بقعة جديدة في ثوب مهترئ

عمرو أديب استطاع أن يستوعب الموقف ودافع عن فريق الإعداد. أ.ف.ب

الموقف الذي حدث بين الاعلامي عمرو أديب والشاعر عبدالرحمن يوسف أثناء إحدى حلقات برنامج «القاهرة اليوم»، والذي وقع بعد أن اعترض يوسف على التقرير الذي أذيع في بداية الحلقة لتقديمه، واصفاً إياه بـ«السخيف»، وهاجم معدي البرنامج، قائلاً لمقدمي البرنامج عمرو أديب ومحمد مصطفى شردي «إذا كان المعدون لديهم مشكلة، فأنا على استعداد لتقديم دورات في الإعداد لهم». وأشار إلى أنه تم الاتفاق معه على أن يتم تقديمه بالاعتماد على الموقع الإلكتروني الرسمي له. وانتهى الموقف بانسحاب الشاعر في مشهد يمثل دون شك «بقعة سوداء» جديدة في ثوب الإعلام الذي يبدو أنه لم يعد فيه مكان يخلو من البقع والرقع.

ورغم المآخذ على عمرو أديب وأسلوبه؛ إلا ان موقفه خلال الحلقة كان موفقاً تماماً، وعكس دفاعه عن فريق الإعداد في البرنامج، وتأكيده على الاعتزاز بهم قيمة إيجابية غابت في الوقت نفسه عن الشاعر يوسف الذي وصف نفسه بـ«الإعلامي»، ومنح الحق لنفسه ان يتهجم على «إعلاميين» آخرين على الهواء مباشرة، رغم أنه كان يملك بمنتهى الهدوء أن يبدي رفضه للتقرير، ويفند ما ورد فيه، ويترك للجمهور الحكم على مهنية أو عدم مهنية معدي البرنامج دون إهانات.

بعيداً عن برنامج «القاهرة اليوم»؛ المشكلة الأهم التي يطرحها هذا الموقف هي مدى أحقية الضيف في أي برنامج أو حتى ندوة أو فعالية محددة، في أن يفرض على مضيفيه الالتزام بصيغة معينة يضعها هو للتعريف به. ولماذا تتم مصادرة حق معدي البرامج في جمع المعلومات من مصادر مختلفة، وهو جزء أصيل من العمل الإعلامي، وإذا ما وجد الضيف معلومة غير صحيحة، يمكن أن يصححها، ولكن الاعتماد على معلومات «معلبة» أو تم إعدادها سلفاً والتعامل معها كاختيار واحد لا بديل له سوى رفض الضيف الظهور في البرنامج أو المشاركة في الفعالية، في هذه الحالة تتحول برامجنا إلى جلسات لتلميع الضيوف، كما نجح أسلوب العلاقات العامة والبيانات الصحافية المعدة سلفاً من قبل المصدر في مسخ جزء من صحفنا ومواقعنا الاخبارية، وتحولت إلى نشرات لا طعم لها ولا لون، وفقدت تميزها واختلافها. والأسوأ في هذا الاسلوب هو انه نجح بالفعل في الترويج لأحداث وفعاليات وأشخاص بما يخالف أحجامهم الحقيقية، ومنحهم أهمية لا يستحقونها، حتى بات البعض يمتلك سيرة ذاتية متخمة بالأخبار عن إنجازاته، والفعاليات التي حل عليها ضيفا، وتلك التي احتفت به، دون أن يكون له رصيد حقيقي يستند إليه، فقط مجموعة من البيانات الصحافية الجاهزة.

في المقابل، تناقلت وسائل الاعلام خبراً عن مراسل صحافي سابق من أصول فلبينية عمل في صحيفة «واشنطن بوست» وحاز جائزة «بوليتزر» للصحافة تقديراً لتغطيته عملية إطلاق نار في جامعة «فرجينيا تك» في ،2007 قام بنشر مقال اعترف فيه بأنه يقيم في الولايات المتحدة منذ 20 عاماً مهاجراً غير شرعي. وروى خوسيه انطونيو فارغاس (30 عاماً) في مقال نشرته مجلة «نيويورك تايمز»، كيف وصل الى الولايات المتحدة عندما كان في الثانية عشرة من عمره، وخلال 14 عاماً، استطاع الحصول على اجازة من الجامعة، والعمل صحافياً حاور شخصيات شهيرة في اميركا، وبذلك تمكن من بناء حياة مثالية لنفسه ظاهريا. وأضاف «لكنني مازلت من دون أوراق قانونية. وهذا يعني انني أعيش حياة مختلفة، أي أنك تعيش مع الخوف من ان يفتضح أمرك. هذا يعني عدم الثقة بأي كان».

قد يرى كثيرون ان هذا الخبر بعيد عن عالمنا العربي، ولكن بقليل من التأمل نجد ان هناك ارتباطاً ما لهذا الخبر مع واقعنا الحالي، فبينما يقاتل كثيرون في البلاد العربية لتبني مواقف لا يؤمنون بها، ولا يملون من التلون والتحول وفقاً للتيار السائد، اعتماداً على رهان خاسر بأن ذاكرة الجمهور ضعيفة، وكلما مر الوقت، أدمن هؤلاء التحول وحالاته، وتناسوا حقيقتهم حتى نسوها أو خيل لهم ذلك. على الجهة الأخرى نجد هذا الشاب يضحي بكل ما حققه من نجاح في سبيل الحصول على الراحة النفسية والسلام، مدركاً ان الحياة التي تقوم على أسس وهمية مهما بدت متماسكة وبراقة، لابد من يوم تتكشف فيه الأكاذيب وتسقط هذه الحياة سقوطاً مدوياً.

تويتر