نساء «العهد».. عيون «الكلام المباح»

رغم الغموض الذي اكتنف العمل منذ حلقاته الأولى، و«هاشتاج» «لم نفهم شيئاً - العهد»، إلا أن نساء المسلسل المصري «العهد - الكلام المباح»، سيناريو وحوار محمد أمين راضي، وإخراج خالد مرعي، تستحق أن يسلط عليهن الضوء، للقوة التي يملكنها والدهاء والذكاء وبعض الطيبة، والأداء المتقن الذي يستحق الإشادة، خصوصاً عندما تكون إحدى بطلاته الفنانة الأردنية صبا مبارك (التي تلعب دور ريا).

مسلسل «العهد» فيه - حسب متابعين يحاولون استنتاج إسقاطات معينة - الكثير من رواية «طفل الرمال» للكاتب الجزائري الطاهر بن جلون، عن الفتاة التي حكم عليها أن تكون ذكراً لترث جاه أبيها وماله، هي نفسها الفتاة التي أدت دورها غادة عادل (في دور سحر) التي كانت تضغط صدرها تحت لفافة قاسية، وتؤم المصلين في رواية بن جلون، لكنها تشفي العليل في «العهد».

صبا مبارك من الأسماء التي تفرض حضورها، وتؤكد دائماً أنها قادرة على تجسيد كل الشخصيات مع كل التحولات فيها، فالتحدي بالنسبة لها كان بداية من تغيير لهجتها إلى لهجات عربية مختلفة: سورية، مصرية، وغيرهما، فهي بجهدها بنت ثقة بينها وبين أي كاتب سيناريو ومخرج، ومن المتوقع أن كاتباً ما عندما يهمّ بتفصيل شخصية معينة فقد تخطر بباله صبا مبارك؛ لأنها لم تخب ولو مرة واحدة.

في شخصية صبا الجديدة في مسلسل «العهد» التي تؤدي دور ريا فيه، زعيمة كفر النساء، الحاقدة على كل ذكر، مع أنها تحلم بإنجاب طفل ذكر، يستطيع المشاهد، ومن عينيها أن يستشعر مدى قوتها وقوة دورها، والمكان الذي وضعت فيه. ومن الواضح أن خيار المخرج كان يركز على لغة العيون، وتوظيفها، فعيون نساء العهد - بلا استثناء - هي مصدر قوتهن في الأداء، وهذا يظهر جلياً أيضاً مع الفنانة شيرين رضا (التي تؤدي دور جومر)، مع ملامحها البسيطة على عكس صبا مبارك ذات الملامح الواضحة والصريحة، استطاعت شيرين أن توظف تلك اللغة الخاصة في تمثيلها، حتى إنها وصلت الى مرحلة أن تدرك معها كمشاهد ماذا تريد أن تقول.

شيرين رضا المتأنية في حضورها، التي عادت بقوة العام الماضي، في مسلسل «المرافعة» أرادت لهذه العودة أن تتناسب مع غيابها وعمرها، فقدمت في «العهد» الدور الذي يراد منه السلطة في كل شيء، بدءاً من الزوج والأبناء وحتى الحي، فالجميع يهابها، وهي التي قتلت زوجها.

حيرة كبيرة قد تصيب المشاهد في المسلسل، لكن قوة الأداء فيه، خصوصاً النساء، تشعر المتلقي بشيء من التوازن، الذي خلقته مثلاً شخصية سحر التي تؤدي دورها غادة عادل، وهي الشخصية التي تشفي الأمراض، والتي تعيش في كنف «جومر» التي قررت أن تلبسها رداء الذكر، لكن منذ الحلقة الخامسة تغيرت الحال، فهناك قيامة آتية لا محالة عندما كبر الأطفال، ومنهم سحر.

الشخصية النسائية المؤثرة أيضاً تكمن في «سجاج» التي أدت دورها هنا شيحة، شخصية من الصعب أن تدخل القلب من تركيبتها الشريرة، ورغبتها الدائمة المتعلقة بالقتل، فهي قاتلة أمها بيدها، التي تتلذذ بشيء من العنف وحب السلطة، وتقتل أقرب الناس إليها كي تحقق مبتغاها. استطاعت شيحة بالفعل على الرغم من هدوء ملامحها أن تؤدي دورها بإتقان لافت، تناسب مع وقع مخارج الحروف والألفاظ منها، وعيون حادة ترعب كل من ينظر إليها.. شيحة استطاعت بالفعل أن تضع نفسها في مكان لم تدخله من قبل، لتؤدي دوراً من الصعب تخيله فيها، إلا أنها أجادت.

في المقابل، تظهر شخصية «سوسن» التي تؤدي دورها السورية كندة علوش، الفنانة التي فرضت نفسها بقوة في الدراما والسينما المصرية، وهي نفسها وبشخصية سوسن ولقبها كبيرة الحشاشين، تعمل جاهدة بأن تنحي أنوثتها على حساب عملها، حتى لو كان قلبها يخفق لحب ما. علوش، في هذا الدور أيضاً مثلها مثل نساء العهد، استطاعت أن تخرج قدرات لم تظهر سوى مع النص الذي كتب لشخصيتها في العمل.

أما سلوى خطاب (في شخصية استمنوها)، فيؤكد وجودها في مسلسلات عدة أنها أشبه بحجر الأساس الذي يبنى عليه جوهر أي عمل، فهي ممثلة فريدة من نوعها، كما الفنانة صفوة التي تؤدي دور «سكينة»، إذ استطاعت منذ لحظة ظهورها أن تترك أثراً إيجابياً بسبب قوة دورها وأدائها.

نساء العهد كثيرات، وهن على قدر كافٍ من الأداء الذي يكاد يتفوق على نص لم يكتمل فهمه بعد، على أمل أن يتبلور في الأيام المقبلة.