6 لبنانيين وفــــلسطيني في «غرين آرت» دبي
«الاتــصال بالسماوات»..محرمات وحرب
يحمل معرض «الاتصال بالسماوات»، الذي يضم مجموعة من الفنانين الشباب، أنماطا فنية مختلفة من الفن المعاصر، إذ تطرح الأعمال أفكارا متباينة، يميل بعضها إلى الجمال الفني التجريدي، فيما تميل أخرى إلى رسم الأشخاص، أو حتى طرح مشكلات موجودة في المجتمع.
|
كولاج تصويري كانت أعمال الفنانة اللبنانية شذا شرف الدين، مختلفة عن بقية الأعمال الموجودة في المعرض، فأعمالها تقوم على الكولاج التصويري، فهي تحاول أن تجمع صورا «مع مشاهد تركبها من الخارج لتبني العمل بكليته، وقد حاولت شرف الدين من خلال أعمالها أن تلقي بالضوء على حقبة الحكم المنغولي، آخذة منمنمات كانت معروفة لدى الفارسيين بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، ومعتمدة على الجمع لتبتكر مخلوقات غريبة في لوحاتها، هي مخلوقات بوجوه بشرية وأجساد أحصنة تجسد القوة والحكمة. |
وعلى الرغم من أن عنوان المعرض الذي افتتح أخيرا في غرين آرت غاليري في دبي، هو «الاتصال بالسماوات»، إلا أن أثر الحياة كان واضحا في كثير من الأعمال، حيث أبرزت وجه المــعاناة التي لا تتلخص بمشهد من مشــاهد الحرب أو بضربة قذيفة، وإنما تتعدى ذلك لتصل للمـــحرمات في المجتمع. ويقدم المعرض 28 عملا لمجموعة من الفنانين الشباب من لبنان وهم أيمن بعلبكي، وأسامة بعلبكي، وتغريد درغوث، وشوقي يوسف ورفيق مجذوب، وشذا شرف الدين وعبدالرحمن كتناني من فلسطين.
يبرز أيمن بعلبكي مشاهد الحرب التي عاشها في لوحة، تختصر عبر طوابق المبنى المثقل بدمار الحرب الأهلية، معاناة أشخاص وأناس التاعوا من مرارة التهجير، وربما لأنه هو نفسه قد عاش التجربة بانتقاله من الجنوب إلى بيروت أثناء الحرب الأهلية، تمكن من تمرير هذه المشاعر لألوانه التي كانت قاتمة غالبا، ولا يعتمد بعلبكي على التصوير المباشر في اللوحة، بل يلجأ للرمزية في تركيب العمل الفني، فألوانه غير مشتتة، تحمل بصدق معاناة سكنت هذا المبنى الشاهق والذي ما زال قائما على الخراب.
في المقابل، يبرز الفنان أسامة بعلبكي الحرب بأسلوب أكثر مباشرة، وقدم في المعرض ثلاثة أعمال، حرص في أحدها على تقديم صورة المقاتل الذي يجلس بالقرب من مدفعيته، ويضيء بألوانه الاكريليكية الصفراء الجزء الأعلى من اللوحة التي بدت قاتمة الألوان، وبالتالي لا نعرف إن كان ما نراه كان قذيفة رماها الجندي، أم هي آتية إليه، أم أنها قد تكون مجرد مفرقعات تزين السماء.
وقدم بعلبكي أيضا لوحتين من نوع آخر، حيث صور المحارب الذي ينام في فراشه وكأنه ينتظر الموت كي يسكنه في صمت أبدي، فيما ومع قتامة الرمادي الذي خطط به جسد المحارب نفسه في لوحة ثانية، أتت الفراشة الصفراء على خاصرة الرجل، لتكسر جمود اللون الرمادي في هذه اللوحة، ولتصبح الفراشة الصغيرة المحرك الأساسي بها.
أما أعمال الفنان شوقي يوسف، فقد تميزت بكسرها المحرمات، فكانت تتأرجح بين الغائب والحاضر، فحين تنظر إلى إحدى لوحاته ترى دخان السيجارة التي تحملها امرأة، ولكنك عبثا تبحث عن هذه المرأة، وكأنها تركت الفوضى في المكان وذهبت، كما يبدو المكان لديه معقدا وكأنه أمكنة عدة ممزوجة مع بعضها بعضا، الأمر الذي يؤكد تعلق الفنان بالمكان كحيثية أساسية في الفن. وقد بدت لوحات شوقي ومجموعها سبع، والتي قدمها بألوانه الاكريليكية والحبر والفحم، وكأنها إعادة بناء للإنسان، فهو يرسم أجزاء من الوجه في لوحة، فيما يحرص في أخرى على رسم العيون والأنف، وفي ثالثة على إبراز اليدين أو القدمين بغير حجمهما الطبيعي. وقد تطرق في بعض لوحاته المرسومة على الورق، إلى موضوعات تتعلق بحياتنا الواقعية، فأبرز انطباعات خاصة جسدت التسوق والحكم غير العادل. بينما في المقابل عمد رفيق مجذوب بلوحته الوحيدة إلى مخاطبة الحواس، فالوجه القاتم والمحدد الزوايا لا يعكس الفرح إطلاقا، بل على العكس يحاول من خلال التغيير في الأشكال أن يثبت عدم كمال البشر مهما تقدموا في حياتهم. أما عبدالرحمن كتناني الفلسطيني، الذي نشأ في مخيم صبرا وشاتيلا في لبنان، فقد تمكن من خلال العمل الوحيد الذي شارك فيه، والذي استخدم فيه أكثر من مادة بتوليف «الكولاج»، من إبراز حنينه إلى فلسطين عبر الأقمشة التي استخدمها، وكذلك في تصويره الفرح والأمل من جهة والضياع والحزن واليأس من جهة أخرى.
ويعتمد كتناني على المواد التي تعتبر بقايا ما يستخدم من أمور في الحياة اليومية، كأغطية قوارير المشروبات الغازية، أو التنك الذي يقصه من أبواب المحال الحديدية والمعروفة باسم «ألواح الزينكو»، والتي يقصها على شكل أشخاص يحتلون صدارة العمل الفني لديه.
ولا تتوقف جماليات المعرض الذي يستمر حتى 15 يونيو المقبل عند هذا الحد، بل تأخذنا الفنانة تغريد درغوث إلى مشكلة العصر وهي الجمال والتجميل، فهي تطرح في مجموعة من اللوحات الاكريليكية، أثر الجراحات التجميلية في النفوس وكيف بات الجمال هو المطلب الرئيس من المرآة التي تعكس وجوهنا. وبينت كيف يسيطر هذا المفهوم على الرجال والنساء، فيما اكتفت بالإشارة إلى أبرز جراحات التجميل رواجا من خلال اللصقات التي وضعت على معظم الأنوف في لوحاتها الاكريليكية، ولاسيما في المجموعة التي حملت عنوان المرآة. وقد ركزت درغوث أيضا على إبراز مشكلة أكبر من التجميل في مجتمعاتنا الشرقية وهي مشكلة تربية الخادمة للأولاد حيث بينت في لوحة طفلا صغيرا تحمله خادمة وتعتني به كأنها أمه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news