يتخذون من المنازل المدمّرة ملاعب.. ويتطلّعون إلى أفلام «الأكشن»

شباب غزة و«الباركور».. الحياة تنبت من بين الركام

صورة

مع شروق شمس كل يوم يتسلّق الشاب، أحمد مطر، المباني المدمّرة القريبة من الشريط الحدودي بين قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي، ليقفز في الهواء محلقاً في سماء غزة وكأنه يقدم عرضاً للألعاب البهلوانية داخل سيرك روسي، وذلك بالاعتماد على مهاراته الفائقة في مقاومة قانون الجاذبية واللعب مع الهواء.

وما إن يحلّق أحمد عالياً حتى يشاركه أصدقاؤه الطيران فوق أنقاض خزاعة المدمرة لممارسة رياضتهم المفضلة «الباركور»، فيما يلتف حولهم الفتية والسكان، لمشاهدة الحركات الخطرة واللافتة للنظر.

وكانت رياضة «الباركور» قد انتقلت من باريس إلى قطاع غزة في عام 2005، ولكنها كانت محدودة النطاق، لتنتشر بشكل لافت عقب الحرب الأخيرة في صيف عام 2014، التي خلفت دماراً واسعاً، حيث تحولت أنقاض المنازل إلى ساحات وملاعب، خصوصاً لممارسي وعاشقي رياضة الموت، التي تشتمل على الركض والتسلق والدوران والقفز في الهواء.

الشاب أحمد، (19 عاماً) من سكان مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، يمارس رياضة «الباركور» ضمن فريق (PK Gaza)، المكون من 18 شاباً، والذين يستغلون الركام، والأرصفة المجاورة لشاطئ غزة، كساحات تدريب، كونهم لم يتلقوا أي نوع من الدعم أو المساعدة لتعزيز مهاراتهم.

«الإمارات اليوم» رافقت أعضاء فريق «باركور غزة» أثناء تأدية عروضهم، فبينما كان سكان خزاعة يراقبون حركات المحلقين في سماء مدينتهم المدمرة، رفع أحمد شارة النصر أثناء قفزه في الهواء، فيما التف صديقه خالد بعلم فلسطين، وذلك تحدياً للاحتلال، وتأكيداً على قدرتهم على صناعة الحياة رغم الموت.

ويقول الشاب أحمد بكلمات رشيقة كحركاته: «إن رياضة (الباركور) مهمشة في غزة، ولا أحد يهتم بالشباب الممارسين لها، لذلك نستعين بالمباني المدمرة للتدريب، والقفز في الهواء باستخدام القوة والمهارات التي نمتلكها».

ويضيف أن «رياضة (الباركور) تمنحنا القوة، وتزيد من ثقتنا بأنفسنا، لتحقيق طموحاتنا، وتطوير قدراتنا».

الشاب مطر ورفاقه ليسوا وحدهم من يمارسون «الباركور» في غزة، ففي حي الشجاعية الواقع شرق مدينة غزة، الذي يعد الأكثر تعرضاً للدمار، يوجد فريق 3 RUN GAZA بشكل يومي، للتدريب على الحركات الرياضية الخاصة بـ«الباركور»، وتنفيذ عروض القفز بالهواء الخاصة بهم، مثبتين بذلك حقهم في ممارسة رياضتهم المفضلة.

محمد لبد، مدرب فريق 3 RUN GAZA، المكون من 22 شاباً، مارس بعض حركات وقفزات «الباركور» بعد مشاهدته فيلم (B3) «قفزة لندن»، ليواكب بعد ذلك كل ما هو جديد في هذه الرياضة من خلال المواقع الإلكترونية، لاسيما أنه يجيد رياضة الجمباز، الأمر الذي ساعده بشكل كبير في المضي قدماً بهذه الرياضة، وإتقانها بشكل كبير.

ويقول لبد، وهو يتوسط فريقه: «بدأت فكرة ممارسة (الباركور) لدينا من خلال رغبتنا في الخروج من الواقع الكئيب الذي نعيشه في غزة، لأن هذه الرياضة تعني المتعة والمغامرة، والانتقال من نقطة إلى نقطة باستخدام القدرات البدنية والحركية، وقد وصلنا بالفعل إلى مستوى عالٍ من الأداء بسبب التمارين المكثفة».

ويضيف «إن دوافع الشباب لتعلّم هذه الرياضة برغم الخطورة التي تحدق بهم تتمثل في تحدي الحصار الذي يتعرض له قطاع غزة، إضافة إلى الفراغ الباطل وظواهر الفقر والبطالة».

ويطمح لبد ورفاقه إلى المشاركة في أفلام الأكشن، وتأدية بعض الأدوار المثيرة، التي تحتاج إلى مهارات وقوة بدنية كالتي يمتلكونها.

عقبات وحصار

كأيّ مكان في غزة تعرّض لآلة الحرب الإسرائيلية، لم تسلم الملاعب الرياضية من الدمار، ومن بينها نادي السلام الذي جهزه فريق 3 RUN GAZA، حيث توقفت الأنشطة به بسبب الأضرار التي لحقت به خلال الحرب الأخيرة.

ولا تقتصر التحديات التي تواجه ممارسي «الباركور» في غزة على مخلفات الحرب، حيث يطاردهم شبح الحصار وإغلاق المعابر في كل وقت، الأمر الذي حرمهم المشاركة في العروض العالمية، لاسيما أنهم تلقوا دعوات للسفر إلى إسبانيا وليبيا وقطر والجزائر، لتمثيل فلسطين في المسابقات الرياضية في تلك الدول. ويقول محمد أبوعيطة، أحد ممارسي «الباركور» في غزة: «نبذل جهودنا ليلاً ونهاراً حتى نستطيع السفر للاستفادة من التجارب العالمية، والمشاركة في عروض أخرى خارج القطاع، ولكن أكثر ما نخشاه في هذه الأوقات عدم قدرتنا على السفر بفعل إغلاق المعابر».

تويتر