قضايا جريئة و«تحديث لرواية قديمة»

مسلسلات رمضان.. بعد الحلقة 15

صورة

انتصف شهر رمضان المبارك، وباتت الصورة أكثر وضوحاً في ما يتعلق بقصص المسلسلات الدرامية التي يتابعها الجمهور عبر قنوات متعددة، وخيارات أكثر، ومع قلة الإنتاجات الدرامية السورية لهذا العام، وغيابها عن المحطات التي تعتبر الأكثر مشاهدة، أصبح خيار المشاهدين متجهاً نحو مسلسلات مصرية عديدة ومتنوعة وأخرى خليجية، ولا شك أن موضوع الإرهاب ومكافحته كان الغالب على شكل الدراما العربية لهذا العام، في المقابل ثمة حكايات اجتماعية وعاطفية جذبت الجمهور لها كنوع من خلق التوازن، على سبيل المثال وليس الحصر مسلسل «لا تطفئ الشمس» المأخوذ عن رواية إحسان عبدالقدوس التي تحمل العنوان نفسه، ومسلسل «كحل أسود قلب أبيض»، وهذان العملان تحديداً قدما صورة بصرية تكاد تتفوق على الحكاية وأداء الأبطال، ومن جانب آخر ثمة قضايا كانت جريئة مثل موضوع مرض السرطان وتفاصيل حياة كاملة لمن يحمله، من خلال مسلسل «حلاوة الدنيا»، أمّا بالنسبة لمسلسل أوركيديا للمخرج حاتم علي، فقد كان لافتاً أن أكثر ما تم تناوله حول هذا العمل عبر صفحات التواصل الاجتماعي هو قدرة المخرج على جمع ممثلين سوريين اختلفوا سياسياً لكنهم اجتمعوا واتفقوا فنياً.

- شجاعة لافتة من هند صبري أن تقدم شخصية أمينة في «حلاوة الدنيا»

- الإرهاب ومكافحته غلب على شكل الدراما العربية لهذا العام

- حاتم علي استطاع جمع ممثلين سوريين اختلفوا سياسياً واتفقوا فنياً

تفوق الصورة

استطاع مخرج مسلسل «لا تطفئ الشمس» محمد شاكر خضير أن يقدم عملاً متكاملاً، سمته التفوق البصري، فهذا العمل المبني على رواية احسان عبدالقدوس التي تحمل العنوان نفسه، والتي تم صناعة فيلم سينمائي عنها عام 1961 للمخرج صلاح أبوسيف اختلفت معالجته تماماً، واقتربت من مجاراة العصر من خلال النص الذي قدمه تامر حبيب، ما قطع الفرصة على محاولات مقارنته بالفيلم، وهذا بحد ذاته شكل علاقة حديثة مع المشاهد، واستطاع أن يرى أبطال الرواية بشكل يتلاءم مع العصر الحديث، وطريقة التواصل بين ابطاله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الطرق التي تتلاءم مع ذهنية شريحة الأغلبية من المتابعين، وهذا الشكل الجديد لعصرنة الرواية يعتبر خطوة جريئة وذكية، لتظل مثل هذا الروايات حاضرة في كل عصر وتتلاءم معه.

وفي حضرة كل هذا، يوجد تميز في الأداء لكل من يظهر اسمه على تتر المسلسل، لكن ثمة مشكلة واضحة في طريقة النطق لدى بعض الممثلين، مثل الممثل محمد ممدوح، الذي يقدم أداء مميزاً كعادته لكن لا يتفق مع صوته ومخارج الحروف غير الواضحة في أغلبية حديثه، وظهر هذا جلياً، عندما كان يقرأ مع نفسه مجموعته القصصية، وهذا الأمر تلمسه ايضاً مع الممثلة جميلة عوض لكن ليس بالوضوح ذاته، ولا شك أن ريهام عبدالغفور تقدم دوراً مميزاً ولافتاً ومختلفاً، واستطاعت ايضاً أمينة خليل أن تؤكد تمكنها من تطوير أدواتها في الأداء، مثل أحمد مجدي الذي يقدم شخصية رومانسية ومحبة، اضافة الى الشاب أحمد مالك صاحب الدور المميز، وشيرين رضا التي لا يعتبر وجودها عابراً في أي أداء تقدمه، وفتحي عبدالوهاب، ومريم الخشت، وخالد كمال، والممثل السوري جهاد سعد، وجميعهم في حضرة ميرفت أمين. وفي الحديث عن تفوق الصورة، لابد من المرور على المسلسل الخليجي «كحل أسود قلب أبيض» للمخرج الكويتي محمد دحام الشمري، فهذا المسلسل يقدم حكاية اجتماعية تدور أحداثها في زمن الأربعينات، فيها العديد من القضايا التي ترتبط بالتراث والعادات والتقاليد، وكل هذا تحت سلطة وجبروت شخصية «منيرة المرتفع» التي عاشت ضمن عائلة تتاجر في الذهب بين الهند والكويت في أربعينات القرن الماضي، واستطاع الشمري أن ينقل هذه البيئة ضمن رؤية بصرية خلابة وإدارة للممثلين قدموا أداء مميزاً ومحكماً.

قضايا جريئة

شجاعة لافتة من الممثلة هند صبري أن تقدم شخصية أمينة في مسلسل «حلاوة الدنيا» للمخرج حسين المنباوي، وشجاعة ايضاً من ظافر العابدين الذي أصبح من الأسماء التي يتابعها الجمهور أن يقدم شخصية سليم، وكلاهما مصاب بمرض السرطان، هذه الشجاعة هي أساس المسلسل، الذي من الممكن ملاحظة أنه ليس مصنوعاً بشكل درامي محبوك، لكن قوته تكمن بمتابعة ما سيحل بأمينة وسليم، وكل حكاية بعيدة عن ذلك ليست سوى ضرورة درامية في محاولة خلق توازن من الناحية العاطفية. أهمية هذا العمل تكمن في أنه يقدم نماذج لمرضى السرطان بصدقية أحاسيسهم، وليس بتصديرهم كأبطال يتحدون الحياة ويدعون أنهم بخير لأنهم في الحقيقة ليسوا بخير، وهذا تماماً ما توضحه شخصية أمينة، أما بالنسبة لشخصية سليم فهو من المرضى الذين قرروا عدم خوض معركة العلاج، على عكس أمينة، فالقوة في المسلسل هي في الصدق الذي يلمسه المتفرج، ويتعاطف معه ويقترب إلى فهم ماذا يعني أن يكون مريض سرطان موجوداً في حياتك.

سورية كلها

الحديث عن المسلسل السوري «أوركيديا» لن يكون فنياً، بل انسانياً، لأن أغلبية من يشاهد هذا العمل ممتن وسعيد لما استطاع أن يفعله المخرج حاتم علي، بتجميع هذا العدد الكبير من الممثلين السوريين المختلفين سياسياً، فمشهد وجود مي سكاف الى جانب سلوم حداد، على سبيل المثال وليس الحصر، يؤكد أن الفن يسبق السياسة دائماً في تحقيق الحلم، وأنه استطاع على الأقل أن يجمع السوريين تحت مظلته قبل أن يعودوا ويعيشوا تحت مظلة الوطن الذي يقبلهم جميعهم.

كتب قصة وسيناريو وحوار مسلسل «أوركيديا» السيناريست عدنان العودة، وهو من بطولة جمال سليمان، باسل خياط، عابد فهد، سلوم حداد، سلافة معمار، سامر المصري، قيس الشيخ نجيب، يارا صبري، واحة الراهب، ومي سكاف، وآخرون.

تويتر