صدام الجميلي يعرض «حوار بدرجة الصفر» في «آرت سوا» بدبي
الحياة عالم تطفو عليه الغرابة والأحلام
يحول الفنان العراقي صدام الجميلي المحيط من حالة جامدة وروتينية إلى حالة ديناميكية في معرضه الذي افتتح أخيراً، في «آرت سوا غاليري» تحت عنوان «حوار بدرجة صفر»، الذي يخرج فيه عن المألوف في تصوير البشر بصيغة تعبيرية تطفو عليها الغرابة الممزوجة بالأحلام.
يخرج الفنان العراقي من خلال أعماله الكثير من ذاته الداخلية، فيطلق العنان لمخيلته لتقديم الأجسام والحيوانات الغريبة، فتبدو كأنها انعكاسات لما يخفيه من تأثرات بالمحيط، وما يعايشه في يومياته التي ينسخها بأسلوبه الخاص عبر اللون.
يقودنا صدام الذي شاهد حفل افتتاح معرضه عبر «السكايب»، لعدم تمكنه من الحضور إلى دبي، الى عالم محفوف بالغرابة والأوهام، يبتكره بما يتناسب مع مشاعره والحالات التي يمر بها عبر التكثيف اللوني، فيوجد كائنات يجمعها بالبشر، ويعوض أحياناً وجوه الأخيرة بوجوه الحيوانات، ثم يعود لرصد تحركات الناس من خلال التماهي الحاصل بينهم وبين كائناته الخاصة.
|
|
هذا الوهم الذي يبتكره الجميلي ليس منفراً، فهو يقود الى قراءة الهواجس الداخلية عند الإنسان، فيبدو كأنه يتعمد تكريس اللون للبوح أولاً، ثم لمواصلة البحث عن إمكانية التغيير في المجتمع المحيط، فيجعل البشر في حالة طيران، أو يسبحون في الهواء من دون بلل، ثم ما يلبث ان يجعلهم يجثون على ركبهم ويمشون كالحيوانات.
كل هذه المشاهد التي تحرك المخيلة تنطلق بعفوية واضحة عند الجميلي، فتبدو لوحاته مبتعدة عن قيادة فكر المتلقي ووضعه في اطار جامد أو قالب محدود. هذا النوع من الأعمال يداعب الخيال كما لو أنه يترك له النافذة مفتوحة لتدخل عبرها الأحلام تماماً كما الفراشة تدخل الى الغرفة باحثة عن الضوء الذي ستحوم حوله.
يحذف الجميلي في معرضه الذي يستمر حتى الثالث من أكتوبر المقبل، صورة العالم الحقيقي، ليشيد عالماً آخر، بعيداً عن المثالية، ويحتمل الكثير من الشوائب التي يطرحها عبر التقاطعات اللونية التي توجد ازدحاما في اللوحات. هذا الازدحام الذي يوجده في اللون يتبعه الازدحام في تفاصيل كل لوحة، اذ تتميز أعماله بالنزعات الكولاجية عبر القليل من الصور والكتابات التي يلصقها داخل العمل، دون أن يجعله متجلياً، فيمزج اللون بالصورة ليغيب ملمس الطبقات عن الكانفاس.
هذا اللصق لقطعة خام من الواقع، يبدو كأنه عملية وضع لحلم في خطاب ما، فهو لا يشبه الواقع الذي يصوره، ولكنه يصبح جزءاً منه. أما تعاطيه مع الجماد في العمل فيتخطى مفهوم الملاحظة، حيث يبدو أحياناً كأن الاشياء الجامدة التي يطرحها هي التي تحدق بالكائنات الموجودة وليس العكس. كما أن هذه الأشياء الجامدة والحيوانات التي يصورها، والتي لا تستطيع أن تفقه كلام البشر المحيطين بها، تبدو ترجمة فعلية لكلامهم، فالجماد يستمد تعبيره من البشر ويصاب بعدوى الحالة التي تطغى على شخوص الجميلي.
قد ترهق المتلقي لوحات الجميلي لشدة تعقيدها في التعبير عن المشاعر الإنسانية من جهة والمواقف الحياتية من جهة أخرى، فنجد بعض اللوحات تعالج حالات انسانية مطلقة كالأمل والغيرة، والأقنعة، بينما تقوم لوحات أخرى على مواقف معينة، ومنها الاستفسار او الوصف أو الدعوة، أو الاجتماع.
هذا التقديم المفرط الحساسية يتعامل مع قضايا البشر من خلال الأثر الذي يخلفه المرء، سواء بالصعود على السلالم التي يصورها أو النزول، الأمر الذي يجعل رائحة الوجود تنبعث من اللوحات. ثم يتجلى بعد ذلك المخلوق الذي يصوره في هذا الوجود، هو ذاك الغريب الذي يقبع داخل الكائن المكتظ بالتناقضات. هذا المخلوق الغريب قد لا يملك كل الأعضاء الحسية التي نملكها، ولا يملك الحواس التي توجد عبر هذه الأعضاء ولكنه يهيمن على حياة البشر وأحياناً يستطيع ان يقودهم ويكون المحرك الأساسي لقراراتهم.
أما الحرارة المنخفضة أو الحرارة الصفر التي وضعها في عنوان معرضه، فيجسدها صدام تصويرياً وبشكل مباشر عبر البخار الناجم عن البرودة في الجو. هذا التجمد في المشهد يوحي بحالات انسانية تفصح عن هواجسها.
كل هذه المشاهد تقودنا الى طرح سؤال حول مدى اقتراب الفنان من تعرية النفس البشرية ومحاولة الهروب من الواقع بعد إدراكه، والتعويض عنه عبر خيال يوازي العالم الحقيقي بكل تفاصيله.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
