مشاركون ناقشوا حرية الكتابة والتجريب. من المصدر

« الكتابة المرتاحة » تــثير جدلاً فـي « الإبـداع الخليجـي »

ما بين «الشخصية الهامشية في المجتمع»، و«حرية الكتابة» و«السرد القصصي بين شعرية التجريب وبناء الواقع المستحيل»، ناقش نقاد ومبدعون خليجيون محور الفن وتحولاته ضمن السرد القصصي في الألفية الثالثة، خلال الجلسة الأولى في ملتقى الإمارات للإبداع الخليجي في دورته الثانية التي ينظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، والتي عقدت أول من أمس، واستضافتها مؤسسة سلطان العويس الثقافية في دبي.

وأثارت ورقة عمل الكاتب والإعلامي الإماراتي محمد حسن الحربي، بعنوان «حرية الكتابة»، جدلاً بين الكتاب والروائيين الحضور، خصوصاً بعد أن أطلق مسمى «الكتابة المرتاحة» على الكتابة الحرة، وخلص إلى تسميتها بالكتابة الجديدة، التي تعتمد على اسلوب جديد يعبر بملامح خاصة في الأسلوب واللغة المتقصدة عاملاً رئيساً فيها.

ولفت الحربي إلى أن «حرية الكتابة أو الحرية في الكتابة أو الكتابة الجديدة، هي تسميات تعني أن تمارس حريتك، وأنت تكتب لذلك، فإن كل ما ستنتجه سيكون حراً بالضرورة»، مشيراً إلى أن الكتابة الجديدة القائمة على قيمة «الحرية في الكتابة» جاءت بداية للشاشة الالكترونية وللمواقع الاجتماعية و«قد عمل المدونون العرب كثيراً على مسألة الكتابة الجديدة، إذ قفزوا باللغة العربية إلى المرتبة التاسعة بين لغات العالم الحية المقروءة على الشاشة الالكترونية وزادوا في عدد قرائها ليتجاوزوا نحو 50 مليون قارئ».

وتابع الكاتب والإعلامي الإماراتي أن «المشاعر الحرة التي تنتاب المبدع وهو يكتب للشاشة أو الموقع الإلكتروني، هي التي تقف وراء جعل كتابة حرة و(مرتاحة)، إذ إن غالباً ما تكون أكثر حرية من الكتابة على الورق وإن كانت للكاتب ذاته، ويعود السبب إلى أن الكاتب يشعر بأنه يكتب في صفحة كبيرة وواسعة يمكن أن يراها ويقرؤها الجميع ويراقبوها ويعلقوا عليها، لذلك لا يريد أن يقترف فعل الخوف، أو يتلبس بحالة من التردد ويرسل رسالة غير مباشرة تفيد بأنه يعاني خوفاً ونقصاً في السوية».

الشخصية المهمشة

إلى ذلك، تناول الباحث والناقد الكويتي فهد توفيق الهندال، ورقة عمل تضمنت محور الشخصية الهامشية في المجتمع، وأوضح أن «الشخصية الهامشية أو المهمشة في المجتمع الانساني، سواء كانت قائمة مجبرة أو مقيمة عابرة، من خلال قصص مختارة من مجموعات قصصية لكتاب قصة في الكويت تحديداً، يرتبطون بذلك الامتداد السردي الباحث في هموم المجتمع الذي ينتمون إليه، وفق شخصياته المختلفة والمتغيرة، بحسب الجنس والجنسية والطبقية والاجتماعية، بما يقدم لنا مشاهد سردية متنوعة عن انماط الشخصية الهامشية في تلك القصص».

وقال إن «القصة فن أدبي قديم سبق الرواية، لذلك يعد المُشكل الحديث الأول لبقية الفنون السردية، ومنه تطورت عناصرها، وتعددت عوالمها الخارجية، إلا ان الإنسان بقي هو الكائن أو العنصر الوحيد الذي لا يمكن للسرد التخلي عنه، لكونه محور الحدث.. والرواية تنهض على مجموعة من العناصر إضافة إلى الشخصية، إذ كان المنطق السائد في الرواية يرتبط بربط العناصر وتعلقها ببعضها البعض، ولا يمكن أن يقع حدث ما إلا وارتبط بحركة أو فعل ما، لاسيما أن الشخصية كانت الوسيلة المثلى والفعلية لإنجاز الحدث، والكاتب يلجأ إليها بطبيعة الحال لتحريك الحدث بما يناسب رؤيته وخطته في كتابة العمل».

قصة ورواية

تابع الهندال أنه «في المقابل نجد أن القصة تعد أيضاً بناء سردياً يعتمد في مكوناته على الشخصية، ولو أن مساحتها أقل من الرواية، إلا أنه لا يمكن تجاهل الشخصية باعتبارها عنصرا مهما في بناء القصة، لأنها تكون خضعت عاملاً مكملاً وليس أداةً سردية مستقلة وقائمة بدورها وأهميتها في المشهد القصصي الكويتي، لاسيما ان هناك كثيراً من الدراسات النقدية التي ركزت على حضور الشخصية دوراً مكملاً للعمل السردي فقط، من دون التركيز على أهمية رسم ملامحها ومعالمها الخارجية، واكتشاف أغوار عوالمها الداخلية». واستعرض الهندال مجموعات قصصية تناولت الشخصية المرتبطة بالامتداد السردي في المجتمع، منها قصة «ألعاب نارية» للقاصة باسمة العنزي ضمن مجموعة «يغلق الباب على ضجر»، إذ تناولت الكاتبة الحالة الطبقية التي وصل إليها المجتمع اليوم في ظل إحياء الهويات الصغرى على حساب هوية الوطن والمجتمع الإنساني، الأمر الذي يظهر واضحاً في الوصف السردي لشخصية القصة، إذ يبحث عن وجود اجتماعي في إطار المجتمع اليوم، على الرغم من عدم وجود انتماء عائلي في مجتمع يفاخر بانتماءاته العائلية، ووقوع المجتمع تحت طائلة المظاهر والرفاهية الشكلية من دون الثراء الوجداني، والقلق الشخصي مقابل السخط الاجتماعي إضافة إلى العيش في إطار حسابات مجتمع متعالٍ على الأصفار والأرقام الأحادية طموح صعب في ظل تفكك القيم الانسانية واحتكامها إلى لغة أرقام المصالح.

المشهد السردي

من جهته، استعرض الكتاب والناقد السعودي محمد الحرز، في ورقة عمل بعنوان «المشهد السعودي نموذج»، المشهد السردي السعودي، وقال إن «مكونات السرد من حدث وشخصيات ورؤية وتقنيات، لم تنسج تصوراته في ذهنية المبدع السعودي من خيوط التقاليد المرتبطة بسلطة النوع الأدبي نفسه إلا نادراً»، مشيراً إلى أن الطفرة في الكتابة الروائية والقصصية لم تمهل كتابها استيعاب التقاليد السردية المنجزة على مستوى التجارب العالمية، بالتالي توظيفها بنضج في التجربة، الأمر الذي أفضى في كثير من التجارب إلى غياب الحس الانساني العميق للتجربة، والوقوع كذلك في فخ التسطيح والرؤية الاستسهالية للكتابة الروائية بالدرجة الأولى وربما لا يمكن عزل المؤثرات التي تنتجها تلك التقاليد وتضغط على وعي المبدع من خلال فعل القراءة، لكن الفرق يكمن في مستوى التلقي من مبدع لآخر».

وشدد الحرز على ضرورة الحذر من مقولة التعميم التي توحي بها جملة «المبدع السعودي» فهناك أجيال من المبدعين تندرج تحت هذه الجملة، ولكن ما نقصده هنا هو جيل ما بعد الـ2000 ميلادياً، الذي انكسر في داخله جيل الجليد، وتعرى أمام سرعة إيقاع الحياة وتطوراتها المتشظية في جميع الأرجاء.

بينما تضمنت الجلسة الثانية التي أدارتها القاصة الإماراتية فاطمة الهديدي، نماذج قصصية لعدد من كتاب القصة في الخليج العربي، تميزت في مجملها بطابعها السردي المكثف والرمزي من خلال لغة ذات دلالات وهواجس إنسانية ومجتمعية متنوعة، شارك فيها كل من القاص السعودي محمد البشير بنصوص «نشاز قبر، خواء مكتظ» والقاصة الكويتية منى الشافعي التي قرأت قصتين «الأخرى، تكوين»، أعقبتها القاصة الإماراتية مريم الساعدي التي قرأت «جدي الذي في الزاوية، سحلية رملية على جدار أملس».

الأكثر مشاركة