فقد نصفه السفلي في 14 مايو 2008 واستشهد في 14 مايو 2018

فادي أبوصلاح.. الغزّي الذي قتلته إسرائيل مرَّتين

صورة

مع شمس كل يوم جديد، كان الشاب فادي أبوصلاح يودع أمه وأبناءه وزوجته لينطلق بنصفه العلوي مستقلاً دراجة نارية معدّة لحالته الصحية، يحمل معه كرسيّه المتحرك ومقلاعاً، اللذين يُعدّان وسيلتيه للمشاركة في مسيرة العودة التي انطلقت في نهاية شهر مارس الماضي، على طول الحدود الشرقية لغزة مع الاحتلال.

«زوجته أخفت مفتاح المنزل كي لا يخرج إلى الحدود، لكنه أصرَّ وهو يبتسم: لازم أشارك، أنا مش أحسن من الشباب».

كان أباً وزوجاً حنوناً

قبل أن يتجاوز ربيعه العشرين، صبَّت الطائرات الإسرائيلية جحيمها في عام 2008 على بيت فادي أبوصلاح، فبترت قدميه على الفور، وأصبح مُقعداً في وقت مبكر من عمره.

لكن الإعاقة لم تقتل حب فادي أبوصلاح للحياة والإقبال عليها، فتزوج وأنجب وحجز له مكانه في المجتمع، وفي السنوات العشر بين إعاقته واستشهاده، كان ما يلفت الانتباه فيه دائماً هو إصراره على البقاء في الحياة، والتغلب على إصابته وظروفه الصعبة.

وتقول زوجة الشهيد: «فادي كان حنوناً معي ومع أبنائي، ومثالاً للزوج والأب، وكان يساعدني في الأعمال المنزلية، ويشاركني همومي ويخفف عني ويصطحبنا إلى الأماكن الترفيهية، رغم حالته الصحية ورغم عدم تمكنه من السير والتحرك كالأصحاء».

وتضيف: «كانت أمنية فادي أن يرى أبناءه الأطفال شباباً ويفرح بهم، لأنهم كانوا يمثلون له نبع الحياة في ظل الأوضاع البائسة التي يعيشها، لكنه رحل دون أن يحقق حلمه برؤية أطفاله شباباً».

في أقصى نقطة لبلدة خزاعة مع السياج الحدودي الفاصل مع الاحتلال كان فادي يتواجد بشكل يومي، على مدار شهر ونصف الشهر، مشاركاً في مسيرات العودة، وكان يتقدم الصفوف الأولى للمشاركين، مواجهاً بصدره العاري وعلى كرسيّه المتحرك أقوى جيش في العالم، فيما يحمل في يده حجارة يرسلها بالمقلاع باتجاه الجنود الإسرائيليين المنتشرين بكثافة على الشريط الحدودي. وفي آخر مشاركة له في المسيرات، وقبل أن ينتهي احتجاج الـ14 من مايو بساعات، كان فادي على موعد مع الموت، قنصه جندي إسرائيلي وكأنه ينتقم منه لثباته طوال أيام المسيرات الماضية.

كان فادي قد أصيب في 14 مايو 2008، ليفقد نصفه الأسفل، بعد أن استهدفته مروحية إسرائيلية، وبعد 10 سنوات بالتمام والكمال، في اليوم ذاته (14 مايو)، من عام 2018، رحل قبل أن يتحقق حلم العودة الكبير، وقبل أن يتحقق حلمه الصغير برؤية أطفاله شباباً.

فتى في مواجهة جيش

فادي أبوصلاح في الثلاثين من عمره من سكان مدينة خان يونس جنوب غزة، وهو متزوج وأب لخمسة أطفال، ثلاثة أولاد وابنتان، أكبرهم يبلغ من العمر سبعة أعوام، لم تعقه إصابته في أطرافه السفلية، ولم تمنعه تعزيزات جيش الاحتلال من الإصرار على المشاركة في المسيرات الشعبية، ليشق طريقه وسط الجماهير مطالباً بالعودة إلى أرضه، لكنه استقبل الموت بصدره العاري ليروي بدمائه تراب فلسطين.

يقول حمزة أبوصلاح، الشقيق الأصغر للشهيد فادي: «شقيقي كان يشارك بشكل فاعل ويومي في مسيرات العودة على الحدود الشرقية لمدينة خان يونس، فكان يذهب يومياً على كرسيه المتحرك، ويتقدم الصفوف، رافعاً علم فلسطين، فيما يحمل المقلاع ليكون عتاده المتواضع في مواجهة الترسانة العسكرية الإسرائيلية».

ويضيف: «بعد عودته من الحدود، كان يقضي وقتاً طويلاً في تجهيز عدد كبير من مقالع الحجارة التي تُعَدّ وسيلته الوحيدة للنضال. وإذا كان كرسيه المتحرك قد أصيب بعطل، كان يحرص، بعد العودة من الحدود، على إصلاحه ليكون صالحاً للاستخدام في اليوم التالي».

وأشار إلى أن شقيقه فادي كان يشارك في مسيرات العودة حالماً باستعادة الأراضي المحتلة، والعودة إلى مدينته الأصلية يافا، التي هُجِّر منها أجداده قبل 70 عاماً.

ويكمل شقيق الشهيد حديثه: «إن فادي لم تمنعه كل المخاطر التي كانت على طول الشريط الحدودي، وكان يصر على المشاركة يومياً مع الشباب، حتى لا يشعر بالنقص، ولكن مصيره كان الاستشهاد برفقة مجموعة من الشبان المتظاهرين في مخيمات العودة، بعد أن استهدفه القناص الإسرائيلي في رأسه».

ويضيف متسائلاً «ما الخطر الذي يشكله شاب مقعد على كرسي متحرك على جنود مدجّجين بالأسلحة الحديثة».

«لازم أشارك»

في حادثة أخرى تدل على إصرار الشاب فادي على المشاركة في مسيرات العودة رغم إصابته، تروي زوجته آمنة أبوصلاح، لـ«الإمارات اليوم»، فتقول: «في اليوم الأخير من حياة زوجي، وقبل مغادرته منزله، أخفيتُ مفتاح المنزل كي لا يخرج إلى الحدود، كنت أحسُّ بخطر سيصيبه، إلا أنه أصرَّ على المشاركة، وقال لي مبتسماً: لازم أشارك، أنا مش أحسن من الشباب».

وتضيف: «منذ بداية مسيرات العودة كان يحرص على الذهاب والمشاركة في كل فعاليات المسيرة، ويومياً كنت أقول له لا أريدك أن تصاب مرة أخرى، أنا وأولادك نحتاجك، إلا أنه كان يردُّ دائماً: لازم أشارك، الشباب المشاركين ليسوا أحسن مني».

تويتر