورة شاب إماراتي ملتزم بالكمامة، يضع يده على قلبه الذي يحتضن صورة دبي)»، لافتة إلى «الأعمال والممارسات التي أسهمت في إلهام الجمهور وساعدته على مواجهة تداعيات الجائحة، كتجربة الأطباء والإعلاميين، الجنود المجهولين الذين خاطروا بصحتهم لينقلوا لنا المستجدات لحظة بلحظة».

الكوميديا نموذجاً

يؤكد الكوميدي ونجم «السوشيال ميديا» الإماراتي حمودي بامبي، أن اتجاهه خلال فترة العزل المنزلي إلى تقديم مقاطع كوميدية مصورة، كان فيه مراهنة شخصية على كسر حاجز القلق والخوف، وكذلك الملل الذي أصاب الناس جراء مكوثهم الطويل في المنزل، معتبراً الكوميديا الأسلوب الأمثل القادر على بث الأمل ورسم الابتسامة، مع تصديه لتقديم العديد من الشخصيات الإنسانية التي لامست الجمهور إلى حد كبير، على حد تعبيره. لافتاً إلى مبادرته كذلك بتقديم عدد من التوجيهات والنصائح المتعلقة بطرق اتباع أسلوب حياة صحي معتمد على الأنشطة والتمارين، التي استثمر فيها بامبي لياقته البدنية لإلهام متابعيه.

وحول الاتهامات الموجهة لعدد من المؤثرين بسبب عزوفهم عن لعب دورهم المجتمعي في أزمة «كورونا»، أوضح بامبي أن 90% من «الفاشينستات» التزمن بالقواعد والإجراءات الاحترازية في التواصل مع جمهورهن على مواقع التواصل، وهذا أمر قادر لوحده على إلهام متابعيهن بسبل التعامل مع هذه الجائحة التي أصابت الجميع بنوع من الذهول والصدمة وعدم القدرة على فعل أي شيء».

«صعقة» غير متوقعة

من وجهة نظر أنس المرعي، المتخصص في شؤون التكنولوجيا و«السوشيال ميديا»، فإن غياب مشاهير التواصل الملاحظ، يعود في الأصل إلى عدم أهليتهم للخوض في الموضوعات المتعلقة بأزمة «كورونا»، موضحاً «هذه الفئة حسب رأيي، غير مؤهلة لا لإسداء النصح ولا للتوجيه، لأن أغلب الجمهور اعتمد في الأزمة على مصادر المعلومات الرسمية الموثوقة. ورغم ذلك، فإننا شهدنا جزءاً من المشاهير و(المؤثرين) مبادرين في بداية الأزمة بتسجيل مشاركاتهم إما عبر تناول موضوعات متعلقة بالجوانب الطبية للجائحة أو مناقشة بعض تفاصيل التعايش اليومية مع ظروف العزل التي فرضتها أزمة (كورونا)».

في الوقت الذي أوضح المرعي: «شكلت أزمة (كورونا) بشكل عام، مرحلة جديدة كلياً للناس حول العالم، وكذلك لصناع المحتوى و(المؤثرين) و(مشاهير التواصل)، بعد أن كانت بمثابة (الصعقة) الحقيقية المفاجئة وغير المتوقعة التي زعزعت مرتكزات وجودهم (الافتراضي) على جميع الصعد، سواء النفسية، والاجتماعية أو حتى (الاقتصادية)، في ظل عدم امتلاك أغلبهم الخبرة الكافية لملاءمة المحتوى الذي يقدمونه مع متطلبات (الأزمات) التي ستكون بالمناسبة محفزاً للكثير منهم لإعادة النظر في ما يقدمونه ودراسة كيفية (صناعة المحتوى) الذي يطرحونه على صفحاتهم».

من جانب آخر، وجد المرعي اختفاء الكثير منهم وانسحابهم من المشاركة المجتمعية في أزمة «كورونا» بالطبيعي «فإذا اعتمدنا نظرية التكوين الطبيعي للمجتمع، فإننا نجد حتماً أن الفئات المبادرة بالتحرك في المجتمعات منحصرة في قلة قليلة مقارنة بالفئات التي تكتفي بالمشاهدة والمراقبة عن بعد، وهذا أمر طبيعي باعتبار تعرّض فئات (المؤثرين) مثلهم مثل غيرهم لصدمة غير متوقعة بالمرة، تضاف اليوم إلى عدم درايتهم بالمحتوى المتناسب مع أمزجة الناس المتخوفة والقلقة من تفشي المرض، التي لم تعد تتقبل المحتوى الترفيهي».

«منتشرون» لا «مؤثرون»

برؤية متعقلة، يحلل أخصائي علم النفس والمحلل النفسي الدكتور نادر ياغي، ظاهرة غياب بعض مشاهير التواصل قائلاً: «من نتحدث عنهم ليسوا (مؤثرين) وإنما (منتشرون) عبر وسائل التواصل لأسباب تسويقية لا أكثر، ونجاحهم في هذا الشكل يعود إلى دراسات اقتصادية لها علاقة بسلوك الفرد والمجتمع، لذا أعتقد بالتالي أن سقوطهم بات وشيكاً، بالتزامن مع سقوط بعض الشركات الكبرى وتراجع أرباحها بشكل ملحوظ نتيجة التداعيات العالمية لأزمة (كورونا)».أما «الشهرة»، فلا تعني «المعرفة»، لهذا وقع الكثير من «المنتشرين» عبر هذه الوسائل الاجتماعية في مطب الجهل وعدم تفريق بعضهم بين «البكتريا» (الكورونا) و«الفيروس» (الكورونا)، فانسحب بعض من سجل منهم قضايا شائعات ومعلومات مغلوطة في عدد من الدول العربية، من الفضاء الإلكتروني. بينما انكفأ البعض الآخر إلى تسجيل مقاطع مصورة من «المطبخ» أو إقامة جلسات «حوار» على خاصية «اللايف» لا فائدة منها سوى الثرثرة المجانية التي أكدتها نسب المشاهدة الضعيفة التي سجلها كثيرون منهم.


- مع دخول العالم أزمة «كورونا»، انحسرت ظاهرة «الفاشينستات» ومشاهير التواصل بشكل واضح.

- عدد ضئيل جداً من «صنّاع المحتوى» ساندوا الجهود الرسمية في مكافحة «كوفيد-19»

تويتر