ابن حلب قادته المصادفات إلى الموسيقى وبيع الفلافل

سمير حبال: 20 دقيقة عزفاً غيرت حياتي

صورة

في مطعمه العربي بمدينة «غنت» البلجيكية، يقضي سمير حبال وقته بين طلبات الزبائن، وبين ممارسة هوايته بالعزف على «القانون»، ويتحدث عن العشرين دقيقة التي رتبتها له الأقدار في دار الأوبرا، لتقوده إلى العزف في القصر الملكي البلجيكي.

ابن حلب، الذي ولد في حي باب قنسرين، أحد أبواب حلب القديمة عام 1969، الرجل الذي عشق آلة القانون حتى صارت رفيقته يحملها أينما حل أو ارتحل، تحدث لـ«الإمارات اليوم» عن هذا الشغف، فقال إن ارتباطه العضوي بمدينته كان له أثره الكبير في ذلك، فحلب مدينة السماع الأصيل كما يحب أن يسميها، ويضيف أن جده لأمه هو الذي أشعل جذوة الموسيقى في داخله، والصدفة «المؤسفة» بحادث غير متوقع جعلته والقانون صنوين لا يفترقان.

تقاسيم شرقية

كان الحوار مستمراً مع حبال في مطعمه، حينما قطعه دخول زبائن إلى المطعم، ليستأذن عازف القانون، لتلبية طلبات زبائنه البلجيك، وبعد عودته كان لابد من سؤاله عن هذا الانتقال النوعي من آلة القانون إلى صاج الفلافل وصحون الحمص والفول، ليضحك سمير حبال المعروف بروحه المرحة، ويقول إنها كلها تقاسيم شرقية!

ليوضح أن الفنان هذه الأيام بلا إدارة علاقات عامة، تصبح مهنته عبئاً على معيشته لا مورداً للعيش، وأنه بعد أن عزف في عشرات المطاعم الفخمة في أوروبا استقر رأيه على أن يفتتح مطعمه المتواضع، آملا أن يكبر المشروع ليعود إلى العزف لزبائنه لكن بالمجان، فهو يعشق الموسيقى ويرى فيها ضرورة كالهواء، يجب تقديمها لكل إنسان.

البدايات حسب ما يتذكر، حينما كان يقف وهو صبي على باب غرفة جده الذي كان يعزف العود هواية لا احترافاً، وكانت معزوفات محمد عبدالوهاب هي الأساس في تلك الوصلات المنفردة والمعزولة لجده.

سمير، الفتى الغض والمشغول مع عائلته بلقمة العيش، وقد كانت مهنة العائلة في صناعة الخيوط وتجارتها، كان يجد الوقت في غمرة الانشغال ليزور بيت جده، ويقف على بابه يستمع لساعات إلى عزفه المنفرد، مشغولاً بهذا العالم البعيد عن قساوة العيش.

يقول حبال إن جده التقط فيه هذا الشغف ذات استراق سمع، فناداه وسأله إن كان يحب تعلم العزف على العود، ومن هنا في بداية الثمانينات من القرن الماضي، كانت البداية البسيطة، ويضيف حبال أن جده ولكونه غير متعلم موسيقياً، فقد كان عاجزاً عن تعليمه المقامات على أصولها والسلم الموسيقي ضمن منهجية تعليمية صحيحة، فقد كان التعليم على يده سماعياً، ما دفعه إلى أن يشتري كتاباً تعليمياً لأحد أساتذة الموسيقى الكبار في حلب وهو عبدالرحمن جبقجي مع أشرطة الكاسيت المرافقة له، ليتعلم ولساعات طويلة بينه وبين الكتاب والأشرطة أصول العزف والسلم الموسيقي على أسس كلاسيكيات الموسيقى.

ويكمل سمير حبال، وقد أنعشته الذاكرة فيقول إنه وأثناء تعليمه الذاتي، ظهر خاله نادر مشهدي ثم خاله الأصغر ماهر مشهدي موجهين ومعلمين، وقد كانا خريجي معهد نادي شباب العروبة المتخصص في تعليم أصول الغناء والموشحات الأندلسية، ليعملا على تعليمه الموسيقى من البداية على أصول أكاديمية وعلى آلة العود التي تعلق بها سمير حبال من أول مرة.

لكن الأقدار غيرت مسيرته كلها، فيقول إنه وبسبب شقاوة طفولية تسلق سور مدرسته ذات يوم، وقد تأخر عنها بسبب أحد الدروس الموسيقية الصباحية ليصاب بجرح من زجاج مكسور على السور، فتعرضت يده اليسرى لجرح قطعي غائر، كاد أن يفقد فيها أصابعه لكن الجرح أثر في الأوتار العصبية في يده، فلم يعد قادراً على إقفالها بكامل الحرية، وهذا ما أدى إلى استحالة استمراره في العزف على العود الذي تعلق به.

تلك الإصابة لم تمنعه من الاستمرار، وقد اقترح عليه معلمه نادر مشهدي تعلم العزف على آلة القانون، فكان ما كان، وانضم بتزكية من خاله إلى إحدى أشهر فرق التخت الشرقي الحلبية، ليتعلم العزف على يد عازف القانون محمد ناصر، ليبدأ شغفه بتلك الآلة التي جذبته.

ومن هنا يقول حبال إن صداقته مع آلة القانون بدأت، ليتحدث عن أول آلة قانون اقتناها رغم صعوبة العيش آنذاك، وعمله مع أسرته في مهنة لا تكاد تكفي القوت اليومي، ليعمل «حمالاً» في السوق لشهور، حتى يتدبر حيازة آلة قانون رخيصة الثمن، ليعزف عليها ويتدرب ويتعلم على يد أساتذة حلب الكبار في الموسيقى وأصول المقامات والنوتة الموسيقية.

من بعد تعلم الأصول، تتلمذ سمير حبال على يد عازفي قانون لتعلم أصول التكنيك الموسيقي، وهي التي يسميها بالتفاصيل، والتي تضفي روحاً شخصية على العزف، والتي إن نمت وتبلورت صار بإمكان العازف أن يتميز.

ومن هنا بدأت مشاركته مع فرق موسيقية في حلب، لإحياء حفلات في مدينة المقامات والقدود، وبدأ الاحتراف الموسيقي على مستوى محلي ليصبح معروفاً ومطلوباً في معظم حفلات المدينة.

رحلته الأولى خارج سورية كانت منتصف التسعينات، لعلاج عينه من ألم أصابها، ويقول إن عزفه المتقن للقانون هو الذي دبر له السفر للعلاج، فقد أصيبت عينه أيضاً وهو صغير يعمل مع أسرته في حبك الخيوط، لتتأذى القرنية بشكل بالغ، ويقول إن علاجها في سورية كان صعباً لقصور الإمكانات الطبية آنذاك، وتصادف أن كان في حلب وفد سياحي من قبرص، وفي سهرة موسيقية استمعوا إليه وأعجبوا بعزفه، وبعد التعارف والحوار القصير بذلوا جهودهم بعد عودتهم إلى قبرص لإحضاره وترتيب مواعيد طبية له هناك، فحمل معه «آلة القانون» في أول سفر له، ولم تفارقه منذ ذلك اليوم.

في أواخر التسعينات، قرر سمير حبال الهجرة إلى اوروبا، فكانت أولى محطاته اليونان في رحلة هجرة قاسية وصعبة، اضطر فيها إلى التخلي عن حقائبه ورميها، لكنه بقي محتفظاً بقانونه الذي كان يتوسده في محطات القطار، ويخاف عليه كما لو أنه قطعة من جسده.

وتمضي حكاية الرجل الذي عشق قانونه لينتهي به المطاف في بلجيكا، ويستقر فيها، ويبدأ الاحتراف الموسيقي في بروكسل أولاً، العاصمة البلجيكية التي تزخر بكل أشكال الفنون والموسيقى في مطاعمها ومرابعها، ويصبح هو الأشهر في ليالي السهر البلجيكية.

يقول حبال إن القدر قاده إلى أن يشارك في حفل كبير، تم تنظيمه في مدينة لييج وفي دار الأوبرا تحديداً، وهي من أكبر دور الأوبرا، وللمصادفة فقد حصل خلل في البرنامج لتتغيب إحدى الفقرات ومدتها 20 دقيقة، ضمن برنامج فني موسيقي طويل، ويطلب منه مدير الأوبرا أن يشغل تلك العشرين دقيقة أمام جمهور بلغ عدده 3000 مشاهد. وحسب حبال، فإن الرعب بلغ منه كل مبلغ، لأنه لم يعتد العزف أمام جمهور بهذا الحجم، ولا على مسرح خرافي التجهيزات كمسرح الأوبرا، لكنه وافق وقد أحس بأنها فرصته، وفعلاً صعد إلى المسرح وقد توسطه وحده مع قانونه، ولا يخفي أن الرعب والارتباك قد جعلاه يرتجف من الهلع، لكن ما أن أطفئت الإضاءة واختفى الجمهور من أمامه بفعل العتمة، حتى أحس بأنه وحده في غرفته بحلب كما يقول، وبدأ بالعزف بتقاسيم شرقية ليدخل في المقامات والقدود، ويغيب في حالة سلطنة غير مسبوقة، لتنتهي وصلته وقد وقف الجمهور بآلافه الثلاثة على قدميه تصفيقاً له، وتم تكريمه من دار الأوبرا ليلتها وتم بث عزفه على الراديو المحلي البلجيكي في اليوم التالي. من هنا، بدأت شهرته كعازف تتجاوز الوسط العربي في بلجيكا، لتمتد إلى الأوساط العربية في أوروبا، وتبدأ رحلاته الفنية في معظم المدن الأوروبية الشهيرة وبأكبر مهرجاناتها.

وعن عزفه أمام العائلة المالكة البلجيكية، يقول حبال إنه وبعد حفلة لييج، كانت شهرته قد توسعت، ليتم الطلب منه من قبل القصر الملكي بالمشاركة في حفل عيد ميلاد حفيدة الملك ألبرت الثاني ملك بلجيكا السابق، وفعلاً شارك في الحفل الذي أحياه النجم الجزائري الشاب خالد، وقد قام بعزف الاستهلالية الموسيقية وعلى تقاسيم شرقية لدخول العائلة المالكة إلى الحفل.

تويتر