العثور عليه كان من أبرز الصعوبات في الإمارات والمنطقة

البحث عن الماء.. قــصة حياة وحضارة

صورة

التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/06/32504666%20(3).jpg

واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.


للماء قصة طويلة في منطقة الخليج بوجه عام، وفي الساحل المتصالح بوجه خاص، فحول منابعه تتمحور الحياة، وبحثاً عنه كانت تنطلق القوافل في ترحال قد يطول أو يقصر، لكنه لا ينتهي إلا بالعثور على مورد للمياه يلتف حوله الجميع. ولعل قصة بناء أبوظبي تعد دليلاً على أهمية الماء في تشكيل ملامح الحياة في المنطقة قديماً، إذ كان اكتشاف بئر ماء خلال رحلة كان يقوم بها الشيخ ذياب بن عيسى سبباً في استقرار قبيلة بني ياس في جزيرة أبوظبي، ما شكل نواة قيام أبوظبي الإمارة والمدينة.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/06/32504666%20(2).jpg

وتنقسم مصادر المياه في المنطقة إلى نوعين: الأفلاج والآبار، إذ تفردت العين بنظام الأفلاج الذي يعود إلى ماضٍ بعيد، كما وجد أيضاً في عمان، وهو عبارة عن شبكة من المجاري المائية الجوفية، كانت تستخدم في الري في منطقة العين، ليصل الماء من خلالها إلى مناطق بعيدة.

ويذكر عبدالحفيظ خان، أول مستشار زراعي للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في كتابه «خمسون عاماً في واحة العين»، الصادر عن الأرشيف الوطني، صعوبة الحياة في أبوظبي قديماً، وما كان يتحمّله السكان من مشاق الحياة اليومية، إذ كان البحث عن مصادر للماء العذب من المشكلات الدائمة، وهو ما كان يأخذ الناس قريباً وبعيداً ليحفروا الآبار، وعندما كانت تأتي الأخبار السارة بوجود بئر للماء العذب هنا أو هناك تهرع النسوة إليه، ومعهن كل ما يستطعن حمله من القِرب للحصول على أكبر قدر من الماء، وكانت النسوة يدركن ضرورة استخراج الماء سريعاً، قبل أن ترتفع نسبة الملوحة به لقرب المنطقة من الساحل؛ وهو ما كان يحول دون الحفر العميق في بعض الأحيان، ولم يكن ثمة أسمنت لتبطن به جدران الآبار للحيلولة دون تسرب الملوحة إلى مياهها فتصبح عديمة الفائدة؛ لذلك كانت النسوة يحملن القدور الفخارية ويملأنها بالماء للاستهلاك المنزلي إلى أن يعثر على مصدر جديد للماء.

وذكر خان أن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عندما تولى منصب ممثل الحاكم في العين بادر إلى البحث عن الماء، وترميم نظام الأفلاج وصيانته، مؤكداً أن «الأفلاج من أثمن تراثنا، ولابد أن تفخر البلاد باستخدامها مثل ذلك النظام المتقدم في الأزمنة الغابرة». كما كان الشيخ زايد أول من أعلن أن الماء سلعة مجانية للجميع، وكان ذلك عام 1946؛ إذ كان الماء يباع قبلها، وأطلق أيضاً برنامجاً لترميم مصادر المياه وتجديدها، بما في ذلك نظام الأفلاج، واستغرق تنفيذ ذلك البرنامج 18 يوماً، وبذلك توافر للمنطقة شريان للحياة كان باعثاً للنهضة الزراعية. وأشار إلى أن منطقة العين كانت موئلاً لقبائل عدة، اشتهر كثير منها بالبراعة في بناء نظام الأفلاج، وكانت قبيلة العوامر أولى القبائل المعروفة بإتقانها ذلك الفن، كما شهدت واحة البريمي بالإضافة إلى الأفلاج حفر الآبار، وكان يتم الحصول على الماء العذب أوائل ستينات القرن الماضي من آبار بعمق نحو 20 قدماً فقط، لكن ظلت الأفلاج الدائمة شريان الحياة الرئيس.

الجزر والبزوم

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/06/32504666%20(1).jpg

في ذكرياته، التي صدر جانب منها في كتاب «ذكريات الإمارات»، يتحدث الراوية الراحل خميس بن زعل الرميثي عن مصادر المياه قديماً؛ قائلاً: «أدت جزر أبوظبي دوراً رئيساً في استمرار الحياة وتنوع مصادر الرزق؛ فجزيرة دلما كانت في أوج ازدهارها قبل انهيار تجارة اللؤلؤ، حتى أطلق عليها البحارة اسم مومبي الصغيرة؛ كناية عن الأضواء والحياة الاقتصادية المفعمة بالنشاط آنذاك. والبزوم كذلك؛ فهي تنقسم إلى قسمين: البزم الشرقي، والبزم الغربي، وفي البزم الغربي (كوكب) (ماء الينابيع العذب وسط ماء البحر المالح)، ويذهب الناس على ظهور الحمير لجلب الماء العذب عند الجزر، وتقصدها أيضاً سفن الغوص التي تتزود بالماء العذب لرحلات الغوص الطويلة. وكنا نسكن في البزم الشرقي الذي يتكون من أربع مناطق: الفيي، اللبة، والغبة، ومروّح. وسميت الفيي كذلك لوجود فجوة يتخللها ماء البحر فيفصلها جزأين. ويستطيع المشاة السير بينهما بأوقات الجزر، ويتعسر عليهم في أوقات المد حينما يطغى الماء ويدخل بغزارة».


«عراف»

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/06/325048.jpg

يذكر أنتوني ج.رندل، في كتابه «الإماراتيون كل أيامنا الخوالي»، أن الماء كان في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات من السلع الغالية في المنطقة، لافتاً إلى أن الماء كان يأتي في العين من الأفلاج أو الآبار، ويتعين أن ينقل إلى حيث تم استخدامه، وكان عبء هذه المسؤولية يقع على النساء. ويقول رندل إن الماء كان شيئاً حيوياً لحياة الأسرة والقبيلة، موضحاً أنه كان هناك «عراف الماء»، وهو الرجل الذي يحفر الآبار، وهو يمتلك قدرة غير طبيعية على اكتشاف المياه الجوفية، وإن لم توجد أي علامات تدل عليها فوق الرمال، وتحديد البقعة التي ينبغي البدء بالحفر اليدوي فيها، وكان من الصعوبات التي يواجهها منع جوانب الحفرة من الانهيار، ويمكن أن يبدأ الماء في الظهور بعدما يقرب من ساعة من الحفر بالجاروف.

ويصف خان كيفية اكتشاف «العين الفايضة»، التي تعد من أبرز معالم العين، لافتاً إلى أن الأمر بدأ عندما لاحظ العمال أن الحمير الضالة تغوص في ما يشبه الأدغال في منطقة بسفح جبل حفيت، مضيفاً «أمر الشيخ زايد بالحفر في الموقع حول ما بدا غثاء وسط البراري، وكان الأمل يحدونا جميعاً لاكتشاف مصدر جديد للماء الإرتوازي العذب، يضاف إلى الفلج الذي كان يجري من تحت ذلك الجبل نفسه ربما لقرون، وكان مصدر الحياة في العين. وأسفر الحفر عن مصدر ماء شبه مالح تحت الأرض، وهو ما جعل الحشائش تنمو بغزارة. واعتقد كثيرون أن الحفر إذا تواصل بالموقع وانبثق الماء فسوف يتوافر مصدر جديد للماء العذب سيأتي بمعجزات في تلك الصحراء. ورحّب الشيخ زايد بالفكرة، وحفرت قناة فتدفق فيها ذلك الماء شبه المالح، حتى وصلت الصحراء المجاورة. وتلك كانت بداية الموقع الترفيهي الذي يعرف الآن باسم «العين الفايضة»، وكان اسمه الأول عين أبوسخنة (عين المياه الساخنة شبه المالحة). وأوضح خان أن استخراج الماء استمر من «العين الفايضة» شهوراً وسنوات، على أمل أن يتبع المياه شبه المالحة مياه عذبة، لكن ذلك لم يحدث. واستمر الحفر مدة طويلة، وحوّل التدفق صوب الصحراء حيث كوّن بحيرة هناك يتبخر ماؤها تبخراً طبيعياً، وتلك هي البحيرة الموجودة حالياً.

ويضيف «لقد وجدنا مصدراً آخر للماء العذب بعد ذلك بسنوات عدة عند سفح جبل حفيت، ولم يكن بعيداً عن (العين الفايضة)، وتلك منطقة تم تطويرها تماماً، وتعرف باسم (المبزرة الخضراء)».

نقل المياه

في دبي في فترة الخمسينات؛ لم تكن هناك شبكات توزيع للمياه، فاعتمد السكان على المياه الجوفية، وكانوا يستخرجون الماء من الآبار بطرق يدوية بدائية، ثم تنقل في أوعية وتحمل على ظهور الحمير لتنقل إلى البيوت للاستخدامات البيتية، وعلى الرغم من أن نقل الماء كان عملاً مضنياً، فقد اعتاد الناس تناقل الأخبار أثناء تجمعهم عند مورد الماء بانتظار دورهم لملء أوعيتهم، ويرددون أثناء ذلك الأغاني والأهازيج، ما يجعل المهمة أقل عناءً.

الطوايا طريق القوافل

الطُوايا هي آبار الماء، التي كانت بمثابة بوصلة القوافل واستراحة العابرين للصحراء في مرحلة مهمة من تاريخ الإمارات والمنطقة عامة. فقد كانت القوافل لا تسير في الصحراء بالمسارب أو الممرات التي لا تكون فيها آبار وموارد الماء، لأنهم لا يستطيعون الاستمرار دون الماء. وتوجد في الدولة مجموعة من الطوي أو الطوايا قديمة جداً يعود تاريخها إلى نحو 400 سنة، كالتي ذكرها ابن ظاهر في قصيدتيه «بئر فلاح»، و«العشوش وعثمر» كما سميت الطوي بالبدع، ومن ضمنها في إمارة أبوظبي: بدع زايد، بدع خليفة، بدع حمدان. وهناك الكثير من الطوي المنتشرة في الدولة، سميت بأسماء من أمر بحفرها، من أشهرها «طوي سلمى».

أرقام وأحداث

1946

كان المغفور له الشيخ زايد أول من أعلن أن الماء سلعة مجانية للجميع عام 1946، كما بادر بصيانة وترميم نظام الأفلاج في العين..

3000

يقدر الباحثون عمر بعض الأفلاج، في العين، بما يقرب من 3000 عام.

400

توجد في الدولة مجموعة من الطوايا قديمة جداً، يعود تاريخها إلى نحو 400 سنة.

500

يعد معدل استهلاك الفرد من المياه في الإمارات من أعلى المعدلات عالمياً؛ إذ يزيد على 500 لتر يومياً.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

 

 

تويتر