تسهم في الحد من انبعاثات الكربون وتحمي السواحل

أشجار القرم كنوز صديقة.. للبيئة والإنسان

صورة

«أقرأ عن وطني»

مساحة من المعرفة تخصصها «الإمارات اليوم» لتعريف القرّاء من مختلف الأعمار بدولة الإمارات، من خلال طرح موضوعات ترتبط بالهوية الوطنية، وتاريخ الدولة وثقافتها، وتراثها ولهجتها وإنجازاتها، وكل ما يرتبط بهوية ومكونات الدولة، والشخصية الإماراتية، وهو ما يصبّ في تحقيق أهداف نشر المعرفة والثقافة التي يستند إليها «عام القراءة».


تتمتع دولة الإمارات بطبيعة متنوعة، تضم العديد من الكائنات البرية والبحرية، وكذلك النباتات التي ترسم ملامح تفرد المنطقة وتميزها من ناحية البيئة، ومنها أشجار القرم، أو «المانغروف»، التي ارتبطت بالمنطقة عبر سنوات طويلة، حيث يتميز هذا النوع من الأشجار بالنمو في المياه المالحة، بالإضافة إلى قدرته على امتصاص الغازات الدفيئة، بما يسهم في خفض نسب تلوث الهواء، وخفض تأثير ظاهرة التغير المناخي، كما تسهم غابات القرم في المحافظة على البيئة من خلال حماية الخط الساحلي من التآكل بسبب الأمواج والتيارات المحيطة.

من أقوال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: «إننا نولي بيئتنا جلّ اهتمامنا لأنها جزء عضوي من بلادنا وتاريخنا وتراثنا، لقد عاش آباؤنا وأجدادنا على هذه الأرض، وتعايشوا مع بيئتها في البر والبحر، وأدركوا بالفطرة وبالحس المرهف الحاجة للمحافظة عليها، وأن يأخذوا منها قدر احتياجهم فقط».

على مدى تاريخها؛ اهتمت دولة الإمارات بأشجار القرم لحماية سواحلها، كما كانت أخشابها مصدراً رئيساً للتدفئة والوقود، إلى جانب استخدامها في بناء المنازل والسفن، نظراً إلى صلابتها ومقاومتها العالية للتعفن والنمل الأبيض. ولم تقتصر أهمية أشجار القرم التي يراوح ارتفاعها بين ثلاثة وثمانية أمتار على هذا الأمر فقط، فهي تجذب أنواعاً مختلفة من الحيوانات لتحتمي بها من حرارة الشمس في الصيف، كما تعيش الأسماك قريباً منها.

وفي إطاره اهتمامه المبكر بالبيئة والاستدامة؛ حرص المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على تشجيع زراعة أشجار القرم، حيث تغطي أشجار القرم مساحة كبيرة من أراضي الدولة، معظمها يمتد في غابات بالمناطق التي تقع بين خطي المد والجزر، لتسهم في الحفاظ على البيئة بحماية السواحل من عمليات التعرية الناجمة عن الأمواج والتيارات البحرية، وتلعب دوراً فعالاً في الحد من الانبعاثات الكربونية، ما يسهم في خفض آثار تغير المناخ. وتنمو أشجار القرم في درجات حرارة معتدلة لا تتخطى 35 درجة مئوية، وفي مياه منخفضة الملوحة، ما يجعل بقاءها في دولة الإمارات العربية المتحدة تحدياً كبيراً، حيث تزيد درجات الحرارة على 35 درجة مئوية أثناء أشهر فصل الصيف. ولكن تم تكثيف برامج زراعة غابات القرم بتوجيهات من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، ما أسهم في زيادة هذه الأشجار بشكل مستدام خلال العقود الماضية.

تحتضن أبوظبي نحو 110 كيلومترات مربعة من أشجار القرم الطبيعية والمزروعة، التي توفر موائل طبيعية ومصادر تغذية وتكاثر آمنة للعديد من أنواع الأسماك والكائنات البحرية، مثل ثعابين البحر والسلاحف البحرية وأنواع تجارية مهمة من الروبيان وأسماك النيسر والنجرور (الفرش) والكوفر.

ويعد القرم الرمادي النوع الوحيد الذي ينمو على نطاق واسع في دولة الإمارات، كما نجحت هيئة البيئة بأبوظبي في إعادة استزراع نوع Rhizophora mucronata، وتمت زراعة عدد كبير من شتلات هذا النوع في مياه جزيرة رأس غناضة، بعد مرور 100 عام على انقراضها نتيجة الاستغلال. ويعد متنزه القرم الوطني، الذي يقع على الطريق الشرقي الدائري، أقرب غابة قرم لمدينة أبوظبي، وقد افتتح المتنزه للجمهور في الأول من أكتوبر 2014. كما أن هناك مساحات واسعة لغابات القرم في دلما، وجزيرة صير بني ياس وبوطينة والسعديات وأبوالأبيض، والأريام وجزر الظبية في أبوظبي. ويحتضن متنزه القرم الوطني نحو 60 نوعاً من الطيور مثل بلشون الصخور (طير الشاه) والبلشون الليلي وهازجة القصب الصياحة والفلامنجو الكبير والبلشون الأبيض الصغير والبلشون الرمادي وطيطوي الرمل والعقاب الأرقط بشكل موسمي، كما أنها تدعم كائنات أخرى مثل الأسماك والمحار والإسفنج، والروبيان، وشائكات الجلد والسلطعون.

هناك أيضاً محميات أخرى للقرم في الدولة منها محمية أشجار القرم والحفية في مدينة كلباء التي تم إعلانها محميةً طبيعيةً بموجب المرسوم الأميري رقم 27 لسنة 2012، الصادر عن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة، وتقع على مساحة 4997 كيلومتراً مربعاً، وتمتاز المحمية بأنها أرض رطبة ذات أهمية دولية؛ حيث تم اعتماد تسجيلها ضمن اتفاقية حماية الأراضي الرطبة (رامسار) سنة 2013، بسبب دعمها لفصائل مهددة من الكائنات الحية، كما أنها تمتلك أهمية عالمية كبيئة مهمة لتكاثر العديد من أنواع الطيور النادرة، حيث تميزت بانفرادها كموقع تكاثر لطائر الرفراف المطوق العربي.

وتواصل الجهات المختصة في الدولة الاهتمام بغابات ومحميات القرم، لحمايتها والحفاظ على ما تضمه من أنواع مختلفة من الطيور والأسماك، وعمدت الجهات الحكومية إلى وقف جميع أنواع الصيد في المحميات، عبر فرض العديد من الإجراءات والقوانين الجديدة، وتعيين مراقبين على مدار اليوم لتطبيق هذه القوانين، من جانبها؛ قامت هيئة البيئة في أبوظبي بحث المطورين على إعادة تأهيل المناطق المتضررة، من خلال برامج واسعة النطاق لزراعة أشجار القرم، كما في جزيرة السعديات، حيث قامت الهيئة، بالتعاون مع شركة التطوير والاستثمار السياحي، بزراعة 750 ألف شتلة قرم في 25% من مساحة الجزيرة التي يتم تطويرها لتصبح مركزاً ثقافياً لإمارة أبوظبي.

تويتر