الأزمات السياسية والاقتصادية أسهمت في رواج الظاهرة

كرسي المــذيع ينتشل «أهل الفن» في زمن الكــساد

ليلى علوي عضو لجنة تحكيم «مذيع العرب» ونوال الزغبي التي حلت ضيفة على إحدى حلقات البرنامج. من المصدر

ليست حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي سادت عواصم عربية عدة هي السبب الوحيد لركود فني درامي وغنائي ملحوظ، ما جعل شركات إنتاج ذات طابع تجاري بحت هي الوحيدة في سوق كان يضم العشرات من الشركات الكبرى الغزيرة الإنتاج، أو تقلص إنتاج شركة روتانا للإنتاج الفني، على سبيل المثال، بينما كانت تحتكر عقود نحو 100 فنان عربي، قبل أن تنفتح أيضاً على الإنتاج السينمائي.

تجربة محلية مختلفة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/04/8ae6c6c54aa0819a014d05e5055a70118%20(2).jpg

مشاركة الفنانين في التقديم التلفزيوني، وكذلك الإذاعي محلياً، تبدو مختلفة، ولا تحمل ملمح البهرجة، والسعي الخالص لاستثمار شهرة الفنان، وهذا ما يتضح من خلال متابعة محتوى برامج مثل «همس الحراير» الذي أعاد الفنانة سميرة أحمد إلى التقديم، عبر شاشة تلفزيون أبوظبي وغيرها.

ولم يكن دخول مروان عبدالله مجال التقديم التلفزيوني عبر بوابة تلفزيون دبي في برنامج «سوالفنا حلوة» استثماراً للشهرة، فالفنان الشاب لم يكن حقق انتشاراً كبيراً حينها، لكن مروان كرر تجربة التقديم مع مؤسستين محليتين أخريين بعد ذلك هما تلفزيون ابوظبي وتلفزيون الشارقة، كان في آخرها وهو برنامج «نجم في الشارقة» في رمضان الماضي مقنعاً بأدوات المذيع، بعد سنوات من تمرسه على تلك المهمة.

طلة الفنانة الشابة أمل محمد عبر قناة «الإمارات» في برنامج «حلوة الإمارات» أيضاً كان لافتاً، على الرغم من أنها تجربتها الأولى، أما الفنان جمال مطر فارتباطه وعمله الأساسي مذيعاً في مؤسسة دبي للإعلام، أتاح له الجمع بين تجربة التقديم الإذاعي والتلفزيوني، إلى جانب مساهمته في الساحة الفنية والثقافية المحلية.

قائمة المساهمات المحلية للفنانين في التقديم تشمل أيضاً الفنان عبدالله صالح، والفنان عادل الخميس، اللذين يشاركان هدى الفهد في تقديم برنامج «معازيم» على إذاعة دبي، في حين يخوض الفنان عبدالله حريبي تجربة مختلفة مع تلفزيون أبوظبي، عبر برامج متعددة، آخرها «صباح الدار» في الوقت الذي حافظ فيه أيضاً على تجربته في الدراما المسرحية والتلفزيونية.

تنامي ظاهرة النسخ الإلكتروني للألبومات فور صدورها بدّل مكاسبها بخسائر، دفعت الكثير من الشركات إلى تقليص إنتاجها، وتعديل عقودها مع الفنانين كذلك، وهو واقع أفرز ظاهرة الدفع بأسماء كثيرة منهم إلى خوض تجربة الدراما التلفزيونية، لكن موجة استيعاب الفنانين في هذه الدراما لم تنجح لدى العديد منهم، فتقلصت تلك الظاهرة أيضاً، ليكون الخيار لدى الكثيرين إما تكثيف الحفلات الغنائية، بما فيها الأفراح، بالنسبة للمطربين، أو اللجوء إلى التلفزيون من باب خلفي عنوانه تقديم برامج تلفزيونية، والاشتراك في لجان تحكيم برامج المواهب.

ومنذ أن أقدم الفنان الراحل كمال الشناوي على تقديم برنامج على التلفزيون المصري في الستينات، حافظ الفنانون على زهدهم في الإطلالة عبر هذه النافذة، بل إن التقديم ظل هو المرسل لبعض الوجوه التي شاركت في أدوار درامية مثل المذيعة نجوى إبراهيم وغيرها.

ومع استفحال موجة لجوء الفنانين إلى التقديم في السنوات الأخيرة، فاجأت الفنانة المصرية ليلى علوي الجميع بانضمامها إلى لجنة تحكيم برنامج يعنى باختيار المذيعين، وهو «مذيع العرب»، الذي يبث على قناة «الحياة» المصرية و«أبوظبي» في توقيت متزامن بوجودها ضمن طاقم لجنة التحكيم، لتصدر شهادات وانتقادات على مواهب، بعضهم يمارس بالفعل مهنة الإعلام، في حضور المذيعين اللبنانيين طوني خليغة ومنى أبوحمزة.

الدخول إلى التلفزيون من بوابة لجان تحكيم برامج المواهب، كان وسيلة العديد من الفنانين، لكن أكثر تلك الحالات لفتاً للأنظار هي تلك المرتبطة ببرنامجي «اراب أيدول»، و«اراب جود تالينت»، و«اكس فاكتور» على وجه التحديد، وجميعها يبث على شاشات مجموعة «إم بي سي» الإعلامية، ما يعني أن هذا الاتجاه ليس فقط منسجماً مع الظاهرة، بل خياراً للمجموعة، يستثمر حالة التراجع الحاد في أسواق المنتج الفني، سواء السينمائي أو الغنائي.

لكن شبكات إعلامية كثيرة أيضاً عزفت على الوتر نفسه، كان أبرزها شبكات قنوات مصرية، مثل «الحياة» و«النهار»، في مقابل جاءت التجربة المحلية في هذا الإطار مختلفة، بغض النظر عن تجربتي الفنانين الإماراتيين أحلام مع «أراب آيدول»، وحسين الجسمي مع «إكس فاكتور» سابقاً .

وعلى الرغم من الانتقادات الشديدة التي وُجهت لتجربتها الأولى على قناة «إم بي سي» مصرية، في برنامج «100 مسا» الذي شاركها في تقديمه المطرب هشام عباس، إلا أن الراقصة فيفي عبده، عادت وقدمت برنامجاً آخر هو «5 مووواه»، لتستدعي من خلال العدد خمسة، إحدى لزماتها في مسلسل «كيد النسا» .

هذه السطحية في اختيار حتى عناوين تلك البرامج رافقت أيضاً أسماء فقرات برنامج شريكها في «100 مسا»، الذي تخلص من دور «مساعد المذيع»، وهو ما بدا عليه في علاقته بزميلته في «التقديم» فيفي عبده، ليقدم برنامجاً آخر بشكل مستقل، وهو «ساعة لقلبك»، لكنه اختار عناوين فقراته على أسماء بعض أغانيه!

افتقاد المنهجية، والبحث عن الترويج عبر اسم الفنان نفسه، وليس فكرة البرنامج، جعل بعض شركات الإنتاج تفضل الزج باسمه في عناوين البرنامج نفسه، مثل «بني آدم شو» الذي يقدمه الممثل المصري أحمد آدم، و«عنبر الستات»، في حين استعان بعضهم بأسماء حتى عمل سابق له، مثل «ميكرفون» للممثلة المصرية يسرا اللوزي، من أجل الفكرة الترويجية نفسها.

وعلى الرغم من تقديمه اتجاهاً مسرحياً مختلفاً عبر برنامج «تياترو مصر»، ونجاحه في تقديم أجزاء عدة من «السيت كوم» «راجل وست ستات»، إلا أن الفنان أشرف عبدالباقي لايزال مصراً على تكرار تجربة التقديم التلفزيوني، ليقترب عبدالباقي من نحو 20 تجربة مختلفة في هذا المجال، وهو ما اعتبره منسجماً مع شخصيته التي «تميل إلى التغيير»، على حد تعبيره.

التقديم التلفزيوني في حال تحقيق البرنامج انتشاراً وذيوعاً أكبر، قد يتحول إلى مهمة أولى لدى الفنان، يتراجع أمامها حضوره الفني، وهو ما حدث بالنسبة للفنان رامز جلال، الذي أصبح برنامجه في مقالب الفنانين بمثابة عمل حاضر سنوياً، ويحمل عنوانه اسمه أيضاً، في كل موسم رمضاني، وهو النمط الذي اجتذب بعض الفنانين الآخرين لتقديمه، مثل المطرب المصري محمد فؤاد، في تجربة اعتبرت في رمضان الماضي غريبة إلى حد كبير.

المطربون الشعبيون أيضاً لم يستثنوا من ركوب الموجة ذاتها، وشارك المغني الشعبي سعد الصغير في تقديم برنامج تلفزيوني مع المذيعة ريهام سعيد، قبل أن يكرر التجربة مرة أخرى في برنامج «سعد وسعد» مع نظيره الشعبي سعد الليثي، أما المطرب الشعبي حكيم، فقد دخل الدائرة نفسها من خلال برنامج «نجم الشعب»، الذي يشاركه في تقديمه الفنان الجزائري «الشاب خالد» على قناة النهار.

كثرة هذه النوعية من البرامج جعلت العديد منها يبدو غير مألوف بالنسبة للمشاهد العربي، مثل برنامج «رجعنا صغيرين» للفنان عمرو يوسف، الذي يستضيف فيه أيضاً أحد الفنانين، برفقة سبعة من أصدقائه في صفوف الدراسة الدنيا، ليحاكوا بعض السلوكيات التي كانوا يقومون بها، من خلال برنامج مسابقات، أما الفنان طارق الصاوي، فيتقمص في برنامجه شخصية «القاضي»، الذي يحكم بين طرفين بينهما نزاع، لكن الصاوي يبرر لجوئه أخيراً إلى هذا النوع من البرامج بأنه استثمار لدراسته الجامعية في تخصص «الحقوق».

«برنامجي مختلف» إجابة واحدة بتعابير متعددة حصلت عليها «الإمارات اليوم» من معظم الفنانين المستطلعة آرؤهم حول أسباب قبولهم البرنامج، فضلاً عن «الاقتناع بفكرته»، ومع بقاء الرقم التعاقدي مع شركة الإنتاج «طي الكتمان» دائماً، فإن فنانين مثل سيرين عبدالنور، وأشرف عبدالباقي، وهاني رمزي، أكدوا أن تعثر الإنتاج الفني عامل رئيس في هذا التيار، في حين أكد سالم الهندي الرئيس التنفيذي لشركة «روتانا» للإنتاج الفني أن «النسخ والقرصنة الإلكترونية تكبد الشركة سنوياً خسائر فادحة، ومن الطبيعي أن يؤثر ذلك في عقود الفنانين».

خالد الخاجة: تسطيح للقضايا الكبرى

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/04/8ae6c6c54aa0819a014d05e5055a70118%20(1).jpg

 حذّر عميد كلية المعلومات والإعلام والعلوم الإنسانية في جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، الدكتور خالد الخاجة، من مغبة استفحال ظاهرة إسناد تقديم برامج يناقش بعضها قضايا مهمة لاشخاص، اعتماداً بشكل رئيس على شهرتهم، بغض النظر عن تمكنهم من أدوات التقديم التلفزيوني.

وتابع: «مكمن الخطورة هنا يظل في تسطيح المهم، والإعلاء من شأن ما هو غير جوهري، فغير المتخصص يبقى دوماً غير قادر على سبر أغوار القضايا التي تتم مناقشتها، في حين يبقى المحاور المؤهل أكاديمياً وعملياً، أكثر قدرة على إدارة الحوار الإعلامي».

ورأى الخاجة أن «دافع القنوات الفضائية في هذا الصدد تسويقي ومادي بحت، ولا يخدم رسالة الإعلام الهادفة إلى التوعية، بقدر ما يستهدف اجتذاب شرائح مختلفة من المشاهدين، لما في ذلك من تأثير كبير في المعلن»، مشيراً إلى أن من البديهي أن تبحث تلك المنصات الإعلامية عن المردود المادي للإعلان، في حين تبقى الكرة فعلياً في ملعب المشاهد الذي عليه أن يتخلص من حالة الانبهار بالمشاهير، وفرز غث البرامج من ثمينها.

 

تويتر