عبدالناصر غارم.. فنان برتبة مقدّم في جيش المملكة

مبدع من طراز خاص، نجح في تحقيق المعادلة الصعبة، في الجمع بين شغفه الفني ومهامه برتبة مقدّم في جيش المملكة.. إنه التشكيلي السعودي عبدالناصر غارم، الذي استطاع أن يحفر اسمه في عالم الفن التصوري، وينجح خلال مسيرة تمتد لأكثر من 10 أعوام، في أن تحمل أعماله هوية مجتمعه وقيمه، لتباع لوحاته بأسعار مرتفعة، ويحصد لقب الفنان التشكيلي الأعلى سعراً بالشرق الأوسط والخليج العربي، إثر بيع عمله «رسالة رسول» بمزاد لدار كريستيز في دبي عام 2011 بما يقارب المليون دولار، والتي تبرّع بها الفنان لأجل «الخير».

يشارك غارم في معرض «الأشكال الفاعلة للنحت الاجتماعي»، الذي تستضيفه هيئة الشارقة للمتاحف وتنظمه بالتعاون مع صالة عرض بريجيت شينك، في ألمانيا، والذي انطلق أمس، بأعماله التي تركّز على هويتنا وقيمنا. وأوضح في حواره مع «الإمارات اليوم»، واصفاً الإبداعات الـ16 التي يشارك بها في المعرض بأنها الأقرب إلى قلبه «إذ تنوعت بين التركيبات الضخمة والأفلام القصيرة والمنحوتات، إلى جانب الرسوم التي حرصتُ على أن تحمل خطاباً يحاول فتح مناطق جديدة للحوار ورؤية الأشياء من زوايا مختلفة، كما يشاركني في المعرض الذي يستمر حتى منتصف نوفمبر المقبل الفنان النمساوي هيمو زوبيرنيغ الذي عرضت أعماله في بينالي البندقية، لنقدم لعشاق الفن التصوري أكثر من 40 عملاً مميّزاً».

عُرضت أعمال غارم في العديد من المعارض والمتاحف حول العالم، تاركة بصمة في كل مكان يستضيف إبداعه. وإدراكاً منه لأهمية الفن في حياة الشعوب ونهضة الأمم، سخّر كل جهوده لرعاية وتطوير المهارات الفنية لدى أصحاب المواهب من الصغار والجنود السابقين في الاستوديو الخاص به في الرياض، والذي أسسه في عام 2014 لمساعدتهم على توظيف الفنون لإبداع أنماط مختلفة من الأعمال الشخصية والتعبيرية.

وأضاف غارم عن أبرز أعماله المشاركة في معرض الشارقة: «يعد (نصف قطب) أحد أهم أعمالي التي حرصت على المشاركة بها، وهو عبارة عن مجسم يبلغ قطره ثلاثة أمتار وارتفاعه 80 سنتيمتراً، يتكون من نصفين؛ أحدهما يمثل قبة المسجد النبوي بالمدينة المنورة، والآخر يمثل خوذة محارب دمجت لتشكّل قطعة واحدة، ليشير العمل لسرعة التغيرات التي تمر بها المنطقة العربية والعالم الإسلامي، محاولاً التركيز على الثوابت والقيم التي تشكل جوهر وجودنا».

وتابع: «أما عملي الفني (الصراط) فيتميز بأنه يحمل رسالته بلغة كونية معاصرة لتصل إلى أكبر شريحة من سكان هذا الكوكب، كونه قيمة إنسانية فردية تعتمد على نور العقول الذي يضيء الطريق، والذي يحدده الإنسان بصفة شخصية، وليس من خلال الانضمام إلى كتل روحية تسلب منه إرادته واستقلاليته».

محطة مهمة

وأكد غارم أن معرض الأشكال الفاعلة يعد من أهم المحطات في حياته المهنية كفنان، لأنه أعاده إلى الشارقة، التي شهدت أولى خطواته الاحترافية في عالم الفن التشكيلي، عبر بينالي الشارقة في دورته الثامنة عام 2007، والذي أسهم في رفع سقف طموحاته الفنية، وكان بمثابة المنصة الأولى لعرض تجاربه بجانب أعمال نخبة من الفنانين العالميين.

وأشار إلى أنه لا ينسى الدعم والتشجيع الذي وجده من قبل فناني الإمارات، وكان أبرزهم الفنان الراحل حسن شريف، والفنان محمد كاظم، اللذان كان لهما الفضل بعد الله في تشجيعه ودعمه، واليوم يعود الى الشارقة من جديد بعد مرور أكثر من 10 سنوات في عالم الفن التشكيلي ليتذكر منصته الأولى التي انطلق منها.

وقال غارم: «في الماضي لم تكن هناك فضاءات أعرض فيها أعمالي الفنية في السعودية، لذا عمدت إلى النزول بأفكاري لعرضها في الشارع، مؤمناً بأن العرض الفني وسيلة فعالة وقوية، وعلى صاحبه أن يتوجه إلى الشارع ليقابل جمهوره الحقيقي، وكان (فلورا وفونا) أول عرض أدائي مباشر بمدينة أبها في الجنوب الغربي من المملكة، التي يزيد تعداد سكانها على 250 ألف نسمة، إذ عملت على تغليف نفسي على شجرة داخل غطاء بلاستيكي شفاف، لأؤكد من خلال ذلك مدى الضرر الذي تُلحقه الأشجار المستوردة بالأشجار التي تنبت طبيعياً في البلاد».

وأكمل «أنتمي إلى قبيلة سعودية تعيش في قرية صغيرة يعرف الجميع فيها بعضهم بعضاً، وما إن تناقلوا من خلال الاتصالات الهاتفية الخبر عن ذلك العرض حتى بدأ الناس في التوافد على المكان مباشرة، لينتهي الأمر بالمدينة كلها وهي تشاهدني لتتاح لي الفرصة لشرح فكرتي ورسالتي؛ إذ أسعى دائماً لتطويع فني لمناقشة قضايا وطني، مترجماً بعض الرؤى إلى أفكار، محاولاً أن أسهم في خلق خطاب فني وفلسفي من خلال أعمالي للتخلص من بعض الأفكار المجتمعية السلبية التي مازالت تسيطر على العقل الباطن الجمعي».

مصادر إلهام

وعن مصادر إلهامه، قال غارم إن «مصدر إلهامي الوحيد هو تفاصيل حياتي اليومية، وما يخرج من عقلي من استنتاجات شخصية بحتة ومحايدة باستخدام الأدوات المعرفية التي اكتسبها من تجربتي الشخصية والفنية وعلاقتي بالقضايا التي عاصرتها واستحوذت على اهتمامي، ومؤكد أن نشأتي بمنطقة (أضحى) جنوب السعودية، أثر كثيراً في تشكيل رؤيتي الفنية، تلك المنطقة التي تميزت بوجود قرية (المفتاحة التشكيلية) التي كانت تعنى بالفنون، وهناك رأيت الفنانين يرسمون، واكتشفت الرسم الكلاسيكي، والواقعي، ولكن وجدت أن اللوحة لا تسع الفكرة التي أريدها، ما دفعني للبحث عن وسائط أخرى».

واستطرد الفنان السعودي: «أستطيع أن أجزم أنني كنت محظوظاً، إذ إن (الإنترنت) كان مصدراً مهماً للمعرفة، في ظل غياب المتاحف، والمكتبات التي تبيع الكتب الفنية، وبدأت رحلتي البحثية عبر هذه الوسائط الحديثة، التي أوصلتني إلى طريقي في العمل، وهو (الآرت وورك)، بعد أن اضطررت للعمل في الشوارع بين الناس الذين يأتون من كل مكان، يصبحون جزءاً من العمل، ليتحول كل شيء حولي إلى عمل فني، فأي مكان أجد فيه الناس هو استوديو بالنسبة إليّ».

«رسالة رسول»

أهم الأعمال التي يعتز بها غارم، هو «رسالة رسول»، إذ أسهم في خلق شخصيته الفنية وأعطاه ثقة، حسب تعبيره «إذ يمثل قضية تمس العديد من الأجيال حتى وقتنا الراهن، وكان على هيئة قبة من الخشب والنحاس بحجم ثلاثة أمتار يجسد قبة الصخرة في مدينة القدس، وهذا كان له ارتباط بانتفاضة الحجارة الراسخة في ذاكرة أجيال كثيرة، ومنها جيلي، ولاقى العمل اهتماماً من عشاق الفن التشكيلي لارتباطه بقضية تهمّ العرب جميعاً، وتشكل جزءاً من اهتماماتهم الأولية، وبيع العمل في مزاد كريستيز عام ٢٠١١ بما يقارب المليون دولار، ما شكّل مفاجأة للوسط الفني ولي شخصياً، ولإيماني بأهمية الفن ودوره في بناء الحضارات تبرّعت بقيمة العمل للبرامج التعليمية في مؤسسة حافة عربية».

وأضاف «أعمل على تقديم الفكرة بطريقة تجعلها تبدو جميلة، حتى وإن كانت الرسالة التي أوصلها صعبة نوعاً ما، وعندما تقع أعين المهتمين على العمل، يحبونه ويدركون أنني أحترمهم، وأحياناً لا تتسع اللوحة للتعبير عن الأفكار التي تراودني، لذا أتجه لعالم (تجهيز الفراغ)، الذي يقوم على ملء مساحة فارغة وتوظيفها بخامة فنّية، كعمل منحوتة وربطها بموسيقى أو صور فوتوغرافية حولها، تعبر عن قضية أو توصل رسالة ما للمتلقي بشكل أكثر عمقاً من الرسم».

غارم:

«حين وجدتُ اللوحة لا تسع فكرتي، بحثتُ عن وسائط أخرى».

«غلفتُ نفسي على شجرة داخل غطاء بلاستيكي شفاف لأوصل رسالة».

معارض

شارك الفنان عبدالناصر غارم في العديد من المعارض، وقدم أعماله في بينالي الشارقة، وبرلين، وفينسيا. وحظيت أعماله باختيارها للاقتناء من قبل مجموعات فيكتوريا والبرت، ومتحف الفن في لوس أنجلوس، ووزارة الثقافة السعودية.

1975

العام الذي ولد فيه الفنان السعودي عبدالناصر غارم.

2007

العام الذي شارك فيه غارم في «بينالي الشارقة».

2011

العام الذي أصدر فيه غارم كتابه الأول «فن البقاء».

16

عملاً لعبدالناصر غارم في معرض «الأشكال الفاعلة للنحت».

الأكثر مشاركة