الرجل المُسن عاند الصحراء واستصلح الأرض القاحلة

تحدّي «الأحمق» الذي غيَّر المناخ

صورة

امتهن التجارة منذ القدم، بين ليلة وضحاها ترك كل شيء، من أجل تجسيد العهد الذي قطعه على نفسه، ونجح فيه، والمتمثل في بعث الخضرة من جديد، في منطقة أضحت قاحلة، وقد نجح فيه بفضل تقنية بسيطة، لكن فعالة.

اليوم استصلح 25 هكتاراً من الأراضي الجافة، التي أصبحت غابة تعج بالحياة.

فعلى بُعْد 184 كيلومتراً، شمال عاصمة بوركينا فاسو، تتربع غابة «قورقا»، على مساحة 25 هكتاراً، وفي شهر مايو (شهر الجفاف)، تحتفظ هذه الغابة بألوانها الجميلة.

واجهت المنطقة الشمالية للبلاد - منذ عقود - شحاً رهيباً في المطر، وفي المقابل ارتفعت نسب المواليد، ما أدى إلى تدهور البيئة وتراجع الإنتاج الزراعي، فبحسب دراسة أجراها المرصد الوطني للبيئة والتنمية المستدامة عام 2011، تعد المنطقة من بين المناطق الثلاث الأكثر تضرراً في البلاد، من حيث توسع رقعة التصحر، وتصل النسبة إلى 3.1 على 5%.

بين ليلة وضحاها ترك كل شيء، من أجل تجسيد العهد الذي قطعه على نفسه، ونجح فيه، والمتمثل في بعث الخضرة من جديد في منطقة أضحت قاحلة، وقد نجح فيه بفضل تقنية بسيطة، لكنها فعالة.

فكيف تحولت هذه المنطقة الجرداء إلى غابة خضراء؟ هذه النتيجة المذهلة صنعتها أيادي رجل مسن، 80 سنة، يسمى ياكوبا ساوادوقو، الذي لقب بـ«قاهر الصحراء»، من أجل إرساء هذا المشروع على أرض الواقع، ابتكر تقنية مبدعة تسمى «الزاي»، فما فحوى هذه التقنية وكيف طبقها؟

يقول ياكوبا ساوادوقو: «في نهاية سنة 1960، أشارت تقارير إلى أننا مقبلون على فترة جفاف، لم يسبق أن مرت بها منطقتنا في الماضي، ولمواجهة هذا الهاجس المخيف، قررت ترك تجارتي، واتجهت إلى الفلاحة، لكي أسهم في تجديد الطبيعة والحفاظ عليها، كان سكان قريتي يعتقدون أنني أصبت بالجنون، إذ كانوا يعاتبونني بشدة، وكانوا ينادونني بالأحمق المجنون، إذ ما كنت أفعله كان خطأ، بل ضد التقاليد والأعراف، والكل كان يسخر مني».

تقنية «الزاي»

بعد عامين من التواصل والبحث مع أشخاص على علم بخفايا التربة المحلية وكيفية زراعتها، استنبط الرجل فكرة «الزاي»، فهي تقنية بسيطة صديقة للبيئة، إذ يقوم ياكوبا ساوادوقو، قبل موسم المطر، بتحضير الأرض لاستقبال الغيث، لتستفيد منه بطريقة أوفر، باستغلال المياه جيداً، وذلك بمساعدة الأرض على امتصاص وتخزين أكبر كمية من الماء.

في أرض صلبة تماثل الخرسانة، يقوم الرجل بتشكيل حفر واسعة على الأرض، ويملأها بالسماد الطبيعي المستخرج من بقايا الحيوانات، إلى جانب مواد عضوية من بقايا النباتات المتحللة.

هذه العملية تساعد على جلب شريك طبيعي مهم في إنجاح المهمة، هو حشرة النمل الأبيض، التي تقوم هي الأخرى بحفر مسالك دقيقة ومتشابكة في ما بينها، تحت أعماق الأرض، وذلك من أجل نمو نوع من الفطريات تتغذى عليه مستقبلاً، ما يسمح من جهة بتهوية الأرض، وأيضاً بحجز كميات الأمطار المتساقطة في فصل المطر، داخل هذه الأنفاق التي تعد بالكيلومترات.

كما حاول ياكوبا ساوادوقو جاهداً إيجاد طريقة للحفاظ على الأمطار المتساقطة، وعدم إهدارها، ففكر في بناء جدار غير مرتفع، مصفوف من الحجارة، متماسك بالطين، على مدار حدود القطعة الترابية، المراد غرسها أو بذرها.

ويقوم الرجل بغرس الأشجار البرية، التي تتلاءم والمنطقة، إلى جانب بعض أنواع الخضار والحبوب المحلية، وكان سكان القرية يعتبرون ما يقوم به لا يجني شيئاً، لكن صمود وعزيمة ياكوبا القويين، والتناغم والانسجام بين الإنسان والحيوان، أثمرت في النهاية نتيجة مبهرة فاقت كل التوقعات.

في غضون الـ40 سنة الماضية، جذبت أنواع النباتات والأشجار المغروسة طيوراً وعصافير وأرانب برية، وهذه الأخيرة بدورها نقلت أنواعاً أخرى من أصناف أخرى لنباتات وأشجار من مناطق بعيدة.

اليوم مجهود ياكوبا حوّل منطقة قاحلة إلى غابة خضراء.

غابة ياكوبا غيَّرت تماماً المناخ المحلي للمنطقة، فيعتبر الغطاء النباتي حاجزاً يقي مرور الرمال، فيحدُّ من التصحر، ويعتبر مظلة من الحرارة الشديدة، وأهم ذلك أنها أسهمت بفاعلية في رفع مستوى المياه الجوفية.

كما أسهمت جهوده في الاكتفاء الذاتي لأهالي قريته من الغذاء، نظراً لوفرة الإنتاج الزراعي.

ففي موسم حصاد حبوب «الدخن»، يجتمع سكان القرية، ويذهبون جميعهم لحصاد الغلة، التي تقيهم الجوع.

اتصفت طريقة ياكوبا في الغرس والبذر، وكيفية حفاظه على النبات من الجفاف، بالفعالة، وقد أصبحت هذه الطرق تعتمد في بلدان الساحل الإفريقي في الزراعة، وبفضلها تمكنت دولة النيجر من التغلب على المجاعة.

فهم المزارع ياكوبا ضرورة التعايش في المحيط الطبيعي، والاستفادة منه بشكل ذكي ومتوازن، بين الإنسان والحيوان والنبات، وهو سر نجاح مهمته.

تويتر