استخدمت خامات البيئة الإماراتية فاتسمت بالاستدامة (1-2)

المباني الـقديمة..شاهد على الماضي والتحوّلات

صورة

البيوت والمباني المختلفة ليست مجرد هياكل معمارية جامدة، ولكنها عناصر محمّلة بكثير من المؤشرات والدلالات الفنية والمعمارية، إذ تمثل أشكال وأنماط العمارة جزءاً رئيساً من مكونات ثقافة أي دولة وتراثها، فهي ترتبط بروابط وثيقة بالبيئة والجغرافيا التي تحيط بها، وتستمد من المكان طابعها العام وملامح خصوصيتها، كما تستمد مواد البناء من الخامات المتوافرة في البيئة وفقاً لطبيعتهاً، وهو ما يجعلها قادرة على التكيف مع البيئة والحفاظ عليها، لتكتسب صفة محوّرية وهي الاستدامة، ولذلك تمثل دراسة الأنماط المعمارية السائدة في مكان ما عاملاً مهماً في دراسة طبيعة هذا المكان وتاريخه، بينما تعدّ التحوّلات التي تطرأ على المباني وأشكال العمارة مؤشراً إلى تتبع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها المجتمع.

 

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/01/Zayed-bin-Sultan-Al-Nahyan-(1).jpg

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/01/29123_EY_11-01-2015_p28-p29-1.jpg

التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بُنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات. واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.


%80

كانت مباني العريش تشكل ما يقرب من 80% من المساكن في دولة الإمارات حتى وقت قريب.


7

كان ارتفاع البراجيل يصل إلى سبعة أمتار في بعض الأحيان.


1903

معظم «البراجيل» في الإمارات بُنيت بشكل واسع عام 1903، وهو تاريخ وصول التجار من القواسم وبني ياس إلى المنطقة.


1986

تم افتتاح متحف الشندغة في موقع منزل الشيخ سعيد آل مكتوم لاستقبال الجمهور عام 1986.


استدامة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/01/421606.jpg

تبرز فنون العمارة لدى سكان الإمارات قديماً مدى القدرة على التعايش مع الأجواء والطبيعة القاسية التي تميز المنطقة، وابتكارهم لاستخدامات ومواد تخفف من قسوة الحياة، معتمدين في ذلك على المواد المتوافرة في البيئة المحلية، ولعل هذا ما جعل المباني القديمة نموذجاً للاستدامة في البناء، والحافظ على الموارد البيئية. واعتمد تشكيل فن العمارة في الإمارات على ثلاثة عناصر رئيسة: الطقس والمناخ، والعادات والتقاليد والقيم الاجتماعية، ومواد البناء المتوافرة في البيئة.

 

في منطقة الخليج بشكل عام، ودولة الإمارات بشكل خاص، هناك العديد من الملامح التي رسمت خصوصية أنماط العمارة فيها، التي استمدتها من خصوصية المجتمع، فكل نمط ارتبط بزمن معين، وكذلك بمنطقة بذاتها، فرغم وجود ملامح عامة للعمارة الإماراتية، فإن هناك أيضاً اختلافات بين العمارة في المناطق البحرية والصحراوية والجبلية، ولطالما كانت أشكال العمارة في الإمارات موضوعاً لكتابات العديد من الباحثين من العرب والأجانب على السواء، وهناك كتب صارت مراجعاً في هذا المجال، من بينها كتاب «العريش.. العمارة بسعف النخيل»، للمعمارية البريطانية ساندرا بيسيك، الذي قام مشروع «كلمة» للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة بإصداره، إذ كانت النخلة بمختلف مكوناتها وسيلة حياة للبدوي، فكانت تمنحه الطعام والمسكن، والمادة التي يصنع منها أدواته التي يستخدمها في الحياة اليومية. وفيما يرتبط بالعمارة، شكل سعف النخيل مادة مهمة للبناء في الإمارات، ووفرت العمارة التقليدية بسعف النخيل الملجأ من المناخ الشديد القسوة السائد في الإمارات وشبه الجزيرة العربية على مر القرون، وعلى عكس ما يعتقد كثيرون، تشير المعمارية ساندرا بيسيك إلى أن العمارة التقليدية قدمت أشكالاً متنوّعة من المباني التي تنم عن أصالة وإبداع وفهم عميق للبيئة، وكيفية التعايش معها، إذ كانت مباني العريش تستأثر بنحو 80% من المساكن في دولة الإمارات حتى عهد قريب، غير أنها تكاد تختفي اليوم تماماً. كما تتوقف في الكتاب أمام نماذج مهمة منها النموذج الأولي لأبنية العريش البيئية في قلعة الموقب في ليوا.

 

وبشكل عام، كانت الأخشاب مكوناً أساسياً من مكونات العمارة التقليدية، وتختلف وفقاً للبيئة المحلية، ومنها جذوع النخيل والدعن والخوص والليف. ويذكر الدكتور محمد فاتح زغل، في كتابه «ذاكرة الطين»، أن أقدم الحفائر تدل على استخدام النخيل في أسقف المحال العمرانية الأثرية، كما الحال في آثار الهيلي في شمال مدينة العين. استخدم كعوارض طويلة من الأعمدة يطلق عليه اسم الجندل والشندل، توضع كدعائم للسقف وترص على مسافات متساوية لتدعيمه، ويعلوها طبقات من الدعن «جريد النخيل»، وحصير من السعف وطبقات من (المدر) والطين. كما كانت تعمل منه المزاريب، وهي المجاري التي تركب في الأسطح لصرف مياه الأمطار، وهي من أهم ملامح العمران التقليدي في الإمارات.

نموذج آخر من نماذج الأنماط المعمارية التي تميزت بها عمارة الإمارات، هو «البراجيل» ويقصد بها «الأبراج الهوائية» التي تعلو المباني، خصوصاً في دبي، وتتضمن فتحات لتمرير الهواء، إذ كانت العنصر الرئيس في تلطيف درجات الحرارة داخل المباني القديمة قبل استخدام المكيفات. وللبراجيل تصميمات وأحجام متنوّعة تختلف باختلاف القدرة المالية لصاحب المنزل ومساحة البيت. وهي عبارة عن بناء مرتفع مربع الشكل يبنى على سطح الغرف الرئيسة في البيوت القديمة، ويقام بين زواياه الأربع جداران متقاطعان يقسمان الفراغ إلى أربع فتحات مثلثة بأسلوب يسمح بالتقاط الهواء من جميع الجهات، أما قاعدته فهي مربعة أو مستطيلة الشكل، قد يصل ارتفاعها إلى سبعة أمتار. وإلى جانب أهميتها الوظيفية، كانت البراجيل من العناصر الجمالية للعمارة القديمة، فكانت تضاف لها حليات في أركانها العلوية. ويرجع الباحثون ومن بينهم الباحث الإماراتي ناصر العبودي، في بحثه «العمارة في دولة الإمارات العربية المتحدة»، بداية استخدام البراجيل في البيوت الإماراتية إلى الفترة التي شهدت وصول التجار القواسم إلى مدينة دبي، واستقرارهم في منطقة تسمى «الفهيدي»، التي مازالت حتى الآن تحتوي على العديد من البيوت المزوّدة بأبراج الهواء.

ملامح العمارة الإماراتية القديمة لم تقتصر فقط على الشكل الخارجي للبيت وتصميمه العام، ولكنها أيضاً حملت خصوصية في تكوين المنزل من الداخل، استمدتها من العادات السائدة في المجتمع، من بينها الاهتمام بالمدخل الذي لا يسمح لمن في الخارج أن يرى أهل البيت أو يكشف أي جزء كبير من المكان. وغالباً ما تتكون البيوت القديمة من الفناء الداخلي أو (الحوش)، وهو فراغ مكشوف معظمه، وقد تتم تغطيه أجزاء منه، وغالباً ما يكون هذا الفناء أقرب إلى المربع، وتتوزّع حوله بقية أجزاء البيت ليلعب دور الرابط بين أجزاء المبنى الداخلي بعضها بالآخر وفق تدرج فراغي.

 

 

 

متحف الشندغة

تمثل منطقة الشندغة إحدى أقدم المناطق في دبي، وتضم نماذج من البيوت القديمة، من أبرزها متحف الشندغة وهو بناء يتكون من طابقين كان منزلاً للمغفور له الشيخ سعيد آل مكتوم، الذي كان حاكماً لدبي ما بين عامي 1912 - 1958. وبعد وفاة الشيخ سعيد، بقي بيته مهجوراً حتى تمت إزالته وإعادة بنائه بجوار موقعه الأصلي، وتم افتتاحه متحفاً أمام الجمهور سنة 1986. ويعرف البيت حالياً بمتحف الشندغة، إذ يقف شاهداً على تاريخ دبي في فترة ما قبل اكتشاف النفط. ويضم المتحف مجموعة من أبرز الصور التاريخية والخرائط والمعاهدات، وقطع النقود والطوابع التي توحي بالعديد من أوجه الحياة الاجتماعية الثقافية والتعليمية التي شهدتها دبي في الماضي.

مكيف تقليدي

«البرجيل» عبارة عن برج يتكون من أربعة أعمدة، ترتفع فوق البيت الحجري أو فوق بيت العريش، لتمنحه بعض البرودة. وكان يصنع من المواد المتوافرة في البيئة المحلية، مثل الحجر المرجاني والجص، أو الخشب وسعف النخيل والقماش والأكياس والأغطية، ليعمل بمثابة مكيف للهواء يقاوم به السكان حر الصيف، من خلال تبريده للهواء في أرجاء المنزل.

مبانٍ صيفية وأخرى شتوية

كان للمناخ تأثيره في البناء قديماً، فكانت المباني الصيفية غالباً ذات نوافذ من الجهات الأربع، للاستفادة من حركة الهواء داخل المبنى، وهي تنقسم إلى نوعين: الأول بيوت مبنية من الجص والحصا، وهذا النوع يحتوي على براجيل. أما النوع الثاني فهي منازل سعف النخيل، وتسمى العريش، ومعظمها يحتوي أيضاً على البراجيل المصنوعة من سعف النخيل الذي يغطى باليواني، ثم استبدل بالشراع والكتان المناسب لطبيعة هذه البيوت. أما بيوت الشتاء فكانت ذات جدران سميكة مبنية من الجص، وتسمى المخازن ولا تسمح بدخول الهواء البارد إلى السكان، وتتميز بالفتحات الصغيرة المرتفعة التي تحتفظ بأكبر كمية ممكنة من الهواء الدافئ في الداخل، وتسمح في الوقت نفسه بتجدد الهواء الفاسد داخل المبنى، وطرده إلى الخارج عن طريق أبواب المنزل.

 

تويتر