قدَّم صورة استثنائية لحاكم يلتقي شعبه في كل مكان

نايف عبيد: زايد كان يحلــم بوحدة تجمع الدول العربية

صورة

قال الباحث الدكتور نايف علي عبيد إن شخصية المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من الشخصيات التي قل أن يجود التاريخ بمثلها، موضحاً أن أهم ما يميز الشيخ زايد هو عشقه للأرض وللبشر، والتصاقه بهموم الشعب، وحرصه على حل مشكلاته، وليس فقط الاطلاع عليها.

هتف الشعب ونادى

كشف الدكتور نايف عبيد أنه صاحب كلمات النشيد الوطني الشهير «هتف الشعب ونادى»، موضحاً أنه كتب كلمات النشيد في عام 1990، خلال الغزو العراقي للكويت، تحية للقوات المسلحة الإماراتية، التي أسهمت في تحرير الكويت، وتقديراً لدورها في الحفاظ على أمن وسلامة دولة الإمارات العربية المتحدة، ومكتسبات الاتحاد.

وأشار إلى أن كلمات النشيد حملت مشاعر صادقة وصادرة من القلب مباشرة، ما جعلها تصل إلى الجمهور سريعاً، فكان النشيد يعرض يومياً على تلفزيون أبوظبي في ذلك الوقت، مصحوباً بمشاهد للقوات المسلحة الإماراتية، وأخرى تصور لحظات إعلان الاتحاد وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر 1971، ما أكسبه مزيداً من الزخم والتأثير.

هتف الشعب ونادى قد بنينا الاتحادا

ووهبناه قلوبا وعقولا وزنودا

قد نسجنا من خيوط الشمس نصرا

وأحلنا الظلمة الديجور فجرا


الدكتور نايف علي عبيد:

- «شخصية زايد الإصلاحية انعكست في سياسته الخارجية فأصبح الوسيط النزيه في حل الخلافات العربية».

- «كان زايد يحمل في سيارته مقصاً لتقليم الأشجار.. وإذا شاهد شجرة تحتاج إلى تقليم توقف وهذبّها بنفسه».

- «كان زايد يتحدث مع الإعلاميين الأجانب دون تجهيز سابق.. ويطرح أفكاره دون مجاملة أو مبالغات».


زايد الخير

أكد الباحث الدكتور نايف علي عبيد أن هناك العديد من المواقف التي تعبر بوضوح عن مدى ارتباط المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بشعبه، وحرصه على إسعاده. ومن هذه المواقف عندما كان، رحمه الله، يزور إحدى القرى، واستقبله سكانها مرحبين به وبمرافقيه. وخلال الاستقبال جاء مواطن وأخبره بأنه لا يملك بيتاً ولا دخلاً، وليس لديه حتى قوت يومه، فأمر الشيخ زايد مرافقيه بتوفير مسكن للرجل على الفور، واتجه بحديثه إلى بقية أهل القرية، قائلاً: «كيف تأكلون وتشربون وجاركم ليس لديه مسكن أو طعام؟ ألم تعرفوا الحديث الشريف: لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم؟».

وأشار عبيد، الذي عمل منذ عام 1975 في قسم الصحافة والترجمة في ديوان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان لمدة 19 سنة، قبل أن ينتقل إلى إدارة البحوث والدراسات في ديوان ولي عهد أبوظبي، في حواره مع «الإمارات اليوم» إلى أن المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان، اكتسب من شخصية شيخ القبيلة الميل إلى حل النزاعات سلمياً، والإصلاح، وجمع الشمل، والقيام بالوساطة بين الأطراف المتصارعة. وهذا الأمر انعكس على السياسة الخارجية التي انتهجها الشيخ زايد لدولة الإمارات، وتجسد في دعوته للاتحاد، ثم الدور الرئيس الذي لعبه لتأسيس مجلس التعاون. كما كان يحلم بوحدة تجمع الدول العربية.

نموذج فريد

وقال عبيد إن الشيخ زايد، رحمه الله، قدم نموذجاً فريداً بين الرؤساء والقادة العرب، فبينما كانت الصورة السائدة لكثير من القادة تظهرهم وهم يحملون السلاح، قدم الشيخ زايد في المقابل صورة استثنائية للقائد والحاكم الذي يجلس بين مواطنيه في كل مكان، ويستمع إليهم باهتمام، ويستجيب لهم. وكان يحمل في سيارته مقصاً لتقليم الأشجار على الطريق بين أبوظبي والعين، وإذا شاهد شجرة ذابلة، أو تحتاج إلى تقليم، توقف على جانب الطريق، وهذبها بنفسه.

ويستذكر عبيد موقفاً رواه له المستشار عزالدين إبراهيم، رحمه الله، وكان مستشاراً للشيخ زايد بن سلطان، إذ كان إبراهيم ومجموعة من مرافقي الشيخ زايد ينتظرونه في قصر البحر، وعندما جاء الشيخ زايد أخذ يؤنبهم قائلاً: «ألا تخافون الله؟»، فتساءلوا بدهشة: «ماذا فعلنا؟». وأجابهم: «تقفون تتحدثون وإلى جانبكم شجرة (طايحة) على الأرض». وأسرع بنفسه إلى رفع الشجرة، وربطها إلى دعامة حتى تستقيم من جديد، لافتاً إلى أن هذا الموقف واحد من مواقف عديدة تعبّر عن عشق زايد للأرض والشجر والتعمير والبناء.

رجل دولة

وأوضح عبيد، الذي يعمل حالياً في مركز الشيخ سلطان بن زايد، كما عمل مستشاراً في الأمانة العامة لمجلس التعاون للدول العربية، أن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، كان عفوياً في لقاءاته مع الإعلاميين الأجانب، الذين كانوا يطلبون مقابلته. وكان يتحدث دون تجهيز سابق، ويطرح الأفكار التي يقتنع بها دون مجاملة أو مبالغات. وكان دائماً يستحوذ على إعجاب من يتحدث معهم، لما يتسم به حديثه من منطق وإقناع.

واستشهد في ذلك بما سبق أن ذكره السفير السابق للولايات المتحدة الأميركية لدى دولة الإمارات، وليم رو، عن شخصية الشيخ زايد: «عندما كان يأتي مسؤولون أميركيون إلى الدولة، كان عليّ - بحكم طبيعة عملي - أن أكون معهم عند مقابلة الشيخ زايد. وكنت ألاحظ كيف كان هؤلاء يخرجون بعد المقابلات وهم معجبون بحكمة الرجل وعقلانيته. وخلال تلك المقابلات، كان الرجل يتحدث بصراحة، ولم يكن يتردد في انتقاد السياسات الأميركية، خصوصاً ما يتعلق بإسرائيل والفلسطينيين. ولم يكن يخفف نبرة انتقاداته بسبب وجودنا، ولكنه كان يعرض تلك الانتقادات بأسلوب يليق برجل دولة، وبطريقة معقولة إلى درجة كان من الصعب على أي مسؤول أميركي معها تفنيدها».

وتابع عبيد أن الصحافي الهندي المشهور، كارينجا، قال عنه: «رأيت في زايد رجلاً يؤمن إيماناً عميقاً بأن له رسالة تاريخية يريد أن يحققها، وله فلسفة اجتماعية تنبع من شخصيته الذاتية».

وأشار عبيد إلى أن هناك مواقف مختلفة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان، ولدولة الإمارات، كانت مثار اهتمام وجدل في وسائل الإعلام الغربية، بحسب ما رصده خلال عمله في قسم الصحافة والترجمة في ديوان رئيس الدولة، ومتابعة ما ينشر عن دولة الإمارات في وسائل الإعلام الأجنبية. ومن أبرز هذه المواقف موقف الشيخ زايد، رحمه الله، في حرب أكتوبر 1973، فقد كان موقفاً قوياً، لم يتوقع كثيرون صدوره من دولة مازالت وليدة. وهو ما يرجع إلى إيمان الشيخ زايد بالقضايا العربية، وحرصه على نصرتها. كذلك كانت للشيخ زايد مواقف كثيرة مشرّفة في الدفاع عن القضية الفلسطينية، مثل موقفه عقب اقتحام شارون للمسجد الأقصى.

الوسيط النزيه

وأوضح الباحث والمحلل السياسي أن شخصية الشيخ زايد الإصلاحية انعكست في سياسته الخارجية، فأصبح الوسيط النزيه في حل النزاعات والخلافات العربية - العربية، مثال تأكيده أثناء الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1989) أن القتال الدائر في لبنان لا يخدم مصالح الأمة العربية، مطالباً جامعة الدول العربية بالتحرك، ومبدياً استعداده للوساطة لحل النزاع.

وتوقف عبيد أمام اهتمام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، بالتعليم، حيث كان إيمانه به عميقاً، وبأن الإنسان المتسلح بالعلم والأخلاق هو فقط القادر على بناء الوطن والحفاظ عليه. وقد خصص، رحمه الله، جزءاً كبيراً من دخل الدولة لبناء مؤسسات تعليمية وتطوير التعليم، واستطاع أن يحقق طفرة حقيقية في هذا المجال، فبعد أن كان عدد الخريجين من أبناء الإمارات عند قيام الاتحاد ثلاثة أشخاص، أصبح بالآلاف في مختلف المجالات والتخصصات.

تويتر