«رجال الغوص واللؤلؤ».. أصدقاء البحر
بن ثالث: تراثنا البحري جزء من تاريخ الإمارات والمنطقة. من المصدر
مسترجعة زمناً جميلاً امتزج فيه عرق البحَارة بدموع المحار، فأنتجا لآلئ تزدان بها الجميلات، تأخذ موسوعة «رجال الغوص واللؤلؤ» قارئها في رحلة برية ـ بحرية، وتعرفه برجال صادقوا الماء، وغاصوا في قيعان الخليج بحثاً عن مصدر رزقهم، وتخلد أسماء نواخذة تنقلوا بسفنهم الشراعية البسيطة في أرجاء البحر، وخبروا جغرافيته، مستدلين بالشمس والنجوم دونما بوصلات أو آلات متقدمة، وعرفوه كأنه بيتهم الذي ولدوا فيه. وتحاول الموسوعة الصادرة أخيراً عن هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، بمناسبة اليوم الوطني الـ 38 للإمارات، إحياء صفحات من إرث متميز، تجلى فيه صراع من نوع خاص بين الإنسان والمكان، من أجل العيش في بيئة كانت مختلفة تماماً عما صارت عليه الآن.
ويقول معد «رجال الغوص واللؤلؤ» جمعة خليفة بن ثالث الحميري ل«الإمارات اليوم» أن الموسوعة تعد حلقة في سلسلة عن التراث البحري يسعى إلى إنجازها، ويضيف «غاية الكتاب عرض فصول مشرقة من التراث الإماراتي أمام (عيالنا)، وتوصيل رسائل من جيل مكافح، لحقنا نحن آخره، إلى أبنائنا الذين لم يروا ماضي أجدادهم، ولم يعرفوا كثيراً من تفاصيل حياتهم الثرية بالجهد والعرق». وأوضح أن الحفاظ على الهوية الوطنية بربط الماضي بالحاضر وتسليط الضوء على التراث الإماراتي هو قضية الكتاب المحورية.
جهد
ويرى الحميري أن رحلات الغوص تعد جزءاً من تاريخ الإمارات والمنطقة، «أبطاله النواخذة والغواصون، ومن علمهم البحر الصبر والقدرة على التحمل، حتى إنهم كانوا يعيشون على التمر والماء فترات طويلة، ويواجهون الموت أكثر من مرة خلال رحلاتهم».
وأفاد بأن الإعداد للموسوعة استغرق منه جهداً على مدار نحو أربع سنوات، سواء في جمع المادة والمعلومات والصور التي تطلبت جهداً خاصاً، أو أخذ شهادات من رجال عاصروا تلك الفترة التي ازدهرت فيها رحلات الغوص والبحث عن اللؤلؤ، وقام برحلات عدة إلى دول خليجية لجمع أكبر كم من المعلومات عن رجال الغوص واللؤلؤ في المنطقة، خصوصاً في الإمارات، واستعان بمراجع متخصصة ومراكز أبحاث داخل الدولة وخارجها.
ويشير جمعة بن ثالث الحميري إلى أن الموسوعة تعتبر نتاج تعاون مع هيئة المعرفة والتنمية البشرية في حكومة دبي، ويوضح أنه «لولا تحمس الإخوة في الهيئة لما رأت الموسوعة النور، ولما خرجت بهذا الشكل»، لافتاً إلى أن الموسوعة تعد المشروع الثاني له مع الهيئة، فقد سبقها معجم المصطلحات البحرية الذي صدر منذ فترة.
مناهج
وجديد بن ثالث الحميري هو تجهيز مادة لكتاب عن صناعة السفن الخشبية في الإمارات، وإعداد الجزء الثاني من معجم المصطلحات البحرية. وهو يدعو إلى التوسع في تدريس التراث البحري ضمن المناهج والمساقات الدراسية، ليس في المدارس فحسب، بل في الجامعات والمعاهد أيضا، متمنياً سرعة إنشاء متحف خاص يضم كل ما يتعلق بالتراث البحري، يعمل على ربط الأجيال الجديدة بجوانب مهمة من ماضيهم.
واستهل بن ثالث موسوعة «رجال الغوص واللؤلؤ» ( 295 صفحة من القطع الكبير) بعرض بعض أسماء نواخذة الغوص والسفر في كل إمارة على حدة، وأسماء الغواصين، والنهامين والسيوب، وملوك اللؤلؤ وممولي سفن الغوص، ملقياً الضوء على حياة بعض ملاك السفن تحديداً في إمارة عجمان، والتي ذكر أسماء أشهر طواويشها (تجار اللؤلؤ ومثمنوه) وأصحاب التشاشيل (سفينة لنقل الماء والأكل لسفن الغوص). ويستفيض في عرض عملية فرز اللؤلؤ وكيفية تسعيره من قبل الطواشين، مستعرضاً أسماء أشهرهم في الإمارات.
وتضم الموسوعة أبواباً خاصة عن مذكرات عن أيام السفر البحري، والملاحة والرياح المحلية وأمراض الغوص وأخطاره وأشعار الغوص والأمثال الشعبية البحرية، وغيرها من الأبواب.
سيرة
من قصص أب غواص وأخ صياد، وتَفَتحِ عينيه على زرقة بحر جميرا في دبي، بدأت حكاية جمعة بن ثالث الحميري مع كنوز التراث، خصوصاً ما يتعلق بالغوص واللؤلؤ. ويجمع بن ثالث بين البحث النظري والجانب العملي، إذ يمارس الغوص منذ أكثر من 18 عاماً، وحصل على شهادة غواص منقذ، ومصور محترف تحت الماء. ويشغل منصب مدير المشروعات التراثية في جمعية الامارات للغوص، وصدر له إلى جانب موسوعة رجال الغوص واللؤلؤ:
الغوص واللؤلؤ في دولة الإمارات العربية المتحدة .2006
خارطة مغاصات اللؤلؤ في الإمارات .2006
معجم المصطلحات البحرية في الإمارات .2009
أخلاق نوخذة
ينقل جمعة بن ثالث الحميري في موسوعة «رجال الغوص واللؤلؤ» مذكرات عن أيام السفر البحري، تبدأ بمشاهد من حياة خليفة بن محمد الفقاعي الذي ركب البحر وعمره لم يتجاوز الثامنة، والذي يقول عن إحدى رحلاته «توجهت بشحنة تمور من العراق إلى زنجبار، وكان معي في السفرة راشد بن جروان، وهو من نواخذة الشارقة المعروفين، ووصلنا إلى زنجبار، وعرض علينا شحنة أخشاب في طريقها إلى الهند، كان علينا أن نمر من منطقة وعرة تسمى سيورانكا، وكانت السلطات الإنجليزية لا تسمح لأي سفينة بدخول هذه المنطقة، إلا بعد مثول نواخذتها للاختبار أمام ضابط إنجليزي، سألنا عن الأدوات التي نستخدمها في الإبحار، فأجبته بأننا لا نستخدم شيئاً من الأدوات الملاحية، فتعجب ووجه لنا القول إننا نحن العرب ندخل البحر وكأنه بيتنا، ثم أعطانا رخصة بالإبحار».
وشارك الفقاعي في مهام إنسانية، كما حدث في أثناء إحدى رحلاته إلى الصومال، إذ أنقذ بحارة تحطمت سفينتهم في عرض البحر، وعاد بهم إلى ذويهم، فعرض عليه الرئيس الصومالي حينها سياد بري مكافأة، فقال الفقاعي « أخلاق البحار تمنعني من أخذ مقابل لعمل إنساني قمت به تجاه بحار آخر».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news