51 عملاً لجابر العظمة في «غرين آرت غاليري» بدبي
«البعث».. الأحلام دون رنين الشعارات
يرصد الفنان السوري جابر العظمة الأحداث السورية من وجهة نظر خاصة في معرضه الأخير الذي افتتح في «غرين آرت غاليري» تحت عنوان «البعث». وجهة نظر ناقدة، نابعة من الأحداث السياسية، ولكنها بعيدة عن مظاهر العنف والثورة والقتل ومشهد الدم المسيطر على سورية، اذ يتوجه الى هموم الناس وطموحاتهم وأحلامهم وأوجاعهم. يتناول العظمة في المعرض «جريدة البعث» السورية، وهي الجريدة الناطقة باسم النظام السوري، ليعبر من خلالها عن رفضه لكل ما يلم ببلده من خلال الناس الذين التقط صورهم وهم يحملون الجريدة بشكل معكوس، بعد أن كتب كل منهم هواجسه ومطالبه وأبسط أحلامه.
|
سيرة فنية ولد الفنان السوري جابر العظمة في دمشق عام 1973. قدم معرضه الفردي الأول عام 2009 في «غاليري أتاسي» بسورية، ثم قدم في عام 2011، معرضه الفردي الثاني في «غرين آرت غاليري» في دبي، ثم معرضه الأخير «جروح» عام 2012 في دبي ايضاً. شارك في مجموعة من المعارض الجماعية، ومنها في باريس وبرلين، وإيطاليا. وهو يعيش ويعمل حالياً في الدوحة. هموم المعرض الذي قدمه جابر العظمة هو المعرض الثاني الذي يعبر فيه عن الأزمة السورية، اذ سبق وقدم معرضاً تحت عنوان «جروح» عام 2012. وكانت قد غلبت على معرضه السابق هيئة الصراع ولون الدم، بينما يبدو اليوم أكثر توجهاً لهموم الناس من التوجه لعكس حالة الصراع الدائر في سورية، إذ ركز على الهموم الشخصية والإنسانية لدى أبناء بلده. شخصيات حمل المعرض مجموعة من الشخصيات البارزة في الساحة السورية من مجموعة من المجالات الثقافية، فمن بين الممثلين كانت هناك صور لكل من يارا صبري، وفارس الحلو، ولويز عبدالكريم، وحلا عمران، وزينة الحلاق. بينما في مجال الفن كانت هناك صورة للموسيقي سميح شقير، في حين كانت مشاركة للتشكيلي يوسف عبدلكي، والخطاط والفنان منير الشعراني. وكانت هناك مجموعة من الناشطين والإعلاميين والمصورين ومصممي الغرافيك، في حين كانت الصورة الوحيدة التي كانت لغير سوري صورة الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم الذي حمل الجريدة وكتب عليها «الصعود الى الهاوية»، وكان العظمة قد التقى نجم مصادفة وتمت الصورة بالمصادفة ومن دون ترتيب مسبق. |
قد يكون الخطاب السياسي هو الانطباع الأول الذي يسيطر على مخيلة المتلقي، يرى الكثير من المطالب التي ترتبط بالثورة السورية بعبارات بسيطة أغلبها لا يحمل صبغة الشعارات الرنانة، فكانت العبارات المكتوبة على الصحف، صادقة ونابعة من معاناة شخصية. هناك من يبحث عن بيته، وهناك من يريد العودة الى وطنه، ومن بينهم أم تسأل عن الفرح الذي تركته خلف جدران المنزل حين أجبرتها الظروف على ترك بيتها، ومنهم من يطلب وبشكل بسيط «الحرية». ومن أبرز الكتابات التي رفعها الأشخاص في الصور، «الفرح راجع ع شوارعنا وبيوتنا»، «لا حدود ولا جنسية لضحكة الحرية»، «إيد ب إيد»، «سوريا فوق الجميع». يحول العظمة العدسة الى وسيلة كي يعبر من خلالها عن هواجسه وهواجس الكثيرين من بلده في العديد من الدول، حيث جال بعدسته من سورية الى دبي، وبروكسل وأستراليا وبرلين والدوحة وباريس، حتى إنه التقط احدى الصور الموجودة في المعرض عبر «سكايب» من مونتريال. اختار شريحة واسعة من المثقفين عبر 51 عملاً قدمها بالأسود والأبيض، لوني الحالة الدراماتيكية السورية، فتداخلت في معرضه الهموم الفنية مع الهموم الوطنية.
أما الوجوه التي نراها في المعرض فليست كلها غريبة، فبعض الشخصيات التي التقط صورها العظمة مشهورة ومعروفة. يفتح مساحة لكل فئات المجتمع للتعبير، الصحافي والكاتب والمخرج والتشكيلي، والممثل، والمصور، ومصمم الأزياء والناشط. أوجد مجموعة من الأسماء التي لها مكانتها المهمة في الساحة الثقافية والفنية السورية، الأمر الذي يمنح معرضه قوة إضافية تضاف الى الرسالة التي يريد توصيلها من خلال المعرض الذي يستمر حتى 26 يونيو.
وحاول العظمة الربط بين المكان الذي يتم فيه التصوير وحياة الشخص، أو حتى الفكرة في الصورة، فمصمم الأزياء رامي العلي، قدم الجريدة على شكل «بلوزة» كاتباً عليها «نحنا بنفصل ونحنا بنلبس»، بينما كان أحد الناشطين مصوراً بخلفية تشبه خلفية قضبان السجن الذي اعتقل فيه. أما الممثلة يارا صبري فكانت جالسة وحدها وبالقرب منها الكراسي فارغة، تسأل عن المعتقلين الذين لا يعرف عنهم أهاليهم أي شيء، وهي القضية التي تشغلها وتعمل عليها منذ فترة.
ولكن وسط كل هذا الألم الذي ألم بسورية، والقتل الذي بات خبراً يومياً في نشرة الأخبار، أو الحضارة التي تهدم، لابد من طرح التساؤل الآتي، ماذا يمكن أن يقدم الفن في هذا الإطار؟ هذا السؤال الذي دفع العظمة الى القول، «أولاً العمل ليس جديداً، وقمت بتنفيذ هذه الصور في بداية الثورة السورية، وهو يهدف إلى عكس الحراك السلمي الذي لم يكن هدفه ما وصلت إليه الثورة اليوم». وأضاف «عندما يصبح القتل مسيطراً، لا أعرف ان كان يبقى من دور للفنان أو المثقف، أو الكاتب، ولكن على الأقل لا يجب أن يتوقف كل هؤلاء عن الإنتاج، كي يكون كل منهم شاهداً على ما يحدث، فالكثير من الفنانين العالميين قدموا أعمالاً باتت شهادات لمراحل معينة وثورات وحروباً، ولكن ما حدث مع الكثير من الفنانين السوريين أنهم أصيبوا بالإحباط». وأشار الى أن الموقف في العمل الفني، يولد وجود أعداء ومؤيدين وقد يسبب خسارة بجانب معين للفنان، ولكنه لابد من أن يكون الفنان صادقاً ويأخذ موقفاً يراه مناسباً.
حول التحضير للمعرض، لفت الى أنه من خلال جولاته عبر البلدان في معرضه السابق، كان يجري التصوير، مشيراً الى أنه بدأ بتنفيذ المعرض من سورية، وأن الأشخاص الذين كانوا داخل سورية تم التقاط صورهم بحذر شديد، ولكن جميع من عرضت عليه الفكرة وافق، وهناك فقط اثنان اعتذرا. وشدد العظمة على أنه لا يحاول دخول الخطاب السياسي من خلال المعرض، بل ما يعنيه هو تقديم الشخصيات من خلال مقاربة شخصية، فهي مجموعة مواقف يومية، التقطها بصورة عفوية. ونوه بأنه لا يخفي أن وجود الشخصيات المعروفة والمشهورة، تضيف الى معرضه قوة وتأثيراً لدى المتلقي، مؤكداً أنه يهتم بوجودهم كون صوتهم مؤثراً، ولكن في المقابل لم يتوجه لتحويل المشروع لأسماء مشاهير. ولفت الى أنه كفنان تسيطر عليه الرغبة في الصمت، والمعرض اليوم يأتي كتسليط ضوء على صوت لم يعد له وجود، وحالياً يشعر بالإحباط، حاله حال مجموعة كبيرة من الفنانين السوريين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news