نقاد: المجتمع العربي «أبوي» ويعتمد التلقين

السينما العربية تنسى الطفل فـي البيت

صورة

دائماً ما ارتبط «الأطفال العرب»، كمشاهدين، بالقصص وبرامج التلفزيون الكرتونية، حيث اغفلت السينما عالمهم الخاص وحكاياتهم وتفكيرهم وانفعالاتهم وعوالم الخيال الثري لديهم، رغم أنها سعت في السنوات الاخيرة للتركيز عليه بصناعة بضعة أفلام لا يتجاوز عددها أصابع اليد، فما السبب وراء اغفال عالم الطفل من الصناعة السينمائية العربية؟ سؤال وجهته «الإمارات اليوم» الى عدد من السينمائيين العرب الذين حضروا الدورة الخامسة من مهرجان أبوظبي السينمائي، حيث أكد معظمهم أن نظرة السينمائيين للطفل نظرة استعلائية، والمنتج لا يفكر الا بالربح، وقال آخرون ان المجتمع العربي مجتمع أبوي بطبيعته، فألاب هو الذي يفهم كل شي وهو المعني بصناعة أفلام موجهة له، وهو الذي يقرر ما الذي يريد ان يعلمه لأطفاله.

عصر التغيير

الناقد المصري أمير العمري رئيس تحرير «عين على السينما»، قال إنه على الرغم من أن الأطفال يشكلون جزءاً حيوياً من حياتنا كما المرأة والرجل، الا أن هناك نظرة استصغار لهذا الكائن الصغير»، موضحا أن ذلك «يتم من خلال اعطائه مواد فيلمية لا تمثل الواقع، مثل الأفلام الكوميدية والكرتونية، ما يؤكد نظرة متعالية من قبل الصناع لهذا الكائن الحيوي الذي هو أساسا مستقبل الأمة»، مؤكدا أنه «آن الأوان للاهتمام بسينما الطفل، بعد أن ثبت عمليا ان التلفزيون محور حياته في عدد كبير من ساعات يومه، حيث أنه يتعلق بالشخصيات بل يقلدها، ونحن نعيش عصر التغيير الذي يجب البدء فيه من خلال تحضير الطفل باعتباره المستقبل، وتقديم مواد فيلمية تحميه وتحمي تطلعاته وتحاكي عقله المملوء بالتساؤلات».

مشاركات

شارك فيلم الكرتون، الإماراتي انتاجاً، «أصيلة»، في الدورة العشرين لمهرجان القاهرة الدولي في فئة سينما الأطفال العام الفائت، وهو فيلم رسوم كرتوني طويل، مدته 93 دقيقة، وقام فيه بالأداء الصوتي مجموعة من الفنانين المصريين، وهم حنان ترك وعلاء مرسي وجمال إسماعيل وغسان مطر وناصر شاهين وأحمد خيري وسمير الليثي، عن قصة وسيناريو فدينا ليديا، وحوار صادق شرشر وعادل معاطي. تدور أحداث الفيلم حول الفرس «أصيلة» التي نشأت وسط حقول خضراء تلعب وتمرح وتفخر بقيادة أقرانها من الخيول الجميلة، غير مهتمة بما سيواجهها في مستقبلها عندما تكبر وتصبح الأجمل والأسرع.

معلومة

تنتج ألمانيا 250 فيلماً سنوياً خاصاً للأطفال، كما تنتج اليابان نحو 500 فيلم، فيما يصل إنتاج روسيا إلى 1000 فيلم سنوياً. وأشارت السيناريست ديانا فارس إلى غياب كتاب سيناريو الأفلام المخصصة للأطفال في سورية.

وبدوره أشار رئيس المركز القومي للسينما خالد عبد الجليلي، الى أن «الحقيقة في العالم العربي أن الصورة التي يعتمدها في الاعلام وفي الأفلام موجهة للكبار فقط»، مضيفاً أن «الأبوية في التفكير طبع اعتاده الوطن العربي، حيث الرسالة يجب أن تصل الى الكبير ليعلمها للصغير، بدءاً من المعلومات اليومية العادية الى الرأي السياسي الذي يتلقاه الطفل دون أن يعطى الفرصة ليكون رأيه الذاتي»، مؤكداً أن «السينما وصناعها جزء من هذا النظام، فهو يغفل الطفل ومتطلباته، لأنه يركز على الأب المعلم الذي سيحكي لطفله ما يجب أن ينقله له، وعلى الطفل أن يوافقه دائما»، مشيراً مرة أخرى الى أن «الفضائيات التي اهتمت ببرامج الأطفال في الوطن العربي والتي أغلبيتها مستوردة من الغرب تشكل للطفل العربي خطرا ثقافيا في تضارب المعلومات، خصوصا انه يقضي ساعات طوال أمام تلك الشاشة الصغيرة ومحروم منها في السينما الا أمام الافلام العالمية»، والنتيجة حسب رأيه «أننا نربي أبناءنا على الثقافة الأجنبية من خلال تعريضهم لتلك المواد المترجمة، فينسلخون بخيالهم تدريجيا عن الواقع الثقافي العربي ويصطدمون بسلطة الأب التي تخالف تماما ما تعلموه من التلفزيون»، مؤكدا «يجب العمل بشكل جدي في الاهتمام أكثر بسينما الأطفال، ودعم كتاب القصص والسيناريوهات على تقديم قصص الأطفال الحقيقية وليس الكرتونية فقط».

عدم ثقة

من جهته، رأى الفنان عمرو واكد أن تراجع صناعة أفلام تحاكي الأطفال «يعود الى شركات الانتاج التي خلقت عدم الثقة بهذه الشريحة»، موضحا أن «النظرة الى الطفل في المجتمعات العربية تقتصر على تلقينه السمع والطاعة للأكبر منه سنا، مع أن الحقيقة ان الاطفال هم مستقبل المجتمع، والفيلم يجب أن يكون جزءا من حياتهم»، مشيرا الى أن «فيلم الكرتون لا يغني عن تناول قصص الأطفال التي تدور في خيالاتهم وفي واقعهم».

في المقابل، حمّل المخرج الموريتاني عبدالرحمن سيساكو المسؤولية للمنتجين ولكتاب السيناريو، وقال: «مصر وهي أم السينما عربيا لم تنتج منذ اكثر من 20 عاماً الا فيلماً واحداً هو (السندباد الأخضر) وهذا يعود الى أزمة الثقة بهذا الكائن الصغير»، ودعا سيساكو الى «التركيز الآن على فيلم الطفل بسبب التغييرات التي تحدث من حولنا، وبسبب الضخ العالمي لأفلام الكرتون وافلام الاطفال التي من شأنها تصدير ثقافات مختلفة كليا عن ثقافتنا».

دراسة

المركز القومي للبحوث في مصر أعد دراسة حول مدى تأثير سينما الأطفال على المتلقي، وبدأها بالتحذير من مخاطر ما تقوم به مطاعم الوجبات السريعة التي تربط بين منتجاتها وشخصيات كرتونية شهيرة، الأمر الذي يدفع الأطفال إلى الارتباط بهذه الوجبات التي تؤدي إلى السمنة، بسبب حبهم الشديد لشخصياتهم المفضلة، مشيراً الى أن الأطفال أعلنوا أنهم يصدقون أن الوجبات التي توضع في علب تحمل صور الشخصيات الكرتونية ألذ طعماً من تلك الموضوعة في علب عادية. من هذه الفكرة أكد الناقد العراقي حسين داوود مدى خطورة تأثير سينما الطفل وشخصياتها في حواس الطفل ورغباته، «فمن خلالها نستطيع أن نمرر أفكاراً وسلوكيات تخص ثقافتنا بدلا من ترك الساحة لأفلام العنف والسلوكيات المبتذلة الهدامة»، وقال: «يجب الاهتمام أكثر بسينما الطفل التي تحكي قصصه الحقيقية بدلا من خلق شخصيات خيالية تزيد في تيهه»، فللأطفال عالم خاص في الخيال تسكنه كائنات خرافية مضحكة أو كلاب تفعل المعجزات مثل الكلبة الأسطورية لاسي، أو فئران ذكية مثل جيري الذي يقهر القط الغبي توم، أو شخصية تان تان الصحافي النشيط الباحث في حل القضايا والألغاز، أو غيرها من الشخصيات التي راحت تسيطر على خيال الطفل في كل مكان .

تويتر