معرض مشترك في قاعة «سلوى زيدان» في أبوظبي
أعمال نحتية تعيد ترتـــيب المكان
أن يكسر الفراغ؛ ويملأ المكان ويعيد ترتيبه من جديد؛ هذا ما يجب أن يكون عليه العمل النحتي، حتى في أصغر أحجامه، وهي الفلسفة التي قام عليها معرض «فن في المكان» الذي افتتح مساء أول من أمس في قاعة سلوى زيدان، وهو الأول من نوعه فيها، حيث يسعى المعرض الى تجسيد وإبراز العلاقة بين الكتلة والفراغ كعنصر اساسي ضمن جماليات فن النحت، ومكون رئيس للمعادلة التي يقوم عليها.
«أرى أن المنحوتات المعاصرة، بما فيها من جمال، وما لها من حضور، قادرة على تغيير أي مكان، وهي تتيح رؤية ثلاثية الأبعاد للمُشاهد وتطلق العنان لفكره وخياله، مهما كانت المادة التي صنعت منها، رخاماً أو فولاذاً أو ستانلس ستيل غير قابل للصدأ أو غرانيت»، هكذا عبرت مديرة الغاليري سلوى زيدان، وإحدى الفنانات المشاركات في المعرض، مشيرة إلى ان التأثير الجمالي للعمل النحتي لا يرتبط بالحجم، «فحتى أصغر المنحوتات حجما يمكنها ان تضفي على المكان قيمة جمالية وفنية».
|
مشاركون اشتمل المعرض الذي يستمر حتى نهاية أغسطس المقبل أعمالا نحتية لمجموعة من الفنانين، هم سلوى زيدان من لبنان، وبيلي لي من المملكة المتحدة، وكارولين رامرسدورفر من النمسا، وجورجي فيلين من بلغاريا، وهوانغ سيونغ وو من كوريا، وجوني وانج من اليابان، وجوني فان ألستين. |
في ضوء هذا الرأي؛ جاءت مشاركة زيدان في المعرض الذي ضم مجموعة من الفنانين من دول مختلفة ولكن جمعت بينهم مشاركتهم في «سمبوزيم أبوظبي الدولي» العام الماضي. فالاعمال الستة التي قدمتها في المعرض، يمكن ان تصنف ببساطة تحت خانة «السهل الممتنع»، فتلك التكوينات الفنية المصنوعة من الرخام الأسود الصلب، تمنح المتلقي شعورا بألفة ورشاقة لافتة بتصميمها الذي ابتعد عن الزوايا الحادة مفضلا تكوين التفافات مرنة تشبه حرف الهاء حيناً، أو تصنع دوائر متداخلة في حين آخر، لكن ما ان يتنبه العقل إلى ان التكوين الذي أمامه هو حجر من أكثر الأحجار صلابة، لابد ان يتوقف كثيرا أمام الصعوبة البالغة التي يتطلبها تنفيذ العمل. صغر حجم المنحوتة؛ واختيار اللون الاسود، يأتي هنا امتدادا للتوجه الذي تتخذه سلوى زيدان في أعمالها الفنية في المرحلة الحالية، والتي اتجهت فيها لاستخدام الحبر الصيني في رسوماتها، لما يمتلكه من قدرة على التعبير عن الشحنة الشعورية التي يمتلكها الفنان، متيحا له الامساك بعفوية اللحظة، بينما تعود سيطرة اللون الأسود على أعمالها إلى شعور الفنانة بأنه الأقدر على التعبير عنها. على مستوى آخر جاءت تكوينات المنحوتات متسقة مع حالة روحية اتسمت بها أعمال زيدان الأخيرة في مجال الرسم، حيث اعتمدت فيها على البساطة في استخدام اللون والحركة أيضاً، بحيث تقتصر على لون أو لونين، وحركة فرشاة واحدة أو اثنتين في اللوحة التي باتت تتمتع بفضاء أكثر اتساعاً ونقاء، وهو ما ينعكس ليس فقط عليها كفنانة، ولكن أيضاً على المتلقي الذي تصبح لديه مساحة اكبر للوجود في فضاء اللوحة والتأمل فيها، على عكس الأعمال المزدحمة بما تتضمنه من ألوان ورسوم يتوه فيها المتلقي. الأمر نفسه يمكن بسهولة للمتلقي تلمسه في تلك المنحوتات التي تتآلف مع فضاء المكان باعثة على التأمل والسؤال.
ومن الأعمال اللافتة في المعرض عمل للفنان البلغاري جورجي فيلين تكون من ثلاث منحوتات من المرمر الأبيض، تتكامل معاً لترسم تكوينا أنثويا بذيل سمكة في تجسيد لعروس البحر، ذلك الكائن الأسطوري الذي طالما كان محورا للعديد من الأعمال الفنية، التي راحت تتبع مغامرات المرأة السمكة وهي تجوب البحار بحثا عن الحرية والسعادة.
بينما اقتصرت مشاركة الفنان جوني فان أليستين على عمل واحد استمده أيضا من عالم الأساطير، منتقيا أسطورة سيزيف وصخرته التي لم ينجح حتى يومنا هذا في الوصول بها إلى قمة الجبل، ليصبح أسطورة المعاناة والصبر على التحدي. التحدي أيضا بدا واضحا في عمل أليستين «صخرة سيزيف»، وما اتسم به من حرفية عالية في تحقيق معادلة الكتلة والفراغ والتوازن وفق حسابات دقيقة منحت العمل قيمة إضافية.
جمال بطابع آخر؛ حملته أعمال الفنان الياباني جوني وانج التي مالت إلى كبر الحجم قليلا مقارنة بالاعمال الأخرى، كما تميزت باتجاهها لتوظيف العنصر البشري الذي شكل عنصراً رئيسا للاعمال التسعة التي قدمها الفنان، ليقدم الفنان تكوينات جمالية فريدة تحتضن بين طياتها قصصا ومشاعر وحالات انسانية متعددة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news