الشهيد الإماراتي الأول الجندي رقم «190»

سالم سهيــــل.. الذكرى الـ 42 للشهيد ولقـــــيام الدولة

عائلة الشهيد تناقلت قصته من الأبناء إلى الأحفاد. تصوير: أسامة أبوغانم

أبى المواطن سالم سهيل خميس، ابن الـ16 من عمره، أن يتوانى عن الدفاع عن سيادة الإمارات على جزيرة طنب الكبرى، التي احتلتها إيران في 30 نوفمبر من العام 1971، وظل مرابطاً يدافع عن ترابها بسلاحه البسيط، حتى سقط شهيداً بعد أن مزقت طلقات الرصاص جسده النحيل.

أصر سهيل، الشهيد الإماراتي الأول، الذي مات يدافع عن سيادة وطنه، أن يكون على قدر المسؤولية كمدير لـ«مركز طنب»، ورفض أن يتحاور مع الجنود الإيرانيين الذين جاؤوا لاقتحام المركز، وقال مشدداً لزملائه الخمسة: «لن يقترب منا هؤلاء حتى آخر قطرة دم.. وارفعوا رؤوسكم عالياً كعلو العلم الشامخ الذي يرفرف في السماء».

صورة أخيرة

لا تملك أسرة الشهيد أي متعلقات ترجع للشهيد باستثناء صورة واحدة علقها في المجلس، يظهر فيها سهيل وهو يرتدي زي الشرطة، وفيها الرقم «190»، الذي تسلمه من القوات المسلحة ولم يمهله القدر فرصة الانخراط الفعلي في صفوفها، وذكـــــــريات مـــــازالت محــــفورة في الأذهان.


«مدرسة سالم سهيل»

في مبادرة رمزية أخرى لتكريم الشهيد أطلق اسم «مدرسة سالم سهيل» للتعليم الأساسي بنين، على إحدى مدارس منطقة «المنيعي» الجبلية، التي تعد مسقط رأس الشهيد.


الجنود الخمسة

خمسة جنود دافعوا ببسالة كبيرة عن سيادة الجزر، كانوا برفقة الشهيد سالم في «مركز طنب»، هم: حنتوش، حسن علي محمد، محمد عبدالله عبيد، محمد علي صالح، علي محسن محمد، الذين وقعوا أسرى في يد الجنود الغزاة، وفي 25 ديسمبر عام 1971، وصلت طائرة جمعية الصليب الأحمر الدولية إلى مطار دبي، وفيها الجنود الخمسة أبطال «معركة طنب»، واستقبلوا بحفاوة كبيرة من زملائهم.


سهيل في سطور

درس الشهيد سالم سهيل على يد «المطوع»، وهو في السادسة من عمره، وكان يواظب على الحضور، وأكمل دراسته في «مدرسة الحويلات» حتى الصف الثالث، وعمل في عددٍ من المهن، وانضم إلى فرقة الموسيقى العسكرية في الشارقة، لينتقل بعدها إلى «شرطة رأس الخيمة» محققاً حلمه وحلم والديه.


أسرة عفيفة متواضعة

لم يتطلب البحث عن منزل أسرة الشهيد المتمثل في منزل شقيقه علي، خلال رحلة «الإمارات اليوم» الكثير من الجهد، حيث تبين أنها من أشهر الأسر في قرية «المنيعي» الجبلية، التابعة لرأس الخيمة، ويقطن فيها أشقاؤه باستثناء أحدهم في منطقة حتا، هذا إلى جانب أقاربهم الذين يقطنون جميعاً في بيوتٍ متقاربة.

وعلى الرغم من عدم تنظيم موعد مسبق مع الأسرة، فوجئت «الإمارات اليوم» بالحفاوة الكبيرة التي استقبلت بها في منزل شقيق الشهيد الأكبر علي سهيل، وإصرارهم على ضيافتها. وأقل ما يمكن وصف أسرة الشهيد بالعفيفة المتواضعة، إذ تقطن أحد المنازل الشعبية البسيطة، وتشكر الله والحكومة على ما تقدمه من جهود، وتشعر بالتقدير الذي قدم للشهيد والمتمثل في شهادات ودروع وغيرها.

وأثنوا على الزيارة التي قام بها العام الماضي، الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، وتحدث مع شقيقي الشهيد علي وحارب سهيل بن خميس وأنجالهما، واطمأن إلى أحوالهم وبادلهم الحديث حول الشهيد سالم، وهنأهم بمناسبة اليوم الوطني الـ41، الذي يصادف الذكرى الـ41 لوفاة للشهيد. ونقل فيها تحيات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.


«رواية سهيل»

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/11/55999.jpg

الشهيد الإماراتي الأول. تصوير: أسامة أبوغانم

سلطت «رواية سهيل» للدكتور عبدالله البيطار، التي نشرت طبعتها الأولى عام 2007، بشكلٍ كبير على وطنية سالم سهيل، الامر الذي تبين بوضوح في بعض الجمل الوطنية التي نقلت على لسان سهيل من اصدقائه وأقاربه ومنها: «لا.. لا والله، لا يمكن أن نتحاور مع هؤلاء الغزاة جنود الشيطان.... وعلى ماذا نتفاهم؟ يقتحمون أرضنا.. ويروعون أهلنا، ويزرعون الخوف والذعر في نفوس الأطفال.. ويريدون منا التفاهم.. لا يمكن أن نتفاهم إلا إذا خرجوا من أرضنا ورحلوا عنا». «هذي بلدنا.. وأنتم ارحلوا ولا نقبل أي مساومة أو تهديد».

«لن يقترب منا هؤلاء حتى آخر قطرة دم.. وارفعوا رؤوسكم عالياً كعلو العلم الشامخ الذي يرفرف في السماء». كما ذُكرت قصة شجاعة الشهيد في كتاب «تجليات الشهيد سالم سهيل خميس في جزيرة طنب الكبرى» لمحمد نجيب قدورة، وتمت الإشارة إلى البلاغ الذي أمر زميله بإرساله إلى رأس الخيمة، للإبلاغ عن الاحتلال في آخر بعنوان «الجزر العربية الثلاث.. دراسة وثائقية» لصاحب السمو الشيخ خالد بن صقر القاسمي، وتم تجسيد قصته في مسرحية.


شهيد العَلَم

في بادرة لتكريم الشهيد الإماراتي سالم بن سهيل، أطلقت مؤسسة «وطني الإمارات» لقب «شهيد العَلم» عليه، ولعبت شخصيته دور البطولة في جدول فعالياتها بـ«يوم العلم»، كما ذكر رئيس المؤسسة ضرار بالهول الفلاسي، وفي إطلاق قصة «شهيد العَلم» المستوحاة من رواية الدكتور سالم حميد «سهيل»، التي تروي قصة أول شهيد إماراتي، وقام برسم أحداثها الرسام الإماراتي علي كشواني.


سالم علي سهيل

سُمّي ابن شقيق الشهيد، سالم علي سهيل، على اسم عمه، وحذا خطى عمه الشهيد في الدفاع عن الوطن، بالالتحاق بصفوف الجيش، إلا أن القدر لم يمهله كثيراً، حيث تعرض لحادث مروري مروع بعد نحو سنة، تسبب في إعاقته التي يأمل أهله أن يشفى منها بعلاجه في الخارج، إلا أن الإمكانات المادية تحول دون ذلك.

أخذ سهيل على عاتقه مسؤولية الدفاع عن طنب، فتسلح بالمقاومة موجهاً رصاصاته إلى قائد المجموعة المعادية الذي يحمل رتبة جنرال، وتوجه زاحفاً نحو سارية العلم محاولاً الدفاع عن رمز السيادة الوطنية وشموخها، حتى سقط تحت الراية شهيداً.

وكان سهيل تقدم للالتحاق بسلك الشرطة برأس الخيمة، ليحمل السلاح ويدافع عن وطنه وسيادته، إلا أن يد الغدر والاحتلال لم تمهله فرصة لتحقيق حلمه والانخراط في صفوف قوات دولته المسلحة التي تسلم بين صفوف أفرادها الرقم «190».

أحس سهيل، كما يذكر أفراد عائلته، بقرب انتهاء رحلته القصيرة في الحياة، فحرص أن يستغل الإجازة القصيرة التي منحت له قبل انتقاله إلى «مركز طنب» كمسؤول، بمعاونة ابن خالته في بناء عدد من البيوت الصغيرة من سعف النخيل لأفراد أسرته، وفي مقدمهم والداه اللذان شجعاه على الالتحاق بصفوف السلك الشرطي للدفاع عن الوطن.

«الإمارات اليوم» التقت أفراد أسرة سهيل في منطقة «المنيعي» الجبلية، مسقط رأس الأسرة التي مازالت تقطنها حتى اليوم في بيوتٍ متواضعة.

حارب سهيل، شقيق سالم، قال ان شقيقه «لطالما كان شخصاً مواظباً طموحاً ووطنياً، يعشق وطنه ويطمح إلى الدفاع عنه بكل ما أوتي من قوة، لذلك لم يقنعه انضمامه إلى فرقة الموسيقى العسكرية في الشارقة، قائلاً أنا لا أصلح إلا للسلاح، لينتقل بعدها إلى شرطة رأس الخيمة، محققاً حلمه وحلم والديه».

وأضاف «عمل سالم بجد واجتهاد، وكان مهموماً بقضايا الوطن العربي التي كانت في أوجها بدءاً بمصر مروراً ببلاد الشام، وذلك من خلال الاستماع إلى إذاعة (صوت الساحل)، وفتح باب الحوار والنقاش مع زملائه، والأهم محاولات انتزاع الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الصغرى، وطنب الكبرى، وأبوموسى)، التي تجسدت بوضوح في لقاءات الإنجليز والشيخ صقر بن محمد القاسمي حاكم رأس الخيمة، والتي باءت بالفشل، ولذلك لم يكن بالأمر المستغرب أن يموت شهيداً في سبيل رفعته وشموخه». وفقاً لحارب.

ونوه «حين جاء أمر انتقال سالم إلى (مركز طنب) ليتولى مسؤوليته، أصر على تلبية الأمر قائلاً لي لا أستطيع أن أتخاذل عن تلبية أمر الشيخ صقر لخدمة الوطن والدفاع عنه، وكان يمارس دوره في الحراسة الليلية لمدة طويلة، ويشجع أصدقاءه على الصمود والمقاومة، حين جاء جنود الاحتلال متسللين إلى الجزيرة، الأمر الذي أكده أصدقاؤه في روايات عديدة سجل بعضها».

وحول استشهاد سالم، قال شقيقه علي سهيل «سقط سالم شهيداً في يوم 30 نوفمبر من العام 1971، حين تحولت جزيرة طنب الكبرى إلى ساحة معركة، بعد أن تسلل إليها جنود الاحتلال خلسةً في الليل جواً وبحراً، واستعد الجنود الستة في الجزيرة للمقاومة، بعد أن طلب سالم من زميله «حنتوش» الاتصال من غرفة اللاسلكي بمدير شرطة رأس الخيمة، لإبلاغه بالخبر، وقام بتمزيق المنشورات التي ألقاها الجنود والداعية للاستسلام وعدم المقاومة، ودعا رفاقه إلى المقاومة والدفاع ورفض التحاور مع أحد الجنود، الذي اقترب من المركز، واشتبك الطرفان، وانهزم جنود الاحتلال في الهجوم الأول، إلا أن إمكاناتهم كنت أكبر، وعددهم كان أكثر».

وتابع «اشتد الاشتباك بين الطرفين، ونجح سالم في توجيه رصاصات قاتلة إلى قائد المجموعة الذي يُذكر أنه كان من أقارب الشاه، ونجح زملاؤه في إسقاط عدد من الجنود قتلى، وحين حاول جنود الاحتلال إسقاط العلم بالرصاص، زحف سالم إلى عمود السارية ليحميه بجسده لتنهال عليه الطلقات ويسقط شهيداً تحتها، ليستمر القتال بعدها نصف ساعة، قبل أن يسقط المركز بعد أن نفذت ذخيرة الجنود».

وعلق علين وهو يسترجع بإمعان لحظة تلقيه خبر استشهاد شقيقه «أذكر أنني كنت مناوباً في (مركز شرطة شعم)، ورن جرس الهاتف، فإذا بالمتصل الشرطي أول عبدالوهاب، يخبرني بأنني اليوم في إجازة لمدة شهر، وحين سألته مشدوهاً أنا لم أطلب إجازة، رد علي اليوم وصلنا خبر استشهاد سالم في معركة ضد الغزاة الإيرانيين، فانهرت باكياً، لكنني سرعان ما حاولت التماسك وجمع أغراضي للخروج لإبلاغ الأسرة ووالدتي التي لم تكن طبعاً، وكأي أم، لتتلقى الخبر بهدوء». وقالت ابنة خال سالم وزوجة علي، عائشة مراد، «تلقت فاطمة بنت هلال، خبر وفاة ابنها سالم كصاعقة نزلت عليها، فعلى الرغم من أن لديها أربعة أبناء على قيد الحياة، لم يحل أحد مكانه، فلكل واحد منهم معزة ومحبة خاصة، وظلت تبكيه بحرقه حتى فقدت نور بصرها».

ونوهت عائشة «يبدو أن سالم الذي كان يعشق وطنه واختار الدفاع عنه، أحس بأن رحلته في الحياة شارفت على النهاية، حيث حرص على أن يستغل الإجازة القصيرة التي منحت إليه قبل انتقاله إلى (مركز طنب) كمسؤول، في بناء عدد من البيوت الصغيرة من السعف لأفراد أسرته، بمعاونة ابن خالته، وهو الأمر الذي يترجم بدوره إلى أنه كان باراً بوالديه ومحباً للعائلة، ويحرص على التواصل الدائم معهم». ابنا أخ الشهيد محمد علي سهيل وسعيد حارب سهيل، قالا «حرص آباؤنا وأعمامنا أشقاء الشهيد، على أن يظل اسمه راسخاً في أذهان أفراد العائلة وباقياً ما بقي أفرادها، وعليه قام بعضهم بتسمية ابنه على اسمه، ودأبوا على سرد قصته علينا، الأمر الذي توارثناه ونقلناه بدورنا لأبنائنا»، وأكدا «نشعر بفخرٍ كبير كوننا ننتمي إلى أسرة يعد أحد أفرادها الشهيد الإماراتي الأول، الذي مات يدافع عن سيادة وطنه وحماية علمه، الذي يعد رمزاً لشموخه وعزته».

 

تويتر