أعمال 14 فناناً ضمن «شتاء طنطورة» في السعودية

«ديزرت إكس».. صحراء العُلا معرض فني مفتوح

صورة

بمفاهيم فنية مغايرة؛ يأتي معرض «ديزرت إكس العلا»، الذي يستمر منذ 31 يناير حتى 7 مارس 2020، في صحراء مدينة العلا، شمالي غرب المملكة العربية السعودية، ليحوّل الصحراء إلى معرض مفتوح للفن الحديث، عبر أعمال 14 فناناً من السعودية ودول المنطقة.

«ديزرت إكس»، الذي يقام كجزء من فعاليات الموسم الثاني لـ«شتاء طنطورة»، وهو أول معرض فني معاصر في العلا، يرسم طريقاً فنياً توزعت فيه الأعمال الفنية التي نفذها الفنانون المشاركون، لتأخذ زوار المكان عبر مسار محدد ليتلمسوا جوهر الصحراء وخصوصيتها، حيث عمد الفنانون في أعمالهم إلى استلهام روح الصحراء وتاريخ العلا التي كانت مكاناً للتبادل الثقافي نظراً لكونها نقطة التقاء بين ثلاث قارات، وبوابة بين الشرق والغرب، كما يستلهم ما تشهده المملكة من انفتاح على الفنون والثقافة باعتبارها لغة عالمية تجمع مختلف الشعوب والثقافات وتتخطى الاختلافات، ولعل هذا ما ظهر واضحاً في حفل افتتاح المعرض، الذي ضم حشداً كبيراً من الفنانين والمثقفين والمهتمين بالفنون والثقافة من مختلف الجنسيات.

«حديقة الصخور المتساقطة»

عكست الأعمال الفنية المعروضة في «ديزرت إكس العلا» تنوعاً كبيراً في الأفكار والمدارس الفنية والمواد المستخدمة فيها، واجتمعت على انتمائها للصحراء بشكل أو بآخر، فقدم الفنان الإماراتي محمد أحمد إبراهيم، وهو الفنان الوحيد المشارك في المعرض من دولة الإمارات، عملاً بعنوان «حديقة الصخور المتساقطة»، عبارة عن أشكال مصنوعة من «الفيبر غلاس» تشبه الصخور الملونة بألوان فاتحة ومشرقة، وأراد إبراهيم عبر هذا العمل أن يلفت الأنظار إلى أن الفكرة السائدة بأن الصحراء لا تعرف سوى اللون الأصفر فقط ليست دقيقة، فهناك العديد من الألوان المتناثرة وسط طغيان الأصفر، مثل اللون الأخضر في النباتات التي تنبت هنا وهناك، وبعض الأزهار التي تزين هذه النباتات، إلى جانب اللون الأزرق في السماء. ويبرز اختيار إبراهيم للمشاركة وعياً من القائمين على المعرض في اختيار الفنانين المشاركين، حيث تميز الفنان بنشأته في مدينة خورفكان الإماراتية، واستلهامه لجبالها وصحرائها وتضاريسها الطبيعية في العديد من أعماله.

أعمال تفاعلية

ولفت الفنان راشد الشيشي الأنظار بعمله الفني «ممر مختصر» الذي جاء على شكل هرم مرتفع مقسوم إلى نصفين يفصل بينهما ممر ضيق باللون الوردي، وهو يشير إلى مكانة العلا قديماً كنقطة مرور للقوافل التجارية، وما تحتفظ به من آثار وتاريخ عظيم مثل الهرم الذي يحافظ على أسراره، بينما يمثل الممر جسراً بين الأفق الواسع والصحراء وبين التاريخ القديم والأنظمة الاقتصادية المعاصرة والعالم الحديث. فيما أثارت الفنانة منال الضويان تساؤلات زوار المعرض بعملها «يا ترى.. هل تراني؟»، وهو عبارة عن بحيرات اصطناعية توزعت في مواقع مختلفة على جانبي الطريق، ومصنوعة من أنسجة ترامبولين ضخمة يمكن الوقوف والقفز عليها في إشارة للتفاعل بين الانسان والبيئة. بينما وظف الفنان ناصر السالم الحروف العربية، والتي اشتهر بأعماله فيها، ليقدم عملاً بعنوان «أما قبل»، حيث قام بتشكيل هذه العبارة لتمثل ما يشبه دائرة تمتد لتتحول إلى أسطوانة كبيرة مثل نفق شفاف في رمزية للربط بين الماضي والحاضر في العلا، وما شهدته وتشهده من جمع بين مختلف الثقافات والجنسيات قديماً وحديثاً. الحروفية أيضاً كانت محور عمل الفنان إل سيد، الذي قدم تشكيلاً بالحروف بعنوان «السراب» لبيت شعر استمده من قصة «جميل بثينة» الشهيرة في الأدب العربي. من جانبها؛ عمدت الفنانة شيرين جرجس إلى الذاكرة الشعبية والمشاعر الإنسانية، باعتبارهما عوامل تقارب بين البشر من مختلف الجنسيات، لتقدم عملها «خلخال علياء» الذي يجمع بين واحد من رموز الثقافة الشعبية المصرية، وهو الخلخال، ومشاعرها تجاه والدتها.

من «وميض الماضي»إلى «آفاق المستقبل»

ويطّلع زائر المعرض على مزيد من الأعمال، منها عمل الفنانة زهرة الغامدي «وميض من الماضي» الذي يبرز وميضاً متلألئاً ينبعث من آلاف علب التمر، التي كانت ذات يوم ثروة العلا الزراعية، في حين يتناول الفنان ريان تابت في عمله «أقصر مسافة بين نقطتين»، والذي يتكون من سلسلة من الحلقات الفولاذية، قصة أنابيب شركة خطوط الأنابيب العربية التي تربط الجزيرة العربية، وهي مؤلفة من 40 حلقة فولاذية، كل منها منقوش عليه المسافة من مصدر الأنابيب. واستحضرت الفنانة ريتا البكركي في عملها «نجمة..وضعت ألف شمس على طبقات الفضاء الشفافة»، الأسطورة الكونية لرائدة الفضاء التي هبطت إلى الأرض لتنشر النور والمعرفة في رمزية لعودة الحياة وولادة علم الفلك؛ وهو عبارة عن تمثال لامرأة تجلس أعلى أحد جبال المنطقة، وتناثرت في الأسفل دوائر باللون الأزرق. وجاء عمل الفنان مهند شونو بعنوان «المسار المفقود»، وهو يعبر عن الشباب باعتبارهم مصدر الطاقة الجديدة المتدفقة في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية، من خلال خط أنابيب متحلل وشبه مغمور تحت الرمال المتحركة. واستوحى الفنان نديم كرم عمله «مسيرة استعراضية» من النباتات والحيوانات المتنوعة في الصحراء العربية، التي تشبه في تنوعها وجمالها تألق الصحراء بعد المطر. بينما جسد الفنان وائل شوكي في فيديو يعرض على حائط حجري، المدينة التاريخية التي كانت تعج بالحياة وتعتبر معقلاً للتاريخ والذاكرة المعمارية. في حين يمثل عمل الفنان سوبر فلكس «واحد اثنان ثلاثة تأرجح»، صرخة للسعي الجماعي نحو تواصل أفضل بين الناس. ويقدم الفنان جيزيلا كولون، في عمله «المستقبل هو الآن» دراسة مستقبلية عالية التقنية، لكنها في الوقت نفسه تذكّر أيضاً بسرّ التحف الثقافية، مثل الرموز المقدسة القديمة التي تشير إلى لحظة في التاريخ، وتوحد المجتمع القديم والجديد معاً.

تعاون

يمثل معرض «ديزرت إكس العلا» أول تعاون دولي لـ«ديزرت إكس»، والذي تأسس في كاليفورنيا لربط المجتمعات والثقافات الصحراوية من خلال الفن المعاصر. ويجمع المعرض أعمال فنانين من مختلف أنحاء العالم تعكس المشهد الطبيعي الاستثنائي في العلا وظروف الصحراء بها. ويقام بالتعاون مع المخرج الفني في «ديزرت إكس» نيفيل ويكفيلد، والقيّمة على المعرض رنيم فارسي.

منصة دولية

يوفر معرض «ديزرت إكس العلا» منصة للأعمال الفنية التي تعكس مختلف الثقافات الصحراوية والظروف البيئية، وتمثل السياق التاريخي للعلا؛ التي كانت في الماضي ملتقى تاريخياً للطرق، وقد تركت الحضارات والشعوب المتعاقبة التي استوطنتها بصمتها في المشهد الطبيعي الخلاب، إذ تجمع العلا بين التكوينات التي صنعتها الطبيعة والآثار التي خلفتها الحضارات البشرية.

تويتر