حدائق رام الله.. الأطفال لا يلعبون كأطفال أميركا

أطفال رام الله يلهون دون رعاية رسمية أو معايير سلامة. غيتي

حينما تراقب الأطفال في مدينة رام الله في الضفة الغربية يلعبون ويمرحون في حديقة عامرة بالالعاب ومرافق التسلية في هذا الصيف، لابد أن تتداعى الى ذهنك جملة من الاسئلة حول سلامة اولئك الاطفال وأمنهم، ومدى التصاق شبح الاحتلال الاسرائيلي وممارساته بحياتهم اليومية. ومما لا شك فيه كل منا يحمل في قلبه وعقله حنينا قويا الى أيام الطفولة تؤججه الذكريات.

ويعرف معظم الاطفال متى يغيرون المحطات التلفزيونية، نظرا لمعرفتهم بمواعيد البرامج، ويدردشون مع اصدقائهم الاطفال الاخرين عبر الهاتف، ويقومون بزيارة إحدى المكتبات، وأحيانا يقومون بالطبخ لإعداد وجبة طعام سهلة وسريعة.

وحينما يلعبون طوال النهار حتى ما بعد حلول الليل لا ينسون موعد قرع جرس العشاء.

ومن الطبيعي أن يتذكروا بكثير من الرومانسية والحنين تلك الايام التي ترتبط فيها وجبة العشاء بقرع الجرس، في خضم الاختلاف الكبير لطبيعة الحياة المعاصرة وإيقاعها وتفاصيلها حيث الانترنت وفرن المايكرويف والهواتف الذكية وغيرها من التقنيات والالكترونيات والوسائل التي تجعل الحياة اكثر سهولة، والتي ربما ولدت لدى الاجيال الجديدة من الاطفال حنينا الى طفولة تميزت بكثير من الحرية والانطلاق واللعب.

يقول الصحافي المتخصص في شؤون الاطفال مايكل تشابون، إن «النزعة الفطرية والطبيعية للطفولة قد ولت وانتهت معها ايام المغامرات التي اصبحت من الماضي»، وأصبح الاطفال يتحكمون في معظم الامور الى حد أن طفلا قد ينفي نفسه ويحكم عليها بالعزلة لبضع ساعات في اليوم عن عالم الكبار والبالغين.

وقد ترسخت قضايا سلامة الاطفال وأمنهم وصحتهم، حتى أصبحت جزء اصيلا ومهما في ثقافة المجتمع عن الطفولة، إذ أصبحت ممارسة الاب والاب لدورهما تختلف وتتميز من عام الى آخر من غير الاستغناء عن حكم الجيران والمهتمين بحقوق الانسان وتدخل القانون .

وفي دول كثيرة ومنها الولايات المتحدة لا يغيب الاطفال عن الاشراف المستمر والمتصل من الابوين الى الاسرة والمدرسة ومسؤولي المخيمات الكشفية والرحلات والانشطة المختلفة حتى قوانين بعض الولايات الاميركية تأخذ في الاعتبار عمر الطفل ووزنه لدى الحديث عن سلامة مقاعد الاطفال في السيارات، وتلزم سائقي الدراجات الهوائية باعتمار الخوذة على الرأس وارتداء الملابس والقطع الواقية في اليدين والركبتين والساقين، كما تقوم المدارس بحملات توعية باهمية التمارين والتدريبات وتثقيف أولياء الامور حول ضرورة نصح الابناء وتوعيتهم بشأن عدم مرافقة الغرباء أو تقبل أي شيء أو هدايا منهم أو قبول دعوتهم لمرافقتهم وتحذيرهم من مخاطر ذلك. وفي صيف العام الماضي أمضى بعض مراسلي ومحرري «كريستيان ساينس مونيتور» شهرين في الضفة الغربية وقد اصطحب احدهم ابنه الذي لم يتجاوز الخامسة حيث استأجروا شقة في رام الله تطل على ساحة في حديقة خضراء يتوافد اليها الاطفال في ساعات ما بعد العصر، حيث يميل الجو الى الاعتدال والبرودة التي تزداد مع اقتراب غروب الشمس.

وكان هؤلاء الاولاد يلعبون ويلهون بشكل تلقائي على سجيتهم من غير برنامج محدد، فكانوا يتوافدون إلى بقالة مجاورة لشراء الحلوى والعصائر ويمارسون رياضة الجري بالسكوتر وركوب الدراجات الهوائية، وكانت البنات الصغار يجلسن على الدرج يتحدثن ويضحكن أو يمارسن بعض الالعاب الخفيفة، بعد ان ينتهين من العاب اكثر حركة، كما يشاهدن الاولاد وهم يقومون بمهارات على الدراجات الهوائية وهم يتسلقون غرفا مبنية في أعلى جذوع الاشجار من الخشب والاغصان ومفروشة بالقش والتبن، وكانوا يلهون ويتصرفون بغير قائد أو منظم أو مشرف وكان الشجار يدب بينهم بين حين وآخر من غير أن يكون هناك من يزجرهم أو يطلب منهم خفض صراخهم أو يسترضي طفلا اذا ما بكى من الالم او إذا ما تعرض للمضايقة أو ضربة أو ركلة خلال الشجار، وكان بعض كبار الاطفال يرافقون أي طفل اصغر منهم يتعرض للبكاء أو الالم او الضرب حتى يصل الى بيته، وحينما كان يشتد النزاع كانوا يتراشقون بالحجارة التي تصيب البعض بجروح متوسطة وخطيرة احيانا، وتعم الفوضى ويشعل بعضهم الحرائق التي سرعان ما تصعب السيطرة عليها وتأتي على اشجار الزيتون، وغيرها من الاشجار المثمرة.

وكان هذا الصبي ابن محرر الصحيفة في البداية يمتنع عن المشاركة في الالعاب وما يقوم به هؤلاء الاولاد من أنشطة، لكنه بدأ يكتسب ثقة متزايدة في نفسه شيئا فشيئا تدفعه الى الذهاب الى البقالة وحده، لشراء الايس كريم والحلوى، ثم الى البيت، ثم الصعود لأعلى الشجرة، ليعود الى البيت ومعه قطع معدنية قديمة وأغطية معدنية وبلاستيكية للزجاجات ومسامير وغيرها، وفي ساحة مرصوفة مجاورة للملعب الساحة كانت الامهات يتجاذبن اطراف الحديث بينما يرمي الصبية بعضهم بعضاً بحفنات الرمل.

وفي المقابل في ملعب في واشنطن يقول والد ذلك الطفل «كان ابني ينتظر بفارغ الصبر ابوين من الكبار للانتهاء من تسلق اطار معدني حتى يأخذ دوره، لكنه كان يصاب بالدهشة لأنني ارفض السماح له بذلك، وأقول له ان الطفولة في الضفة الغربية تختلف كثيرا عنها في اميركا ».

فهل هي افضل؟ وهل هي حقيقية وواقعية اكثر؟ لا اعرف، مثل هذه التساؤلات، فلا يحسن الاجابة عنها إلا الخبراء، لكن دعونا نتذكر ان اسس ثقافة الابوة والأمومة ونواميسها وتقاليدها تختلف من بلد الى آخر، ولكن دعونا نتمكن من ممارسة الابوة والامومة عبر الحدود وبين الدول والمناطق، لأن اطفال اليوم ينشؤون في بيئات مفتوحة تعكس فلسفة الانفتاح العالمي، ومبدأ ان العالم اصبح قرية عالمية صغيرة.

تويتر