أقلع عن التدخين بعد 35 عاماً من الإدمان

الخرخور: أعتذر إلى من آذيته يوماً بدخان سجائري

أحمد الخرخور: فطمت نفسي عن التدخين. من المصدر

قضى أحمد حسن الخرخور (35 عاماً) من عمره وهو يطفئ سيجارة ويشعل غيرها، وقبل أن ينقضي اليوم يكون قد أفرغ في جوفه دخان 40 سجارة، وبهذا الانجاز السيئ تم تصنيفه واحداً من مدمني التدخين في المجتمع، ولكن على الرغم من ذلك، فقد تمكن بجدارة من الإقلاع عن تلك العادة المنبوذة، معتبراً أن ما قام به كان القرار الأهم في مسيرة حياته، لذلك عندما عقد العزم على التخلي عن التدخين أمسك بعلبة السجائر الأخيرة وداسها تحت رجله، كما لو كان يريد الانتقام من السجائر، كما ان الخرخور لم يكتف بذلك، بل جنّد نفسه أيضاً ليكون محارباً للتدخين في المجتمع، مستعيناً على ذلك بخبرته الطويلة المشحونة بالمآسي.

 

وقال الخرخور الذي قدم من خلال «الإمارات اليوم» اعتذاره الشديد لكل من تسبب يوماً في إيذائه بدخان سجائره «بالنسبة لي فإن عادة التدخين كانت أسوأ محطة في سيرة حياتي، وللأسف فقد ابتليت بها مبكراً أي أنها أخذت الكثير من سنوات شبابي، لذلك شعرت بندم مفرط، لكن بعد فوات الأوان». ويعترف الخرخور وهو مدير مدرسة متقاعد بأنه «في وقت ما شعرت بضعف أمام تلك العادة الكريهة، لكنني حين وجدت نفسي أمام خيارين إما الاستسلام للسجائر أو النجاة بصحتي من موت مؤكد عاجلاً أو آجلاً، رفضت الاستسلام للسجائر».

وتابع «بما أن الصحة نعمة عظيمة من الله فإنه ينبغي على المرء أن يكافح من أجلها، ولهذا السبب خضت ما يستحق ان نسميه نضالاً مريرا ضد التدخين».

السيجارة الأولى

عن تفاصيل تلك التجربة المؤلمة يقول الخرخور إن السجارة الأولى في حياته أشعلها عندما كان شاباً يافعاً على مقاعد الدراسة وتحديدا في عام ،1972 وقد كان مدفوعا حينها بحب الاستطلاع، والتشبه بالكبار، ولأنه لم يجد أمامه من ينصحه أو يحذره من التدخين، فقد مضى يتعاطاه بصورة منتظمة، بل وجد في أحد أصدقائه رفيقاً له في التدخين، وفي غضون فترة لا تزيد على الاسبوعين تقريباً بات التدخين عادة ملازمة له، ويمارسها بشراهة ومن دون انقطاع .

وبحسب الخرخور نفسه، فإن الاعتقاد الذي كان سائداً لدى الكثيرين آنذاك ان التدخين مجرد ممارسة تكسب المرء صفات الرجولة، بينما كانت فئة من الطلاب تنظر إليه على انه سبيل لشغل الفراغ الناجم عن خلو المجتمع آنذاك من مبهاج الحياة ووسائل الترفيه، فضلاً عن أن الأندية كانت محدودة وخالية من البرامج والأنشطة الترويحية، وما زاد الطين بلة الاعتقاد الخاطى لدى بعض الطلاب بأن التدخين يحفز على الاستذكار والاستيعاب بصورة أفضل، علماً بان الواقع كان يكذب ذلك تماماً، والدليل هو ان الطلاب المتميزين اكاديمياً هم من نأوا بأنفسهم عن التدخين.

فقر وإدمان

يتذكر الخرخور بحسرة «مع بداية قيام الدولة لم تكن الحالة المادية للسواد الأعظم من الأسر في مجتمعنا على مايرام، لذلك لم يكن المصروف المدرسي متاحا لكثير من الطلاب، وأنا منهم، ومن أجل التدخين كنت وصديقي نتدبر الطريقة التي تساعدنا على ممارسة التدخين، وهي في الغالب الأعم تقوم على التعاون لشراء السجارة ومن ثم تقاسم دخانها، لكن بعدما أحكم النوكتين سيطرته علينا تضاعفت جرعات التدخين، ومن ثم بات لزاماً على كل واحد منا ان يوفر لنفسه سيجارة خاصة به، وبسبب ذلك كنت أتخلى - في كثير من الأوقات - عن أشياء كثيرة مهمة من أجل توفير ما يساعدني على شراء السجائر».

ومن المفارقات الغريبة أن الخرخور الذي قضى قسطاً وافراً من عمره صديقا حميما للتدخين لم يعبأ قط بالنظر الى عبارة التنبيه التي درجت الشركات المُصنعة على كتابتها على علب السجائر والتي تقول «التدخين يضر بصحتك»، ويقول: «في تصوري فأنا لم أكن الشخص الوحيد الذي يتجاهل تلك النصيحة غير المقنعة التي هي أشبه بحال من يطعم الناس سما ثم يطلب منهم الحذر».

وقبل أن يحطم الخرخور جدار الادمان الذي بناه من دخان السجائر، حاول مرات ومرات الاقلاع عنه، لكن في كل مرة كانت محاولاته تبوء بالفشل الذريع، ففي المرة الأولى توقف عن ممارسة التدخين لمدة 15 يوماً، لكنه عاد اليه أكثر شراهة، ثم كرر التجربة ثانية لمدة استمرت شهراً ونصف الشهر، بيد انه لم يصبرعلى فراق التدخين أكثر من ذلك.

ويقول: «بالنسبة لي فإن الأمر المؤسف حقاً هو ملازمة الفشل لكل محاولات الاقلاع عن التدخين التي قمت بها، لذلك لا غرو ان تنتابني حالة من الاحباط والمرارة النفسية، لأن من شأن الاستمرار في تعاطي السجائر السقوط في وحل التهلكة الصحية، ويكفيني شراً انه نتيجة للتدخين فقد خسر جسمي أربعة شرايين دفعة واحدة لذلك انتابني الرعب».

طريق العلاج

يستطرد الخرخور «بيد أن المحاولة الأخيرة التي كانت بمثابة القشة التي تعلقت بها، جاءت من حيث لا أحتسب، فأثناء قيامي بسحب سيجارة من العلبة وقع نظري على خبر في صحيفة يومية كانت معي يفيد بافتتاح المنطقة الطبية لعيادة تخصصية لمكافحة التدخين بمقر المستشفى الكويتي برأس الخيمة، وقبل الانتهاء من قراءة الخبر أعدت السيجارة الى العلبة ثم نهضت من مجلسي على عجل وتوجهت بسيارتي الى حيث توجد العيادة، وعند دخولي إليها وجدت طبيباً في استقبالي، وخلال جلسة لم تستمر طويلا، شرحت له كل متاعبي مع التدخين إضافة لمحاولاتي الفاشلة للاقلاع عنه، ثم من بعد ذلك أجبته بصراحة متناهية عن كل الأسئلة التي كان يبحث عن اجابة لها، وعندما هممت بالمغادرة زودني بالعديد من النصائح والمطبوعات الخاصة بالتدخين والطرق التي يمكن ان تساعد على الاقلاع عنه، كما منحني لصقة النيكوتين مجانا لاستخدامها بديل عن السجائر».

ويعترف الخرخور بأنه لم يكن على قناعة بأن العيادة يمكن أن تقدم له المساعدة التي يطمح اليها، في مواجهة التدخين، وقال في هذا الصدد «لدى مغادرتي العيادة حدث شيء مثير، فقد لاحظت طفلاً رضيعاً تحمله أمه، وفجأة خطرت لي مقارنة غريبة بين الاقلاع عن التدخين وفطام الطفل الرضيع، فقلت في نفسي إذا كان مثل هذا الطفل الرضيع الذي لا حول له ولا قوة يستطيع تحمل مصاعب الفطام، فلماذا أكون أنا الرجل الكبير عاجزاً عن فطام نفسي من عادة التدخين سيئة السمعة؟ حينها مددت يدي الى علبة السجائر التي كانت معي، ثم وضعتها تحت قدمي، ودست عليها بعنف حتى تأكدت من أن جميع ما فيها قد تحطم تماماً، وركبت سيارتي عائداً الى حيث جئت. ولأنه في جعبتي بعض تجارب الاقلاع السابقة الفاشلة فقد كانت المخاوف تنتابني بين الفينة والاخرى من تكرارها، لكني كنت أكثر اصراراً هذه المرة، لذلك نجحت في إطفاء السجائر الى الأبد».

تويتر