المغفور له الشيخ زايد «قاهر الصحراء»

الزراعة معجزة الإمــارات التي أدهشت العالم

صورة

التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/04/33163_EY_05-04-2015_p28-p29-111.jpg

واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.


«أرني بلداً يتمتع بقاعدة زراعية قوية، أرك بلداً قوياً راسخاً».. كلمات تعبّر ببساطة وعمق عن الأهمية التي كانت تحتلها الزراعة لدى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، باعتبارها من أولويات التنمية في الدولة الناشئة. وحتى قبل قيام الاتحاد، وخلال توليه منصب ممثل الحاكم في العين، ثم حكم إمارة أبوظبي، وجّه كثيراً من جهوده لتطوير الزراعة واستصلاح أراض جديدة، وإصلاح وتجديد الأفلاج التي كانت تستخدم في الري.

بعد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر 1971، وتحديداً في عام 1977 أعلنت حكومة أبوظبي خطتها الثلاثية التنموية الأولى، ومن إجمالي الرقم المخطط لتلك الخطة البالغ 23.8 مليار درهم، رصد الشيخ زايد مبلغ 9.3 مليارات درهم للتطوير الصناعي، و5.7 مليارات درهم لتطوير المرافق العامة والقطاع الزراعي.

ويشير وزير الزراعة والثورة السمكية في ذاك الوقت سعيد الرقباني، الذي عيّن عام 1977، إلى تركيز الخطة التنموية على القطاع الزراعي، وفي هذا الإطار شدد الشيخ زايد على أن تحذو الحكومة الاتحادية حذو أبوظبي في هذا المضمار، وتعمد إلى تطوير القطاع الزراعي تطويراً مستداماً بقدر ما تسمح به الظروف الطبيعية. موضحاً أنه «في فترة الستينات، وحتى إذا أخذنا في الحسبان الزيادة التي شهدتها المساحات الزراعية في أبوظبي بعد تولي الشيخ زايد الحكم، لم تتجاوز نسبة الأراضي المزروعة أو المستصلحة للزراعة 1% من أراضي الإمارة، وفي عام 1977، كانت المزارع والغابات المشجرة تشكل ما يقارب 5% من مساحة الإمارات، وهذه الزيادة المذهلة هي نتيجة عملية تنموية بدأت عام 1971على يدي رائدها الشيخ زايد».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/04/33163_EY_053-04-2015_p28-p29-2%20(2).jpg

التنمية المستدامة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/04/8ae6c6c54aa0819a014c856100bd65aa.jpg

أُنشأت وزارة البيئة والمياه في عام 2006، وأسندت إليها اختصاصات وزارة الزراعة والثروة السمكية والهيئة الاتحادية للبيئة والأمانة العامة للبلديات بعد إلغائها، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بإبعادها الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وتطوّر هيكل الوزارة التنظيمي ليشمل خمسة قطاعات مختلفة وهي: شؤون البيئة، والشؤون الزراعية والحيوانية، والموارد المائية والمحافظة على الطبيعة، والمناطق، والخدمات المساندة.

واعتمد الشيخ زايد في خططه التنموية الزراعية على إحياء طريقة الري التقليدية بواسطة الأفلاج، وهي الطريقة التي عُهد بها إلى الشيخ زايد منذ الخمسينات، حيث تولى وقتها ترميم هذه القنوات وتوسيع مداها ومد شبكتها على أكبر مساحة ممكنة من الأرض. ومع التطوّر تمت إضافة سبل الري الحديثة والتقنيات المتطوّرة لتحقيق النهضة الزراعية، وتنفيذ المشروعات الكبرى، من بينها برنامج تطوير زراعي كان يجري في المنطقة المجاورة لواحة ليوا، استعادت بفضله مساحات واسعة من الأرض بعد أن أصابها الجفاف الصحراوي، وبدأت تزدهر فيها، وفي سواها من أرض الإمارات، بساتين وأشجار ومواسم من الحبوب والخضراوات والأزهار والفاكهة وسواها من خيرات الأرض. ويضيف الرقباني، في تصريحات ضمها كتاب «زايد رجل بنى أمة» الصادر عن الأرشيف الوطني: «في بحر السبعينات من القرن الماضي، وبعد أن جال الشيخ زايد في العديد من الأماكن وتحدث إلى المزارعين، وأجرى تقييما لحاجاتهم وأوضاع مزارعهم، أمر بوضع برنامج تحفزي لهؤلاء المزارعين. وليس من المبالغة القول إن الشيخ زايد هو الذي رسم لوزارة الزراعة والثورة السمكية وجهة سيرها، وفي أواسط عقد السبعينات أطلق العديد من البرامج الزراعية التي لاتزال قائمة».

وكان الشيخ زايد يتجنب المخططات الكبرى الشاملة على المستوى الوطني العام، وكان يفسح المجال أمام نشوء جيل جديد من الزارعين، وكان يركز على نشر المزارع الصغيرة بمبادرات تشجيعية للمزارعين على أن تدعم هذه المبادرات بالتعليم عن طريق نشر التقنيات الزراعية الحديثة دون التخلي، في العديد من الحالات، عن السبل التقليدية التي مارسها المزارعون عبر مئات السنين وربما أكثر.

يشير عبيد العبيد، وهو مزارع يملك مزرعة على بُعد بضعة كيلومترات من مدينة العين، إلى أن «الحكومة ساعدتهم على إطلاق مزروعات جديدة، إضافة إلى المزروعات التقليدية المعروفة، ودعّمت المزارعين وشجعتهم، على سبيل المثال، اتجه البعض لزراعة أنواع من الأزهار، ولو عدنا للوراء جيلاً واحداً فقط، لكان هذا بدعة لا تدخل رأس أحد»، موضحاً أن «الشيخ زايد كان معروفاً، منذ الخمسينات والستينات، أنه نصير المزارعين وصديقهم، لاسيما في منطقة العين، وقد بذل جهوداً كبيرة لمساعدتهم، على الرغم من أنه لم يكن ثرياً في تلك الفترة. وعندما تولى السلطة استمر على هذا المنوال بالنسبة إلى الزراعة والمزارعين، واليوم قد يصعب على البعض تخيل أن تكون دولة الإمارات بلداً مصدراً لجزء من منتجاتها الزراعية». وبحلول مطلع الألفية الثالثة، بلغت مساحة الأراضي الزراعية في دولة الإمارات 750 ألف هكتار، تم استصلاحها وزراعتها بعد أن كانت جرداء يابسة، وهو ما يعادل 7500 كيلومتر مربع، أي ما يتجاوز مساحة ولاية ديلاوير الأميركية، وثلاثة أرباع مساحة لبنان. من جانبه، زار أبوظبي الخبير ذو الشهرة العالمية في علم الزراعة الدكتور برنارد لافيري، وهو من مقاطعة ويلز البريطانية، الذي استنبت ثماراً ذات أرقام قياسية عالمية في الحجم، مثل عرنوس الذرة بطول 36 بوصة، وزهرة البتونيا بطول 19 قدماً، وبعد أن جال في مزارع أبوظبي، أطلق على الشيخ زايد لقب «الرجل الذي اخضوضرت الصحراء على يديه»، أو «الرجل الذي روّض الصحراء». بينما يقول أنتوني راندل، الذي التحق بالخدمة في قوة ساحل عُمان، وتحديداً في السرية المتمركزة في البريمي، في الفترة من 1960 -1962، في شهادته عن الفترة التي قضاها في العين: «كانت الزراعة في العين تعتمد على توفير متطلبات الغذاء للبشر والحيوانات، وكان الشيخ زايد الروح المحركة لمشروع زراعة الحديقة الخلفية لقلعة الجاهلي، حيث كانت توجد قوة ساحل عُمان، في بداية ستينات القرن الماضي، وقد اعتاد زيارة المكان دون سابق إنذار ليقف على ما يحرزه المشروع من تقدم، وكان يجلس على الأرض وهو ينظر إلى الطماطم وهي تخرج من الرمال، ويواصل تأملاته بشأن إمكانية تخضير أبوظبي».

أرقام وأحداث

1961

كانت أسراب الجراد التي هاجمت المنطقة في 1961، إحدى المشكلات الكثيرة التي واجهتها جهود الزراعة في الإمارات.

5.7

خصصت أبوظبي 5.7 مليارات درهم لتطوير المرافق العامة والقطاع الزراعي، ضمن خطتها الثلاثية التنموية الأولى عام 1977.

1 %

لم تكن الأراضي المستصلحة والمزروعة تتجاوز 1% من مساحة أبوظبي في الستينات، وارتفعت المساحة إلى 5% من مساحة الإمارات ككل عام 1977.

50 ٪

حققت الإمارات نسبة اكتفاء ذاتي من الإنتاج الزراعي بشكل عام تصل إلى 50٪ من حاجة الاستهلاك المحلي عام 2011.

اكتفاء ذاتي

أفاد تقرير صادر عن الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عام 2011، حول التنمية الزراعية في دول المجلس، بأن دولة الإمارات نجحت في الوصول إلى نسبة اكتفاء ذاتي من الإنتاج الزراعي بشكل عام تصل إلى 50٪ من حاجة الاستهلاك المحلي، بينما وصلت نسبة الاكتفاء الذاتي من الفواكه إلى 36٪ في العام السابق، بعد زيادة عدد الأشجار المنتجة إلى نحو 74 ألف شجرة تقريباً، تنتج ما لا يقل عن 40143 طناً.

كما أظهر التقرير، زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من الخضراوات لتصل إلى 60٪ من الاستهلاك المحلي، خصوصاً منتجات الطماطم والقرعيات والباذنجان، حيث وصل حجم محاصيل الخضراوت إلى 719756 طناً، ويتولى مصنع تعليب الخضراوات في العين امتصاص الفائض من إنتاج الخضراوات في المواسم التي تتوافر فيها. وقدر التقرير عدد العمال الزراعيين داخل الدولة بنحو 70 ألف عامل، بينما قدر مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في العام الماضي بنحو 74.172 هكتاراً، بينما كانت المساحة المزروعة فعلاً هي 68.440 هكتاراً، تتوزع على أربع مناطق رئيسة هي: المنطقة الشمالية 13.1٪، والمنطقة الوسطى 21٪، والمنطقة الشرقية 8.2٪، ومنطقة أبوظبي 57.7٪، مقارنة بـ26785 في عام 1985، وبلغ إجمالي الحيازات الزراعية للمزارعين نحو 21.700 حيازة بمتوسط مساحة 3.4 هكتارات، وتوزعت المساحات المزروعة إلى 21.7٪ لإنتاج الخضراوات، و2٪ لإنتاج المحاصيل، و3.7٪ لإنتاج الأشجار المثمرة، و44٪ لإنتاج النخيل.

زراعة من دون تربة

تماشياً مع التقنيات الحديثة، تبنت دولة الإمارات، من خلال وزارة البيئة والمياه، تقنية الزراعة المائية (من دون تربة)، وهي أسلوب لاستزراع النباتات من دون تربة، يتم فيها استبدال التربة الطبيعية بأوساط نمو مائية أو أوساط صلبة، مثل التف البركاني أو البيرلايت أو الكوكابيت أو الرمل أو غيره مع إضافة العناصر الغذائية إليها، كنمط زراعي جديد، وذلك لمواجهة محدودية الموارد الطبيعية المتزايدة من ضعف التربة وشح المياه، وبسبب الكفاءة العالية في استخدام المياه للري والإنتاج العالي مع تلافي مشكلات التربة. كما أن استخدام هذه التقنيات يقلل من استهلاك الأسمدة الكيماوية، ويحدّ من استخدام المبيدات الزراعية، ما ينعكس بالإيجاب على سلامة هذه المنتجات من متبقيات المبيدات.

أقوال

في إشارة إلى اهتمام المغفور له الشيخ زايد بالزراعة والبيئة، وحرصه الشديد على زراعة أكبر مساحة ممكنة من الإمارات، يذكر وزير الزراعة والثورة السمكية السابق سعيد الرقباني، أنه «يستحيل على أي شخص أو جهة أن يعطي رقماً ولو تقديرياً لعدد الأشجار التي نثرها الشيخ زايد في كل مكان أرجاء الإمارات وخارجها، لكن بعض التقديرات يشير إلى أن العدد قد يراوح ما بين 100 و150 مليون شجرة، حيث كان الشيخ زايد لديه قناعة راسخة بأن الأشجار ليست أقل أهمية على صعيد البنى التحتية المدنية من الطرقات والأبنية».

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر