وجه القدس الذي لا نستحقّه!

منذ أن أُعلنت القدس عاصمة للثقافة العربية للعام ،2009 وأنا أرقب المشهد الثقافي العربي، وأحاول رصد ما يمكن رصده على هامش هذا الحدث في تبعاته الثقافية والفكرية والإبداعية والسياسية أيضاً، لكن الحدث، المستمر خبراً وفعاليات فلسطينية بالدرجة الأولى منذ ستة شهور حتى الآن، يمضي من دون أن يجد من يحاول استغلاله عربياً إلاّ من خلال احتفاليات شكلية باهتة يحاول أصحابها أن يشتركوا في الزفة الصاخبة والملونة من دون أن يعرفوا أصحاب العرس أحياناً.

احتفاليات مجردة من معناها تسابقت على تنظيمها ورعايتها عواصم عربية كثيرة، ومؤسسات ثقافية أكثر، بل إن جامعة الدول العربية نفسها هرولت إلى حفلة العرس وشاركت ضمن المشاركين تحت شعار الاحتفاء بالقدس عاصمة للثقافة العربية في احتفالية احتشدت بالكلمات ولا شيء غير الكلمات.

والمؤلم أن الاحتفاءات التي ترجمها أهلوها على شكل احتفاليات كانت كلها مجرد عروض تفاوتت في مستوياتها من دون أن تتفاوت في معناها الأوحد حيث الثقافة هي العنوان، وحيث القدس هي الشعار، وحيث العاصمة هي الحدث، وحيث 2009 هي الزمن، وحيث الثقافة الحقيقية هي الضحية، ولا شيء بعد ذلك! فلم نرصد حتى هذه اللحظة فعلاً ثقافياً واحداً يمكن أن يكون بمستوى العنوان والشعار والحدث والزمن. ألم يكن من الأجدى بدلاً من تلك الاستعراضات التلفزيونية التي لم تغادر شاشات الفضائيات العربية أن يسهم الإخوة العرب في العمل على تأسيس بنى تحتية ثقافية في المدن الفلسطينية التي عانت ومازالت تعاني الكثير على يد سلطات الاحتلال؟

ألم يكن من الأجدى، بدلاً من الخطب المدوية والكلمات الرنانة التي سفحت على منصة القول في العاصمة الثقافية، العمل العربي المشترك، عبر المؤسسات الحكومية أو الأهلية، على تعزيز الوجه العربي والإنساني للقدس عبر إنشاء المزيد من المؤسسات الثقافية في تلك المدينة ومساعدة ما هو موجود منها بالفعل، في مواجهة محاولات التهويد والأسرلة التي تتعرض لها المدينة ليل نهار بأموال إسرائيلية حكومية وغير حكومية؟

لقد سجلت القدس عام 1981 على لائحة التراث العالمي المعرّض للخطر من قبل اليونسكو، وكان الرد الإسرائيلي هو العمل الدؤوب على تسجيلها موقعاً إسرائيلياً يهودياً على لائحة التراث العالمي لليونسكو. فماذا كان الرد العربي؟

لا رد. القدس كانت دائماً عاصمة للثقافة العربية، ليس لتساوقها مع آلام جرحها المفتوح دائماً على ذاكرتنا العربية الجمعية وحسب، ولكن أيضاً لأنها الوجه الأكثر إشراقاً في المشهد الثقافي العربي كله، لكنه الوجه الذي يبدو أن العرب لا يستحقونه.

رئيس القسم الثقافي في جريدة "القبس" الكويتية

تويتر