أعماله الأخيرة تعيد إلى «كليلة ودمنة»

أحمد البحراني: النحات العربي مقيّد الإبداع

البحراني: النحت هو الفن الذي يتيح لنا قراءة التاريخ. تصوير: أسامة أبو غانـم

اعتبر الفنان العراقي أحمد البحراني، أن النحات العربي يعاني محدودية المواد التي يعمل عليها، الأمر الذي يقيد ابداعه، بينما يتوج النحات في الغرب أعماله بالكثير من الابتكار جراء ما يتاح له من مواد تسهل العمل الإبداعي. وقد جاء ذلك في حوار لـ«الإمارات اليوم» على هامش زيارته دبي أخيراً، حيث عرض آخر أعماله النحتية تحت عنوان «عدم الثبات» في معرض يعيد المشاهد إلى كليلة ودمنة، من خلال المنحوتات التي تجسد الحيوانات والتي كان بعضها مستوحى من ذكريات الفنان التي عاشها في بلاد الرافدين.

وحول أعماله الأخيرة قال البحراني، «لم أستوح الأعمال الأخيرة من كليلة ودمنة لأن النحت لا يجبرنا على الدخول في الكثير من التفاصيل، فأحياناً المادة هي التي تحكمنا أو الرؤية البصرية، ولهذا نحاول اللعب على المادة، تماماً كما الشاعر يستطيع من خلال عبارة واحدة او اثنين ان يختزل الكثير من المعاني، فالنحت هو عبارة عن عملية اختزال للكائن والشكل». وأوضح البحراني فكرة الأعمال التي قدمت في غاليري آرت سوا في دبي، قائلاً، «ينقسم المعرض الى قسمين: القسم الاول من الذاكرة، فيما الثاني لتوصيل رسالة للناس، فهناك القط في المجموعة وهو حيوان لا أحبه لأنه حيوان لا يمكن الوثوق به، وهذه رسالة تعكس انعدام الثقة الحاصل بين الناس في عصرنا، بينما هناك الكثير من الحيوانات التي كانت تنتشر في العراق وترتبط بذاكرتي في سن الطفولة، منها البقرة والثور والقط الوحشي والوشق، الى جانب الديك والسمك». وأردف قائلاً «النحت يشبهني وأحب ان أقدم اعمالا فيها مصداقية، تعكس طريقة تعاملي مع المادة».

واعتبر ان النحت لا يمكن ان يكون محصورا في التجسيد، فيمكن ان ينطلق الى التجريد، وبالتالي فالتجربة الاخيرة مع تجسيد الحيوانات، تعد بالنسبة له إعادة واسترجاعا لتجربة قدمها في الثمانينات ولكن مع القليل من التطوير. ولفت البحراني الى أن الجمهور دائما متعطش الى الجديد، وان الواقعية في العمل الفني ان كانت سترضيه في يوم من الأيام، فلن يتوانى عن تقديمها، لأنه يؤمن بأن الابداع والابتكار هما البصمة او الشعار الذي يجب أن يحمله الفنان، وليس ان يضع نفسه ضمن إطار قد يقيد افكاره أحيانا.

توثيق

سيرة فنية

درس الفنان العراقي فن النحت في معهد الفنون الجميلة في بغداد وتخرج فيه عام ،1988 وقد تأثر بالكثير من الاساتذة العراقيين، منهم عبدالرحيم الوكيل. شارك في العديد من المعارض في العديد من الدول، منها أعماله في قطر وبيروت وصنعاء والامارات التي قدمها من خلال «غاليري آر تسوا» منذ ما يقارب 10 سنوات. كما له الكثير من المنحوتات التي تعرض في الاماكن العامة، او المقتناة في متاحف عالمية. وقد غادر العراق بسبب الاوضاع السياسية وانتقل للعيش في الدوحة.

النحت هو الفن الذي يتيح قراءة التاريخ، هذا ما أكده البحراني، موضحاً أن التاريخ يقرأ من بقايا العمارة والمنحوتات، سواء صغيرة أو كبيرة، فالنحت ارقى الفنون كونه يشمل الرسم والتجسيد، والفن هو أرقى ثمار الحضارات. وأِشار الى أن بداية النحت كانت بالحفر على الجدران في التاريخ لتنتقل بعدها الفنون الى المجسمات التي تعتبر توثيقا مهما للثقافة والمعتقدات تماما كما كانت تستخدم المنحوتات لتجسيد الآلهة والخصوبة أو لتوثيق الانتصارات، مشددا على ان موقع النحت في عالم الفنون يحظى بالرتبة الاقل لدى الناس والجمهور، وذلك بسبب الثقافة البصرية التي تجعل الناس يبحثون عن اللوحة التي يسهل نقلها وكذلك امتلاكها، كما انه في المزادات غالبا ما نجد ان الموضوع يخضع لمعايير تجعل النحت ايضا يحظى بالاهتمام الاقل بين اللوحات.

وتعد التجارب النحتية في العالم العربي تجارب معقدة تعاني فقراً في المواد، بحسب البحراني، الذي شدد على أن العراق عانى أكثر من غيره من البلدان هذا الامر، بينما في الواقع الترف في المواد هو الذي يمكن الفنان من الابداع وتقديم كل ما هو جديد. وأضاف ان «الفنان العربي محصور الأفكار بسبب المواد المتوافرة، فلا يستطيع التطرق في الأفكار الى الاستخدامات الكثيرة»، مشيراً الى أن الحديث عن هذا الموضوع في العراق يدخل ضمن نطاق السياسة، «فالحصار الذي فرض على العراق، جعل الإنترنت على سبيل المثال يدخل العراق عام ،2003 وهذا أثر كثيرا في الفن، لأن الفنان كان مقيدا بما أملاه عليه في السنوات القديمة الاساتذة الكبار، علماً بأنهم أسهموا الى حد كبير في ارتقاء وتحسين مستوى الفن، ولكن يبقى ذلك ضمن حدود». ولفت الى ان «الثبات الفني هو تراجع في مستوى الفن، لأن فن النحت كان محصوراً في الطين والجبس والبرونز مع الذي يتمتع بوضع مادي جيد، فيما في الغرب ينحتون الضوء، وهذا الذي خلق التباين بين العالم العربي والغربي في فن النحت على وجه التحديد».

تويتر