‬15 عملاً لوليد المصري في «غاليري أيام» في دبي

«كرسي الإدراك».. تــركيب يدمّر دلالة الكراسي

صورة

يمنح التشكيلي وليد المصري الكرسي بعداً عميقاً من خلال التركيب المتكرر، الذي يطرحه في مختلف أعماله، فالكرسي الذي يقدمه متبدل اللون والحجم والخامة، وكذلك الرمزية، لكن وحده اللون الأسود هو القاسم المشترك بين هذه التراكيب التي كونت الكراسي.

الكرسي في معرض المصري، ليس كرسي الاعتراف ولا الحكم، إنه «كرسي الإدراك»، حيث يقدم ‬15 عملاً تحت هذا العنوان في أيام غاليري، منطلقاً من الفراغ في أسفل اللوحة، لتحمل الاخيرة في القسم الأعلى منها دلالة جديدة للكراسي، تدمر المفهوم المألوف والراسخ في الوعي الجماعي.

تدمير

سيرة لونية

ولد الفنان وليد المصري في دمشق عام ‬1979، وتخرج في كلية الفنون في دمشق عام ‬2005، وقدم العديد من المعارض الفردية وكذلك الجماعية، الى جانب مشاركاته في ورش عمل فنية خارج سورية، منها ورشة عمل «اكتشاف الفن الحديث» في باريس، وورشة عمل ايام دمشق للتصوير الضوئي. اما المعارض فقد تنقلت بين سورية والامارات وأميركا وباريس والاردن. حصل على الجائزة الثانية التي قدمت من معرض «ألوان دمشق» بالتعاون مع المفوضية الأوروبية، كما حصل على الجائزة الثالثة في مسابقة الأيام الأولى للفنانيين الواعدين في بداياته الفنية عام

يوسع المصري، المولود في سورية، أفق النظرة الى الكرسي، من خلال أعماله التي يقدم فيها هذا المحتوى ضمن نمط فني يحافظ من خلاله على الخط المتوازي بين نمطين من الفن، يبدو انهما الأقرب إليه.

لا يفصل الفنان، الذي درس الفن في دمشق، نفسه عن هذين الحدين، فتبدو اعماله شديدة الالتصاق بالفن المفاهيمي الذي يعالج القضايا من خلال التراكيب البصرية من جهة، ومحافظة على المعاصرة التي تستبدل جدار اللوحة بوسائط أخرى من جهة ثانية، ما يبرر انتماءه الصريح الى ما يسمى ما بعد الحداثة. وقد تعيدنا أعمال المصري التي يعتمد فيها على الكرسي الى الستينات مع الفنان الاميركي روبرت روشنبرغ، الذي يعد أول من استخدم الكرسي ليعبر من خلاله عن مفاهيمه وذاكرته عبر المدرسة التعبيرية.

البساطة لا تعني سهولة فهم الأشياء، هذا ما تؤكده أعمال المصري، فليس هناك أبسط من رسم أي شكل محدد المعالم وواضح الهوية كالدائرة أو المثلث أو حتى الكرسي، لكن الغوص في الأبعاد التي يمكن ان يحملها تأخذنا الى عالم لا متناهي من الأفكار والتأويلات، لذا لا يدخل الكرسي من خلال هذه الأعمال في مشهد تقليدي أو تأويل سهل الإدراك، على الرغم من الثورات المتنقلة بين أرجاء الوطن العربي، والتي قد تقرب دلالاته من هذا المحتوى، إلا ان المصري قد تمكن من إبعاد كراسيه عن التركيب المألوف، فهو يدفعنا إلى تدميره ونسيان دلالاته، ليأخذنا عبر قساوته الى البعد التجريدي، خصوصاً مع الضربات التي لا تلتزم التصوير الواقعي وإنما التعبيري.

كما أنه يعتمد تغيير مفهوم الكرسي في الوعي الجماعي عند المتلقي، فليس للكرسي هنا أي دلالة صريحة ومباشرة، وانما تجريد وتلميح ورموز يمكن أن يضعها المشاهد في الخانة التي ترضيه، خصوصا أن المصري يتعمد ترك فراغ كبير في اللوحة، وهي المساحة او الحيز الذي يبحث فيه المرء عن ذاته. فلسفة خاصة يطرح بها المصري الكرسي من خلال الصمت والخواء الذي يجسده، فالكرسي الذي يتمركز في أعلى اللوحة سواء كان كرسياً واحداً أو مجاورا لكرسي آخر، موجود في حالة صامت دائم، هادئ، يرسم الفراغ في الكون، ليعبر الفنان من خلال هذا البعد عن أهمية الفراغ، وكيف يمكن ان يتفوق على الامتلاء، سواء من حيث المفهوم الوجودي في الحياة أو حتى التركيب اللوني في اللوحة.

ألوان

يبلور المصري اهتماماته اللونية عبر الألوان التي يزين بها الكراسي، فاللوحة لا تخلو من الزركشات اللونية، الى جانب ذلك تنتشر على الكانفاس بعض النقاط السود، بينما الكرسي حاد الأطراف فباللون الأسود أو الابيض. أما الألوان المتعددة التي تحيط بالكرسي فتظهر الانفعالات الوجدانية والتغييرات العاطفية للفنان، وكذلك الحالة التي يرسم بها، فهي تارة منفعلة، وتارة في حالة سكينة وهدوء.

وقد اعتمد الفنان على الاكريليك من ناحية اللون، لكنه أدخل القماش على أعماله، فتجلت من خلال التقنية المعتمدة في مزج المواد الرسومات والورد التي بدت كأنها نقوش على الكانفاس. وتعتبر هذه التقنية مختلفة الى حد ما عن الكولاج المتعارف عليه بمزج الخامات المتعددة، لأن النتيجة النهائية في سطح اللوحة المعالجة لا تظهر هذا المزج، تبدو متداخلة ومنسجمة وهادئة، لكن وحدها المساحة الخاصة بالكرسي هي التي تحمل الضربات العنيفة والخشنة الملمس.

يعتمد المصري على القوة التعبيرية في أعماله، فيبدع في تقديم المواد التصويرية ومزجها في العمل الواحد، لتلتقي على سطح اللوحة، وتشكل الصورة النهائية التي تبرز سيطرته على الفكرة منذ البداية حتى نهاية العمل. تظهر الأعمال سيطرة المصري وبشكل جميل ومدروس على تلقائية الفنان بداخله.

كل لون موضوع في لوحات المصري محسوب، فهو يتعمد التقشف في المواد، يطرح الألوان التي يضعها تارة على الكانفاس، وتارة على الأقمشة التي يلصقها بالكانفاس، بطريقة متقنة تخدم الفكرة التي يريد أن يطرحها.

أما الزوايا المختلفة التي يطرح بها الكرسي، فإنها تدخل حيز توثيق اللحظة والحالة أكثر من دخولها مجال منح التأويلات والتفسيرات لأي لوحة.

تويتر