فنان إيطالي يحلم بلوحة «صوفية» تفيض روحانية بأقل الألوان

فورتينا: «الطابق المحظور» في مكتبة والدي قادني إلى الشرق

أندريا فورتينا: السهروردي هو الشاعر الأقرب إليّ. من المصدر

لا يتوقف الفنان التشكيلي الإيطالي أندريا فورتينا عن التجريب في فنه، لكنه ظل وفياً للتقنيات التقليدية في تحضير الألوان التي استخدمها كبار الفنانين العالميين منذ أكثر من 600 عام. وبعدما جذبه الشرق إلى عوالم الفنون العربية ومناخات الصوفية، أصبح يحلم بإبداع لوحة بأقل ما يمكن من ألوان، لكنها تفيض بالروحانية، وأصبح الشرق بمثابة كلمة السر في حياته وأعماله الفنية، كما أن الصوفية غيّرت نظرته إلى الفن.

 

الفنان فورتينا الذي ولد في عائلة لها إرث يمتد أربعة قرون في تصنيع الورق والألوان، كان منذ صغره يرسم بتشجيع من والده الذي كان يصطحبه إلى المتاحف. لكن حياته مرت بمنعطف شديد غيّر كل مساره، عندما منعه والده من الاطلاع على كتب في الطابق العلوي من المكتبة، ليكتشف الفنان أن ذلك «الطابق المحظور» هو بوصلته الروحية التي قادته إلى عشق الشرق، ودراسة التاريخ العربي والاطلاع على تراث ابن عربي والنفري والسهروردي.

سيرة الفن والترحال

ولد الفنان أندريا فورتينا في نوفارا في إيطاليا عام 1960، في عائلة من أطباء وصيادلة وكيميائيين، لها إرث في صناعة الورق والألوان، وفي طفولته درس الفن وتعلم تقنيات تصنيع الأصباغ ووصفاتها التي تحتفظ بها عائلته منذ أربعة قرون.

تلقى تعليماً موسيقياً، ومن سن الـ17 حتى الـ30 عاماً عاش في الشرق، وكرس حياته لتعلم مختلف الفنون العربية والإسلامية والبوذية، كما تعلم صناعة السجاد وتصاميمه وتقنيات صباغته التقليدية.

في عام 1990 انتقل إلى أوروبا، وتفرغ لدراسة الفن وتقنياته القديمة. وفي عام 1993 قسم حياته بين إسبانيا وإيطاليا، ودرس أعمال الفنان الإسباني دييغو فيلاسكيز.


الريشة الذهبية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/02/432396.jpg

أقام الفنان الإيطالي أندريا فورتينا معرضاً شخصياً، ضمن فعاليات الدورة الخامسة لجائزة الريشة الذهبية الدولية التي أقيمت في دبي، أكتوبر الماضي. وكان القنصل الإيطالي جيوفاني فافيللي ترأس لجنة تحكيم الجائزة التي ضمت عدداً من المختصين، من بينهم الفنان فورتينا، والدكتورة هدى أوسلاتي. وتعنى الجائزة بالرسم والنحت والتصوير والشعر، وكان موضوعها في الدورة الأخيرة يتعلق بالماء، وما يمثله في الحضارات الإنسانية. وكان المعرض بدعم من مدير «مونفيسو»، استيفانو إيوريني، ومن مجلس التجارة الإيطالية في الإمارات، بييرو ريكوتي وماورو مارزوكيتشي.

وقال أندريا فورتينا لـ«الإمارات اليوم» خلال إقامته معرضاً، ضمن فعاليات الدورة الخامسة لجائزة الريشة الذهبية الدولية في دبي «تأثرت بفلسفة ابن عربي الصوفية، الذي يؤكد أن كل شيء موجود للحب، حتى أنني أرسم الأثر الروحاني في الوجوه والأشياء، لذلك اللوحة هي التي تنظر إلى المشاهد»، مضيفاً «أحلم بإنجاز لوحة بأقل ما يمكن من التقنيات والألوان، لكنها محتشدة بفيض من الروح، كما في الفنون العربية، التي تختزل المواد، لتقتصر على حبر وخطوط، لكنها تشع بالروحانية». وأشار إلى أن اللوحة التي يحلم بها تماثل حال الشعر الصوفي، الذي يفيض بالعاطفة بأقل قدر من الكلمات، مثلما قال النفري «إذا اتسعت الرؤيا، ضاقت العبارة»، لتتحول هذه العبارة إلى «كلما فاضت الروحانية، ضاقت الألوان»، وفق توصيف الفنان.

يستخدم فورتينا الذي ولد في نوفارا في إيطاليا، عام 1960، مختلف المواد في أعماله الفنية، فهو يذهب في التجريب، من برونز وألوان زيتية ومائية وقهوة ونحاس وزجاج وألمنيوم ورقائق الذهب. وقال إن «الرسم على المعدن، مثل رقائق الذهب، يجعل الضوء يشع من وراء الألوان، كما لو أن مصدراً يضيء من قلب اللوحة».

وحول تجواله المبكر في الشرق، ومغامرته في الترحال، إذ اضطر للعمل حمّالاً وكذلك في تنظيف السمك لإعالة نفسه في إسطنبول، أشار إلى غرابة القصة التي بدأت من مكتبة البيت العائلي، التي كانت تضم أكثر من 1500 كتاب، في التاريخ والرحلات والعلوم. وأردف «أخبرني أبي أنه متاح لي قراءة أي كتاب في المكتبة، ما عدا كتب الطابق العلوي، ما أثار فضولي، وحفزني لحل اللغز»، مشيراً إلى أن غموض الطابق العلوي أصبح مثيراً له، لمعرفة السر وراء تحذير والده له من الاطلاع على بعض الكتب.

لكن روح الفنان لا تتوقف عن حدود، وقال فورتينا «لم ألتزم بتعليمات أبي، إذ كنت أجد طريقتي للتسلل إلى (الطابق المحظور)، لأكتشف عالماً آخر في المكتبة، فالطابق يضم كتباً متعددة في تاريخ العرب والمسلمين. لقد كان الشرق مخفياً وراء حجاب التعليمات الأبوية، فانجذبت إلى الحرف العربي والمنمنمات والزخارف، وأطللت على الفضاء الصوفي عبر تلك الكتب».

ولدت فكرة الترحال لدى الفنان من «الطابق المحظور» في مكتبة والده، بعدما اطلع على كتب في تاريخ العرب خصوصاً، والشرق عموماً. وفي سن الـ17، قرر ترك عائلته، ولم يكن لديه مال، لذلك اعتمد على التنقل المجاني، مع أي سائق يقف له، وظل يرتحل من نقطة إلى نقطة بهذه الطريقة، إلى أن وصل إلى إسطنبول. وقال حول تلك المرحلة «اضطررت للعمل في تنظيف السمك في السوق، كما عملت حمّالاً لإعالة نفسي. وكانت تلك التجربة درساً في الاعتماد على النفس، وفي ابتكار طرق جديدة لحياتي». وأضاف «بدأت التعرف إلى الشرق مباشرة وأنا في أرض الشرق نفسه، واطلعت على جزء من التراث الصوفي، خصوصاً الطريقة القادرية، وبدأت أتغير، وبدأت التحولات تجتاحني، إذ إن الصوفية غيّرت نظرتي إلى الفن، وفتحت لي فضاءات جديدة».

وأوضح فورتينا أن المنمنمات جذبته، خصوصاً بعد اطلاعه على تاريخها الشرقي، وكان زار تركيا وإيران وكازاخستان وتركمانستان وجورجيا وأفغانستان وباكستان والهند والصين، وتأثر بالفن البوذي، وقال «سحرني التعبير في آلاف من التماثيل». وقال إن «السهروردي هو الشاعر الأقرب إليّ، كما تأثرت بفلسفة ابن عربي الصوفية، الذي يؤكد أن كل شيء موجود للحب، إذ إنني أرسم الأثر الروحاني في الوجوه والأشياء، لتصبح اللوحة هي التي تنظر إلى المشاهد».

ومن الشرق ارتحل الفنان الإيطالي أندريا فورتينا إلى إسبانيا، إذ قال عن تلك الرحلة «في إسبانيا وجدت الحب، كما أنني أراها قطعة من الشرق داخل الغرب، تمثل جسراً بين ثقافتين. وهناك لفتت انتباهي أعمال فيلاسكيز الذي كان بلمسة واحدة يختصر ما يفعله فنانون آخرون بكثير من ضربات الريشة. وخلال دراستي لأعماله، كنت أنظر إلى روح تلك الأعمال الفنية، لذلك لا أحد يستطيع نسخ أعمال فيلاسكيز».

تويتر