تمثل ثقافة المجتمع الإماراتي وقيمه

«الفرجان».. بيوت زمان المــوصولة بالحب المسكونة بالألفة

صورة

لكل مجتمع خصوصيته التي يكتسبها من معالم محددة ترتبط به، ومن أبرز المعالم التي رسمت شكل الحياة في المجتمع الإماراتي «الفرجان»، أو الأحياء الشعبية القديمة، التي كان يسكنها أبناء الإمارات، وبين جوانبها ترتسم ملامح حياتهم الاجتماعية ومناسباتهم وأفراحهم وحتى أحزانهم.

أهم ما يميّز الفريج هو الحب والتراحم وعلاقات التعاون والجيرة الطيبة التي كانت تجمع بين سكانه، فقد كانت الحياة في السابق أكثر بساطة، كما كانت تخلو من كثير من مظاهر الترف والرفاهية التي يتمتع بها المجتمع الآن، في ظل التطور الكبير الذي شهدته الحياة في المنطقة وفي الإمارات عقب اكتشاف النفط، فكان من الطبيعي أن يتعاون أبناء الفريج على مصاعب الحياة وقسوتها، كما كان كل سكان الفريج يعرفون بعضهم بعضاً، وتربطهم علاقات قوية، على عكس الوضع الحالي في الأحياء الحديثة، حيث يعيش سكان البناية الواحدة في عزلة دون أن يعرف أحدهم الآخر، أو حتى أقرب جيرانه إليه.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/02/Zayed-bin-Sultan-Al-Nahyan-(1).jpg

التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بُنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات.

واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/02/29123_EY_11-01-2015_p28-p29-1.jpg


لمشاهدة صور تاريخية عن الموضوع، يرجى الضغط على هذا الرابط.


مذاق خاص للمناسبات في «الفريج»

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/02/445325.jpg

كانت الأعياد والمناسبات تكتسب مذاقاً خاصاً في الفرجان قديماً، مثل عيدي الفطر والأضحى، وكذلك طوال شهر رمضان، إذ يزداد التقارب بين سكان «الفريج» في هذه المناسبات، ويتبادلون الأكلات الشعبية وأطباق الحلوى قبل أذان المغرب في رمضان، وفي الأعياد يحرص كل منهم على تهنئة الآخرين، وتمتد جلسات السمر التي تجمع الكبار، بينما يلعب الصغار الألعاب الشعبية البسيطة. أما في المناسبات الخاصة، مثل النجاح أو الأعراس والميلاد وحتى الوفاة، فكان الجميع يلتف حول صاحب المناسبة، ويتعاونون في الاحتفاء به ومشاطرته فرحته أو حزنه.


«الفريج».. فريق

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/02/445324.jpg

كلمة «فرجان» مفردها «فريج» أي فريق، ويسمى أيضاً حارة وهي الحي السكني. وترجع تسمية «الفريج» إلى كون المجتمع الصغير فيه يُشكل فريقاً واحداً مترابطاً، وفي بعض الأحيان كان يُعرف «الفريج» باسم القبيلة التي تقطنه أو العائلة، وكان اسمه أحياناً يستمد من العمل السائد لدى قاطنيه، وقد ينسب إلى صفة المكان الذي يقع فيه.


«الفرجان» ثقافة مجتمع

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/02/445326.jpg

لا تقتصر أهمية «الفرجان» على كونها أماكن للسكن، ولكنها تعبّر عن ثقافة اجتماعية كانت سائدة في المجتمع الإماراتي، وينبغي الحفاظ عليها، بحسب ما تشير أستاذة التاريخ بجامعة الإمارات، الدكتورة فاطمة الصايغ، موضحة أن «ثقافة (الفرجان)، تعني الترابط والتواصل بين الناس قديماً، وتنمي الواقع الثقافي والاجتماعي لأجيال اليوم ،الذين لم ينشأوا على هذه الثقافة، مع الطفرة العمرانية، واختلاط السكان من جنسيات مختلفة، أفقدها معنى التواصل المحلي، حيث أصبح الجار لا يعرف جاره».


توثيق الرواية الشفهية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/02/445327.jpg

يوضح أستاذ التاريخ القديم في كلية العلوم الإنسانية بجامعة الإمارات، الدكتور حمد بن صراي، أن «(الفرجان) كانت تمثل القيم الأصيلة في ذلك الزمان، خصوصاً التعاون والتواصل والمحبة بين سكانها، حيث أدى تقارب الجدران إلى تقارب القلوب. كما كانت المجالس حاضرة بقوة في تلك الفترة، وشكلت فرصة لتوثيق تاريخ الإمارات، من خلال الرواية الشفهية، التي كانت تسجل من خلال لقاءات فردية بين الكاتب والراوي، أو لقاءات جماعية يحضر فيها الكاتب وسط الحضور في المجالس».

وعلى سبيل المثال، كان غياب أحد رجال الفريج قديماً عن أهله يجعل بقية رجال الفريج يقومون برعاية أهله حتى عودته. ودائماً ما كان الفريج يضم بعضاً من سكانه من ذوي المكانة الاجتماعية المميزة، أو الأكبر سنا وأكثر حكمة، وكان هؤلاء الأشخاص تسند إليهم مهمة الفصل في أي نزاع أو خلاف قد يحدث بين اثنين من أهل الفريج، فيقومون بالنظر في الموضوع والعمل على حله وإنهاء الخلاف، بما يحفظ روح المودة والمحبة بين الجميع في المكان.

تصف الشيخة صبحة محمد جابر الخييلي، الفريج قديماً في بادية أبوظبي في كتابها «وين الطروش»، قائلة: «عاش أهل البادية في تجمعات تسمى (الفرجان)، ومفردها (فريج)، وكل منها يضم ما يراوح بين أربعة إلى ستة منازل، يتعارف أهلها ويتواصلون، ويجتمعون على الخير والحب والتعاضد، ويتعاونون على جميع الأعمال، ويتبادلون الطعام والشراب، وينتصرون للجار إذا ما تعرّض المنزل لحادث ما، أو غاب (راعي البيت) أي ولي الأمر أو الوالد، في رحلة صيد أو رعي أو سفر أو للتبضع أو التجارة. ومن المعروف في المنظومة الاجتماعية للحياة البدوية أن لكل فريج قائداً، وهو رجل كبير السن، يثق به الجميع، ويعدّ المرجع الذي تسند إليه مسؤوليات كثيرة، كما أنه المستشار في القضايا والمشكلات التي قد تقع داخل القبيلة أو بين أفراد الأسرة الواحدة». ويتطرّق الكتاب إلى شكل الحياة اليومية في الفريج، مشيراً إلى أنه في نهاية كل يوم يتجمع الرجال في المجلس ليصنعوا قهوتهم، ويتبادلوا الأخبار والسوالف على إيقاع الشعر، أو الاستماع إلى حكايات الصيد والرعي اليومية، وأخبار التجار العائدين من رحلتهم التجارية، ويستمر الرجال في سمرهم حتى صلاة العشاء، وبعدها يخلد الجميع للنوم، ثم ينهضون مع صلاة الفجر، فيؤدون فرضهم، ثم ينتشرون في الصحراء طلباً للرزق أو الصيد أو الرعي، وهي المهن التي يعرفها البدو ويتوارثونها عن أجدادهم. أما النساء فيجتمعن في بيت إحداهن «ليتقهوين» أي يحتسين القهوة، ويتناولنها مع التمر أو وجبة خفيفة يقمن بإعدادها سريعاً.

أما فرجان الحضر في فترة الخمسينات والستينات، فكانت تضم «عرشان» متناثرة، وقد يصل عدد البيوت في الفريج إلى 30 بيتاً، كما في فرجان جميرا في دبي، التي كان سكانها يعملون في البحر، سواء صيد الأسماك أو الغوص على اللؤلؤ، وكان يمتلكون قوارب صيد وسفناً في بعض الأحيان.

مع اختلافها من مكان إلى آخر، تظل هناك ملامح عامة كانت تجمع بين مختلف الفرجان في الإمارات، فيتكون الفريج من بيوت العرشان أو الطينية متراصة ومتجاورة، وغالباً تصنع سقوفها من المدر والطين، وهي مواد متوافرة في البيئة المحلية، وكانت تتناسب مع طبيعة المناخ في المنطقة، وتعمل على التكيف معها، وتنساب بين هذه البيوت سكك ضيقة تعرف باسم «سكيك»، وممرات كانت معظم الوقت تعج بحركة سكان الفريج، وضجيج الأطفال وهم يلعبون في ألفة وأمان، وينتقلون بين بيوت الحي بحرية، نظراً للعلاقات القوية التي كانت تجمع سكان الفريج وكأنهم عائلة واحدة كبيرة، وبعض هؤلاء الأطفال كانت تجمعهم أخوة في الرضاعة. كذلك كان الفريج يضم مسجداً يجتمع فيه السكان لتأدية الصلاة، خصوصاً صلاة الجمعة، وقد يجتمعون فيه بالمناسبات المختلفة، وكثير من الفرجان كان يضم مجلساً يجتمع فيه السكان من الأجيال المختلفة، ليتذكر الكبار تاريخ الآباء والأجداد، والأشعار والمآثر القديمة، ويحفظ عنهم الأطفال والصغار ما يقولونه، حيث كانت المجالس القديمة بمثابة مدارس لتناقل العلوم والآداب والعادات والتقاليد بين الأجيال المختلفة. بينما كان «دكان الفريج» هو المصدر الذي يحصل منه سكان الحي على احتياجاتهم من البضائع والبقالة وغيرها، حيث كانت احتياجاتهم في ذلك الوقت بسيطة، وتعتمد على الاحتياجات الأساسية. كما كان الفريج يضم كتّاباً أو منزلاً لمحفظ أو محفظة القرآن، إذ كان يتلقى أبناء الحي تعليمهم القائم على حفظ القرآن الكريم والتفسير والفقه وأصول اللغة العربية، أما متطلبات أهل الفريج من المياه فكانوا يحصلون عليها من «السقاي»، الذي كان يطوف بين بيوت الفريج حاملاً المياه على ظهره، بعد أن يجلبها من «الطوي» القريب.

أرقام وأحداث

30

كان الفريج الواحد يضم عدة بيوت متقاربة قد تصل إلى 30 بيتاً.

2

من الألعاب الشعبية التي كانت تمارس في الفريج «الصبة»، ويلعبها طفلان، إذ يقوم كل طفل بجمع ثلاث حصيات ووضعها بأماكن مختلفة على رسم مربع الشكل مرسوم على أرض رملية، ويحاول كل طفل تكوين خط مستقيم على الرسمة أولاً ليفوز.

2006

طرح في 2006 مسلسل «فريج»، الذي يعدّ أول مسلسل كرتوني إماراتي. وهو أول مسلسل كرتوني ثلاثي الأبعاد في الشرق الأوسط. فكرة وإخراج الفنان محمد سعيد حارب. ويدور المسلسل حول أربع سيدات من دبي القديمة.

2000

شهدت بداية الألفية الجديدة تراجعاً كبيراً في مكانة «الفريج» في المجتمع الإماراتي، حيث تحوّل كثير من سكان الفرجان إلى الأحياء العصرية والمباني الحديثة.

تويتر