ميسي «سوبر مان» وفيا «آيرون مان»

كأس العالم.. فيلم من 62 مباراة

انتهى كأس العالم وأودعت تلك الكأس الذهبية في أحضان الإسبان للمرة الأولى في التاريخ، وسرعان ما ظهرت نجمة على قمصان الفريق الإسباني، في إشارة إلى نيلهم الكأس مرة واحدة.

مع هذه النهاية تكون قد أسدل الستار على «الشو» الأكبر في العالم، ولعل ما سيستوقفنا هنا سيكون بصرياً بحتاً بعيداً عن أي تحليل رياضي نتركه لأصحاب الاختصاص، وفي تتبع لما يمكن أن تحدثه كرة القدم في هذا العالم المترامي، ومعها قدرتها المدهشة على تطويع أي جديد فيه وعلى الأصعدة كافة، تقنياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ولعل الحديث الآن عن النجاح الكبير الذي حققته جنوب إفريقيا في تنظيمها سيكون أول الدواعي السياسية والاجتماعية، وفي استعادة ربما لما قام به نيلسون مانديلا عام 1995 لدى اصراره على استضافة بلاده لبطولة العالم للركبي، واعتباره هذه البطولة معبراً نحو توحيد شعبه، والتخلص من كومة هائلة من المشكلات التي تعصف به من كل جانب، ولعل هذا ما رأيناه في فيلم كلينت ايستوود «اينفكتوس» أو (لا يقهر)، ونحن نرى في لعبة النهائي بين هولندا وإسبانيا الممثل مورغان فريمان على المدرجات يتابع تلك اللعبة، فريمان الذي جسد شخصية مانديلا في فيلم ايستوود، ومانديلا الذي شهد حفل الختام وعاد ليتابع المباراة في بيته هذه المرة لأسباب صحية.

ولعل الرئيس الحالي لجنوب إفريقيا جاكوب زوما سيجد في نجاح بلاده في تنظيم هذا المونديال فرصة كبرى للتأكيد على أن بلاده في مسارها الصحيح بما يعزز الثقة باللحمة المنتزعة بعد صراع عرقي مديد، وبلد كان مفصلاً على مقاس الغزاة البيض، فأصبح يؤمن بالتعددية بعد نضال مرير.

لا أحد ينافس نجوم السينما مثلما يفعل نجوم كرة القدم، ولعل متابعة نجوم السينما للمنافسات لن يشغل الجمهور بهم، فالأعين شاخصة ومثبتة باتجاه ميسي وكاكا وأوزيل، والحديث كل الحديث عن روبن وشنايدر، والاحتفاء والكاميرات والتهليل لفيا وراموس، وفي تتبع أيضاً لإملاءات هؤلاء، والقدرات الإعلانية والترويجية التي يتمتعون بها عبر فرضهم كمقررين لمناح حياتية مع حضور قصات الشعر وحياتهم الخاصة ومغامراتهم العاطفية، ما يحبون وما يكرهون، وبالتأكيد تسيدهم الإعلانات والتي تشكل مقرراً يومياً في حياة البشر بطموح أبدي لدى الشركات العابرة للقارات بأن يكونوا مستهلكين مجرد مستهلكين.

«بيبسي» الآن هي شراب كاكا وهنري وآخرين، بينما سيكون غذاء ميسي من «الجانك فوود» الخالص، النقيض التام لكل نظام غذائي صحي أو رياضي، فهو يمنحنا كرة ذهبية موقعة من قبله إن التهمنا الكثير مما يتيح إمكانية تربية الكروش وعدم التمكن من تحريك أي كرة.

ملايين أنفقت، ومليارات تم جنيها في هذا الشهر المدجج بكل أنواع العروض والمتع والتسالي، ولا شي يمكن له أن يستحضر هذا الكم من المتعة مثلما تفعل كرة القدم، إنها لذة مفتوحة بمساحة ملعب أخضر، وعلى صعيد سينمائي فإنها مليئة بالدراما، وأثناء اللعب يمكن أن تحضر كل المعاني الإنسانية، أولها الربح والخسارة، فكم يسعى كل ما يشاهدها وعلى صعيد حياتي أن يكسب، أن تكون حياته رابحة، كما ستحضر البطولة، سيكون ميسي سوبر مان، وفيا المخلص آيرون مان، والخصم هو العدو الذي يجب أن تدق عنقه بالكثير من الأهداف.

ستتبدى مشاعر كثيرة أخرى، الوطنية، لا بل القومية، والعرب كانوا متحلقين حول فريق الجزائر، ولتكون الخيبة كما تعودنا دائماً ماركة عربية مسجلة لا ينازعنا أحد عليها، هذا إضافة للأخلاق، هناك لاعب شرير، وآخر خيّر حسب تصنيفاتنا الخاضعة لأهوائنا كما في فيلم، هذا نحبه وذاك نكرهه، هذا مخادع لمس الكرة بيده، ثم يأتي الحكم الذي سيكون بمثابة حقل ألغام يصفر بدل أن ينفجر، والفيلم تواصل على مدى 62 جزءاً أو مباراة)، وكلما اقترابنا من النهاية كلما تصاعدت الإثارة، وصولاً إلى النهاية التي لا يمكن توقعها، أو نتوقعها وكلنا خوف ألا تكون صائبة.

كل ما تقدم ترافق هذا العام بما يزيد من تعزيزه، فعلى صعيد النقل التلفزيوني شهدنا قفزة هائلة في التصوير والإخراج، الكاميرات منتشرة في كل مكان، لا بل كنا نشاهد الهدف من كل الزوايا الممكنة، وبما يشفي الغليل تماماً، وبالتأكيد كل ذلك متأت من استثمار أكبر في هذه اللعبة، وقدرتها العجيبة على جعلها مربط خيل الشركات الرأسمالية، لا بل قدرتها المتلونة أن تكون ابنا لكل أنواع الأنظمة، الكل يريد أن يكون حاضراً في هذه البؤرة التي تتحد فيها أنظار العالم.

كل شيء وارد في كرة القدم، إنها الأعجوبة البشرية الكبرى حقيقة، وما من شيء يدفع للاستغراب في ذلك، لا بل الأمر في تزايد، خصوصاً حين نعلم بأن المونديال المقبل سيكون في البرازيل، إنها لعبة تجتمع فيها أقصى درجات المتعة والترفيه، وصالحة لخدمة الأسواق والسلع، والقيم التي تحكم هذا العصر لا تتجاوز الترفيه والاستهلاك، ترفيه يوضع في خدمة السلعة والاستهلاك فينمو ويزدهر.

تويتر