أعمال نادرة من مقتنيات حاكم الشارقة فـي «رحلة حول مصر»

‬67 لوحـة في عشـــق «المحروسة»

صورة

توجه تسعة مستشرقين في القرن الـ‬19 في رحلات استكشافية لحضارة دولة، نتج عنها مجموعة مميزة من الأعمال الفنية بطباعة حجرية ملونة، رصدت مناظر طبيعية وحياة اجتماعية ودور عبادة وآثاراً فرعونية.

ولأن الفنانين كانوا من خلال رسوماتهم تلك يوثقون الحياة في تلك الحقبة من الزمن، جعل منها مجموعة نادرة وذات قيمة فنية، إذ يمكن من خلالها التعرف إلى طبيعة الحياة التي كان يعيشها الانسان المصري في تلك الحقبة، ونظراً لأهمية تلك المجموعة المميزة والمكونة من ‬67 عملاً فنياً، قدم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تلك المجموعة النادرة ضمن معرض «رحلة عبر مصر» الذي افتتح اول من أمس في متحف الشارقة للفنون في منطقة قلب الشارقة.

سلسلة

يأتي هذا المعرض، الخاص بمقتنيات صاحب السمو حاكم الشارقة، ضمن سلسلة متواصلة من المعارض التي تقيمها دائرة الثقافة والإعلام، وتسهم في تعزيز الثقافة والفنون التشكيلية، لاسيما أن جميع المعروضات تعد من المقتنيات النادرة لحاكم الشارقة، والتي يتيح من خلالها الفرصة للجمهور في الدولة والمنطقة للاطلاع على مجموعات مختلفة من هذه الأعمال من خلال المعارض التي أقيمت سابقاً، وضمت الأعمال المتعلقة بمصر (في القاهرة)، وآخر ضم أعمالاً من بلاد فارس، وعن بلاد الشام «فلسطين والأردن وسورية ولبنان».

ومن هذه المجموعات الفنية العديد من لوحات الجرافيك «الطباعة بأنواعها المختلفة»، والتي نفذها أبرز الفنانين المستشرقين الذين زاروا البلاد العربية والآسيوية، وتأثروا بما شاهدوه من معالم تاريخية وجغرافية وملابس وعادات وتقاليد، وأنتجوا أعمالهم الفنية، التي من الممكن أن نطلق عليها «توثيقية»، وبعضها طبع في كتب في وقت سابق، إلا أن من الصعب الحصول عليها لندرتها، فيما يحفظ بعضها في المتاحف أو في مجموعات خاصة.

يأتي هذا المعرض في الوقت الحالي ليؤكد أهمية مصر ومكانتها المرموقة في التاريخ البشري الفني والحضاري، الأمر الذي دفع بكثير من الفنانين الاستشراقيين لزيارتها إبان القرن التاسع عشر في رحلات متعاقبة توثق وتسجل لمعظم المشاهد والأمكنة والشواهد الأثرية ومظاهر الحياة الملهمة.

وقد كرس المستشرقون فنهم لتصوير الشرق بكل ما فيه من طبيعة وعمران وبشر، مركزين على الآثار والأزياء والعادات والتقاليد ونمط الحياة الاجتماعية والطقوس الدينية، وقد بدأت هذه الحركة منذ نهايات القرن الثامن عشر، لكنها تعاظمت وأخذت طابعها المميز في بدايات القرن الـ‬19.

دراسة تحليلية

في دراسة تحليلية لأعمال الفنانين، أجرتها الناقدة والباحثة التشكيلية الدكتورة إيناس حسني، أكدت أن أعمال الفنان دافيد روبرتس متعلقة بالعمارة الإسلامية ومن خلال المنظر كما في لوحة «باب زويلة»، وكذلك لوحة «بوابة المتولي»، يلاحظ إلى أي مدى يبدو اختياره لهذا العنصر المعماري من زاوية الرؤية المتسعة التي يكتمل من خلالها إبراز خصائص ذلك الشكل المعماري من الضخامة إذا ما قيس بالعنصر البشري أسفل اللوحة، لافتة إلى أنه على الرغم من اهتمام روبرتس بالأبعاد والمنظور فإنه يحافظ على تفاصيل الشكل المعماري، وإن لم يلتزم الدقة أحياناً في تفسيراتها البصرية، محافظاً على النظرة الكلية للعمل الفني، ويحرص على اختيار الشكل المعماري في أحسن زواياه بحيث تبدو أكثر صفاته واضحة.

ولكي يحافظ الفنان على الاتزان داخل المنظر يستخدم الضوء استخداماً درامياً مسرحياً، إذ أتاح له الظل الهدوء في إبراز جزء من التفاصيل التي تريح الرؤية، كما أن استخدامه للضوء يعمل على تحقيق الاتزان والأبعاد، ويبدو ذلك في اللون الفاتح الذي غمر شخصين أسفل المنظر في منطقة تعمل على اتزان العمل، وهي أيضاً محل جذب للعين من أعلى المئذنة التي تلاشت في الأفق.

الإنسان والطبيعة

أعمال الفنان إدوارد أنجيلو جودال، تميزت القيم التشكيلية التي عالج بها الفنان موضوعاته الشرقية بأنها تبدو متقاربة على اختلاف مراحلها الزمنية، ويمكن الإشارة إلى تلك القيم المتمثلة في الخط واللون والظل والنور والإيقاع من خلال تحليل الدكتورة حسني التي لاحظت في دراستها اهتمام الفنان في لوحته الوحيدة المعروضة بالمعرض بعناصر التصميم من حيث التنوع في الوحدة، وكذلك ترابط أجزاء التصميم بما يشكل حركة في العمل الفني.

وهو يعتمد في التصميم مجموعة من الشخوص الجالسة والواقفة والحيوانات، كما استعان بالطبيعة مثل الجبل والأشجار والسماء والأرض باللونين الأزرق والأصفر، ويقوم بتوزيعها، محققاً تنوعاً في ملامس السطح، كما أن الحركة في عناصر الشكل تحقق قيماً جمالية عالية، عبر عنها بقدرته على الرسم، ونجد تلك القيم في الخط والأجساد، وأضاف لتلك الخلفية ترديداً متنوع الإيقاع، محافظاً بذلك على الاتزان في اللوحة.

كما أن اللون في اللوحة يقترب من الواقع المحيط بالمكان، ويمتاز بدرجة تألق في طريقة التنفيذ التي تميزت بالتنغيم المستمر، كما أن التدرج الضوئي حافظ على الأبعاد، ويبين الفنان قدرته على دراسة التفاصيل من خلال توزيعه المناطق الداكنة في العمل بما يحقق الاتزان.

الأهرامات والنيل

في لوحتي الفنان أوغسطس أزبورن لامبلوج المعروضتين في المعرض، يلاحظ اهتمامه بتصوير الأهرامات في خلفية إحدى اللوحات والجمال والنيل والسماء، أما المباني فقد لونها الفنان بألوان فاتحة، وكثرة أشكال الحركة التي يتخذها في اللوحة تعتبر من مواطن الجمال فيها، بحسب الدكتورة حسني، إذ أكدت انه لم يخطئ في نسب أي مكون من مكونات اللوحة، ما يؤكد عبقرية الفنان.

تبدو خصائص أسلوبه واضحة التمييز، فدرجات الألوان متألقة في انسجام واضح، واهتمامه بدراسة ملامس السطح واضحة في المآذن والقباب والأسطح المعمارية، والغريب في لوحاته، على الرغم مما تضمه من تفاصيل كثيره، إلا أن كثرتها لا تشعر بالملل، لاسيما أن توزيع مساحات العمل الفني تكاد تكون مبسطة اللون والضوء من خلال الأبعاد لتربط الشكل.

جسد الفنان كل التفاصيل الدقيقة للمساجد، منها المئذنة التي رسمها بملامحها الدقيقة، وأبدع في تصميمها بواقعية، وأظهر العديد من المآذن الأخرى بأشكال متعددة عن بعد في الأفق، كما أظهر العديد من القباب أيضاً، وأكد كذلك في لوحته على الفواصل والظلال وفي لمحة بصرية واحدة وإيقاع موسيقي، أضفت على اللوحة حيوية مغايرة.

قناطر وضوء

تفنن الفنان شارلز هيد في رسم الشرق بإحساس وعمق كبيرين، فقد صور الأقواس والقباب والمآذن العالية والقناطر والحارات الضيقة، كما تبدو البيوت المبنية من الخشب واضحة، لاسيما أن الفنان تمكن من إبراز الخطوط والأشكال الهندسية والنباتية التي تضفي غموضاً ساحراً على اللوحة.

وتمكن هيد من توثيق طراز القوارب مصرياً التي كانت تستخدم في تلك الفترة، وتبدو في الخلفية رموز دينية متمثله في القباب والمآذن، وبحسب الدكتورة حسني فإنه يغلب اللون الأصفر على اللوحة، وهي مرسومة بدقة عالية، فالفنان أبدع في رسم اتجاهات أشرعة القوارب والمباني من خلفها، محققاً تناسق نسب التشكيل، كذلك أبدع في اختياره ألواناً فيها تناسق وانسجام.

بينما تميزت المعالجة الفنية للأشكال عند الفنان هاري فين بالاهتمام البالغ في تأثير الضوء وما يحدثه من ظلال يحسن استخدامها في اللوحة، وترجع القيمة الجمالية للخط في أعماله إلى كثرة ما أنتجه من التخطيطات الأولية للأشكال في واقعها المرئي، وتبدو قيم الخط الجمالية واضحة في أعماله المنفذة بالألوان المائية في مرحلته الاستشراقية الأولى.

إن أهم ما يميز لمسات الفنان فين أنها تجعل المشاهد يرى اللوحة ذات نسيج واحد، إذ إن ذلك الإحساس واضح من حيث الوحدة العضوية التي يحدثها الضوء الغامر للأشكال، واندماج اللون بصورة كثيفة متقاربة النوعية اللونية في عناصر الشكل، أم اللون عنده يتميز بسمك واضح ودرجة تألق عالية.

تويتر