ممثل يجيد اختيار ما هو مختلف ومؤثر

«عاصوف» ناصر القصبي.. وجه مختلف للسعودية

الدراما جزء أساسي من اليوميات الرمضانية التي يعيشها الوطن العربي، تخلق معها علاقة قبول ورفض ونقد، وكذلك الممثلون النجوم الذين يظهرون بأدوارهم المتنوّعة يصبحون أيضاً جزءاً من حكايات الناس بالتعبير عنهم وعن قوتهم أو ضعفهم في ما يقدمونه من شخصيات. تتغير الشخصيات ويظل اسم الممثل ثابتاً، قادراً على أن يُنجح العمل أو يُفشله.

يثبت الممثل السعودي ناصر القصبي، أنه في صعود مستمر تجاه تمكنه من أدواته في تقديم شخصيات متنوّعة وجديرة بالمتابعة والثناء، وأعمال تترك بصمتها ورسالتها عند جمهوره العريض. في هذا العام يقدم القصبي شخصية مميزة اسمها (خالد) في عمل لافت يحمل عنوان «العاصوف» للمخرج السوري المثنى صبح.

«العاصوف» يتناول

مرحلة مهمة في

تاريخ المملكة العربية

السعودية.

عرفه المتابع في شخصيات عدة في سلسلة «طاش ما طاش»، وبعد توقف السلسلة، انتقل لتقديم نفسه في أعمال درامية عدة، لا تقل أهمية تجاه خياراته في تصدير ما يشبه الحقيقة، مثل الموسمين الأول والثاني من مسلسل «سيلفي»، وهي خيارات تؤكد أننا أمام ممثل مثقف وصاحب مشروع، وانتقائي في خياراته لنصوص يدرك هو بذكائه كم ستؤثر في المجتمع إيجاباً.

يمنحك القصبي هذا الشعور، أنه يريد لك كمشاهد أن تفتح ذهنك أمام ما يقدمه من حكايات، ويلعب من خلالها شخصيات ببساطة تكاد تشبه أحد أقربائك أو جيرانك، هو قريب إلى هذا الحد بطبيعة أدائه، وحكاية «العاصوف» التي كتبها

عبدالرحمن الوابلي، ليست عابرة، بل هي تتحدث عن مرحلة مهمة في تاريخ المملكة العربية السعودية بين عام 1970 إلى عام 1975، كيف تغيرت الحال، كيف كانت الرياض تحتفي بالموسيقى والسينما والحياة، كيف كان شكل المرأة وحضورها وقوتها في فرض ما تراه مناسباً، عن الفكر السائد في تلك الفترة بشكل عام، مشاهد كاملة تحوم حولها شخصية (خالد الطيان)، التي يؤديها القصبي بتمكن وذكاء غير متجاهل وضع لمسات خفة الظل فيها وهي التيمة التي رافقته في مسيرته الفنية.

القصبي في هذه الشخصية لا يؤدي دور فرد في العائلة فحسب، بل يؤدي دور شكل له علاقة بتطور الأحداث اجتماعياً، هو الذي تخرج في تخصص سياسة وتجارة، وهو الذي أجاب عن سؤال سائل بعد أن حاول شقيقه الاستخفاف به، إن لا علاقة له بالسياسة لكن التجارة هدفه «قال في ما معناه»، قال لي أستاذي ذات مرة إن «التجارة هي أهم أساس للدولة» هذه الجملة جاءت بعد مشاهد عدة في حلقات لصور جمال عبدالناصر معلقة في جدران منازل السعوديين، وفي الجهة الأخرى لشيخ جامع قادم من سورية يريد نشر فكرة التشدد الديني بين صفوف المصلين.

يريد القصبي أن يكون جزءاً حياً من نقل ما يدور خلف الكواليس، عن مجتمع تحوم حوله كثير من التكهنات بسبب الانغلاق لسنوات عدة، يريد أن يحكي ما كانت عليها المملكة وما آلت اليها وما السبب وراء كل هذا، يريد ببساطة أن يؤكد أن الفن كان جزءاً من بيوتهم، وكيف لا والراديو يصدح بالكلثوميات وبصوت محمد عبده، ومحال بيع الأشرطة موجودة، يريد أن يحكي أيضاً كيف كانت النساء يجلسن في حضرة الرجال ويتبادلن معهم الحديث، يريد أن يحكي كل هذا وأكثر في حضرة طفل لقيط تعثر عليه العائلة وتتولى تربيته.

يستحق القصبي أن يتم متابعته عربياً، لكن حاجز اللهجة من الممكن أنه سبب وراء عدم هذا الانتشار، تحديداً في مصر ودول المغرب العربي، على عكس سورية وفلسطين والأردن التي بها مناطق بداوة جعلت من لهجة الجزيرة العربية قريبة إليهم، وحضور القصبي مفهوماً وقوياً.

في هذا العمل الجديد يقدم القصبي دوراً استثنائياً لحكاية استثنائية، والسؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي تخبئه في جعبتك ولم تقدمه بعد؟

تويتر