رجائي يواصل مشوار جدّه ووالده بإطلاقه عند موعد الأذان

«عائلة صندوقة» تحرس مدفع رمضان منذ 100 عام

رجائي يداوم على وظيفته المتوارثة منذ 34 عاماً. من المصدر

يغادر المقدسي رجائي صندوقة منزله الكائن في حي ضاحية البريد في مدينة القدس، قاطعاً مسافة ثمانية كيلومترات، وصولاً إلى مقبرة المجاهدين الإسلامية في شارع صلاح الدين المجاور لباب الساهرة داخل البلدة القديمة بالمدينة المقدسة، وذلك لإطلاق مدفع رمضان قبل الأذان، ليعلم أهالي المدينة والأحياء المجاورة بموعدَي الإفطار والسحور.

هذه الصورة يداوم عليها رجائي صندوقة، بشكل يومي منذ عام 1985، بعد أن تسلم مهمة إطلاق مدفع رمضان عن والده، ليحافظ بذلك على الموروث التاريخي الذي تسلمه جده أمين صندوقة قبل 100 عام في العهد العثماني.

مسيرة 100 عام

«الإمارات اليوم» التقت رجائي صندوقة (56 عاماً)، قبل موعد أذان المغرب في اليوم السادس عشر لشهر رمضان، حيث كان مستعداً لإطلاق المدفع، بعد تسلمه القنابل الصوتية اللازمة لاستخدام المدفع من موظف بلدية القدس.

ويروي صندوقة مسيرة مدفع رمضان في القدس قائلاً: «في عهد دولة المماليك استخدم السلطان خاشقجي ضرب المدفع في شهر رمضان في مدينة القاهرة، لتنتشر هذه الفكرة لعدم وجود مكبرات للصوت، ووصلت بعد ذلك إلى فلسطين، وفي عهد الدولة العثمانية أدخل مدفع رمضان إلى القدس، ووضع داخل مقبرة المجاهدين، كونها كانت أعلى منطقة في القدس في ذلك الوقت، لوجودها على تلة جبلية مرتفعة، إلى جانب وجودها في قلب البلدة القديمة بالقدس».

ويضيف: «جدي الحاج أمين صندوقة كان هو أول من تسلم مدفع رمضان العثماني في عام 1918، وتكفل بمهمة إطلاقه، وبقي محافظاً على هذا الإرث رغم ظهور مكبرات الصوت، لتبقى هذه المهمة مرتبطة بعائلة صندوقة، فوالدي الحاج يحيى ورثها عنه، ووَرَّثها لأشقائي، إلى أن تسلمتها عندما كنت في سن الـ22 عاماً».

ويشير رجائي صندوقة إلى أن كل مدينة فلسطينية كان لها مدفع رمضان، ولكن مع انتشار مكبرات الصوت اندثرت المدافع، ولم يبق سوى مدفع القدس رمزاً أثرياً، توارثته عائلته، واستمرت بالحفاظ عليه على مر 100 عام مضت.

ويلفت إلى أن أهالي البلدة القديمة وأحياء القدس المجاورة اعتادوا على صوت المدفع، الذي بات جزءاً مهماً من أجواء رمضان في القدس، كونه أحد المعالم الأثرية التاريخية الباقية حتى اليوم، مضيفاً «يومياً يخبرني أهالي القدس أنهم يفطرون ويتسحرون على صوت المدفع، إلى جانب شعورهم هم وأطفالهم بالبهجة لحظة سماع صوته».

ويتابع صندوقة: «أهل القدس يهتمون بإطلاق المدفع حتى اليوم، ويضبطون توقيت إفطارهم عليه، بل ويطلبون مني التأكد من ضبط توقيته».

ويطلق رجائي صندوقة مدفع رمضان في أوقات الإمساك فجراً والإفطار عند غروب الشمس، بعد أن يأخذ إشارته من المسجد الأقصى، ليأذن له بالإطلاق في موعد الأذان.

مضايقات

كانت عائلة صندوقة تعتمد على مادة البارود المصنعة محلياً في الضفة الغربية، لإطلاق مدفع رمضان، حيث كانوا يحضرون كمية كبيرة تكفي على مدار الشهر، إلا أن السلطات الإسرائيلية قللت تلك الكمية، لتمنع لاحقاً دخولها بالكامل. ويشير صندوقة إلى أنه يستخدم حالياً قنابل صوتية في إطلاق مدفع رمضان في القدس، حيث يتسلم يومياً على مدار شهر الصيام قنبلتين لموعدي السحور والإفطار، يجلبها له موظف إسرائيلي من بلدية القدس، وسط حراسة مشددة من رجال الشرطة الإسرائيلية، مضيفاً «يبقون متواجدين بجانبي على مسافة قريبة للتأكد من استخدام القنابل وإطلاقها». ويلفت إلى أن السلطات الإسرائيلية تشترط عليه استصدار مجموعة من التراخيص من الشرطة ودائرة خبراء المتفجرات والبلدية، وضرورة التدرب وبشكل دوري على كيفية إطلاق قذائف المدفع والتعامل مع القنبلة الصوتية المستخدمة.

ويقول مطلق مدفع القدس: «إن الشروط التي تفرضها إسرائيل هي مضايقات لإبعادي عن مزاولة مهمة إطلاق مدفع رمضان، لتندثر بشكل تدريجي، كون المدفع جزءاً أصيلاً من تراث القدس، فأنا لا أحتاج لتمارين بفعل خبرتي الطويلة التي ورثتها عن جدي ووالدي، لكنني مضطر للالتزام بكل الشروط للحفاظ على الموروث الحضاري للمدينة المقدسة، والحفاظ عليه من المصادرة والاندثار».


كل مدينة فلسطينية كان لها مدفع رمضان، ولكن مع انتشار مكبرات الصوت لم يبقَ سوى مدفع القدس.

يطلق رجائي صندوقة مدفع رمضان بعد أن يأخذ الإشارة والإذن من المسجد الأقصى.

تويتر