قادت أول مركبة.. وتزوّدت بالبترول من «صيدلية»

بالفيديو : بيرثا بنز.. الشجاعة العنيدة وملهمة أول مخترع للسيارات

لكل إنجاز حكايته الخاصة التي تختلف مع اختلاف صاحبه ونظرته لما يحيط به، سواء كان لوحة فنية، أو منحوتة، أو تصميماً هندسياً، أو مجموعة أزياء، أو حدثاً غيّر مجرى التاريخ، ومهما اختلف العمل في تركيبته والخيوط غير المرئية التي شكَّلته، التي لا تراها سوى عين صاحبه، تبقى الشخصية الملهمة، هي المعيار الوحيد الذي لا يتغير، وتبقى تلك العلاقة الغامضة والمثيرة للجدل بها، هي الشرارة الحقيقية التي تستفز الابتكار، فمن هن الملهمات في التاريخ؟


في عالم المحركات والمركبات، يبدو أن الرجل هو المسيطر الرئيس على كل ما يتعلق بالأمر، إلا أن الحكاية لابد وأن تبدأ بدعم نسائي شغوف، وهنا أتى دور بيرثا بنز، المرأة التي استطاعت بذكائها وعنادها وشجاعتها تحويل زوجها إلى أول مخترع للسيارات، أو ما كان يعرف بالعربات المشغلة بالمحرك، وأول قائدة لها في التاريخ.

لم يكن الكيميائي العجوز واعياً تماماً لما سمعه، شابة جميلة بفستان ملوث ببقع الزيت، تقف إلى جانب مركبة غريبة الشكل أمام متجره، تطلب 10 ليترات من الـ«ليغروين» وهي مادة بترولية منظفة. لا يبدو على الفتاة الجنون، لكن الفتاة لا تحتاج إلى كل هذه الكمية الكبيرة لتنظيف فستانها الملوث، ولا يبدو على هيئتها أو أسلوبها الهادئ الجنون أيضاً، ناصحاً إياها بأخذ لتر واحد من محلول التنظيف والذي سيكون كافياً تماماً للمهمة، ولكن، لم تكن نية الغريبة الجميلة بيرثا بنز في تلك اللحظة تنظيف أي شيء، بل تزويد مركبتها بالوقود لتستكمل أول رحلة طويلة المسافة في التاريخ بعربتها المزودة بمحرك، والتي شاركت زوجها المهندس كارل بنز في تطويرها.

ولدت بيرثا رينغر في الثالث من مايو عام 1849 لعائلة ألمانية عصامية ثرية من فورزهايم جنوب غرب ألمانيا، في فترة لم يكن فيها تعلم المرأة أو شهادتها أمراً مهماً أو مرحباً به، الفترة التي كان يعتقد فيها العلماء أن دماغ المرأة (ذو الوزن الأخف) غير قادر على استيعاب وتحليل الكثير من المعلومات، وهي الفترة ذاتها التي بدأت فيها بيرثا بإظهار اهتمام كبير في المسائل والموضوعات التقنية في سن صغيرة، حيث كانت موضوعاتها المفضلة عن علم الحركة وتقنياتها مع والدها الذي بدأ حياته نجاراً، ليطور بذكائه ثروة تعززت بالخيارات الصحيحة في عالم العقارات، كما كانت مادة العلوم الطبيعية في المدرسة المادة المفضلة لديها.

عبارة صادمة

يُقال بأن أكثر دافع زود بيرثا بالشغف والرغبة في تحقيق الذات، هو بعد قراءتها لملاحظات والدها في مقدمة «إنجيل العائلة» الخاص بهم، حيث كتب فيه بعد ولادتها، «مع الأسف فتاة فقط مرة أخرى»، الأمر الذي كان صادماً وحزيناً بالنسبة لها، والذي حفز فيها إرادة خبيئة في أن تثبت للعالم، بأن الفتيات قادرات على تحقيق أهداف عظيمة.

كانت بيرثا رينغر شابة جميلة وجذابة، ذكية وذات شخصية اجتماعية محبوبة، ومن عائلة ثرية، الأمر الذي عزز من طول قائمة الراغبين في الزواج بها، إلا أن القدر جعلها تلتقي بأكثر الرجال بعداً عن معايير الزوج المثالي بالنسبة لعائلتها، وأكثر الرجال قرباً في شغفه وتمرده وجنونه من شخصيتها الشجاعة، وذلك بعد أن جلس إلى جانبها ووالدتها مصادفة، وخلال مناسبة تنزه بالعربات نظمها نادي «انتراخت» في يونيو 1869، مهندس شاب غريب الأطوار، والذي استطاع أن يمتلك قلب الفتاة خلال نزهة واحدة فقط، بعد أن شاركهما الحديث عن مشروعه في تطوير «عربة متحركة لا تجرها الخيول»، التي كان يعمل عليها في تلك الفترة، لقد كان كارل بنز (ذو الهيئة غير المهذبة والتصرفات الغريبة) الشخص الذي أرادت أن تقضي معه حياتها.

تضحية وإصرار

أدارت بيرثا ظهرها لجميع نصائح عائلتها في الزواج من كارل بنز، وتحذيرات والديها بأن الحب والفقر لا يتوافقان في الزواج، وبأن العراقيل المادية ستجعلها تعاني بسبب زواج تعيس، إلا أن كل تلك التحذيرات لم تحدها عن قرارها، بل قررت أن تستثمر مهرها بالكامل وقبل الزواج بسنتين في مشروع خطيبها بتطوير أول مركبة لشركة «بنز» التي أسستها معه، وعلى الرغم من عبقرية كارل بنز في التصميم، والتي لم يعر أحد لها اهتماماً آنذاك، إلا أن الجانب التجاري والاقتصادي لم يكن من نقاط قوته، مع جعل الفترة الأولى من المشروع صعبة جداً. وعلى الرغم من العراقيل العديدة التي واجهتها العائلة الشابة في بداية حياتها، والتي أصبح فيها الجوع أمراً غير غريب على الابنة المدللة والزوجة الداعمة بيرثا بنز، إلا أنها لم تتوان عن دعم وتشجيع زوجها كلما شعر باليأس، وعلى الرغم من كل الظروف القاسية، لم تترك بيرثا جانب زوجها إيماناً بقدرته على النجاح يوماً ما.

استمر بنز بالاستعانة بمبلغ المهر لتطوير مشروعهما، وأنهى العمل على تصميمه في ديسمبر 1885، واستعان بزوجته لتجربة التصميم عملياً، والتي أسهمت في إضافة أنظمة عزل داخل المركبة، وحشوات جلدية للمكابح لدعمها بالمكابح الخشبية حال ضعفها، كما أنها تعرفت إلى عدد من النقاط المهمة في التصميم التي تحتاج إلى تطوير.

براءة اختراع

على الرغم من حصول كارل بنز على براءة اختراع لتصميمه أول عربة ذات محرك، إلا أن الأمر لم يكن كافياً لتحويل الاختراع إلى منتَج مطلوب، فلم يكن هناك أحد مهتم باقتناء هذه العربة المخيفة بالنسبة لهم، الأمر الذي لم يكن مقبولاً أو محتملاً بالنسبة لبيرث التي قررت أن تأخذ الاختراع الذي طال انتظاره في رحلة ستجعلها أول شخص يقود مركبة ذات محرك في رحلة طويلة في التاريخ.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر