بغداد.. الطيور أيضاً مهدّدة بالانقراض

طيور بغداد طالتها تبعات الحرب والاحتلال. أرشيفية

رغم أن الاحتلال الأميركي قد دمر كل شيء فيها، إلا أن المظاهر والموروثات القديمة في بغداد مازالت حية، ومن هذه المظاهر الموروثة، تربية الطيور في البيوت البغدادية والتي لم تكن إلا محاكاة لرقي الذوق وترف العيش وحلاوته.

يقول أستاذ تاريخ الفن في جامعة بغداد الدكتور طارق عبدالوهاب (69 عاما)، إن «تربية الطيور في المجتمع البغدادي سمة من سمات الترف، فقد اهتم بها قبل عامة الناس خاصتهم وذوو القدر العالي في الدولة العراقية منذ القدم». ويضيف «ورغم أن الطير الزاجل قد عرف في زمن البابليين والآشوريين قديما، فقد عرف عن آخر خلفاء بني العباس في بغداد «المستعصم بالله عام 1258» أنه كان يجمع أنواعا نادرة من الطيور التي جلبت له من كل الأنحاء، وتابع «حرص أهل بغداد منذ مئات السنين على الحفاظ على أنواع كثيرة من الطيور النادرة وعلى تكاثرها والاعتزاز بها يبتاعونها ويتهادونها بينهم ولا يوجد لها مثيل في كل البلدان المجاورة». ويقول سعدي أبو الجود (65 عاما)، متقاعد «من الشخصيات العراقية في العصر الحديث ممن اهتموا بتربية الطيور الوصي على عرش العراق عبدالإله بن علي بن الحسين خال الملك (فيصل الثاني ملك العراق عام 1958) فقد كان يهتم بنوع خاص يطلق عليه البغداديون «طيور الوصي»، وسعدون شاكر الذي كان وزير داخلية في زمن الرئيس الراحل صدام حسين والذي شرع في تأسيس جمعية الطيور البغدادية، وكذلك من المشهورين أيضا الفنان محمد القيسي ومطرب المقام العراقي يوسف عمر وآخرون».

ويقول غانم البرزنجي (61 عاما)، موظف متقاعد إن «تربية الطيور لم تقتصر على البيوت البغدادية فالكثير من قادة وآمري وحدات الجيش العراقي اهتموا بتربيتها في المعسكرات لا بل حتى في جبهات القتال وأوكلوا الاهتمام بها إلى من لديهم خبرة ومعرفة من الجنود». ويضيف «لم تؤثر سنون الحرب في تربية الطيور في كل مكان، إلا أن بعض الأنواع النادرة من الطيور البغدادية قد انقرضت في بداية عام 2003 بسبب الغزو الأميركي للعراق وذلك بسبب هجرة كثير من العائلات البغدادية والأشخاص الذين اهتموا بالحفاظ عليها، ولأنها مظهر من مظاهر الترف ودعة العيش فقد حالت الظروف الصعبة بعد الاحتلال من قتل وتشريد وخوف وانعدام الأمان دون الاهتمام بها والحفاظ عليها».

ويقول سليم عبدالرحيم (40 عاما)، مهندس زراعي «من الأنواع النادرة من الطيور البغدادية هي الأصفر والأحمر والمسكي والأبرص والرمادي والقرملي والأشعل والأورفلي بأنواعه والزاجل بأنواعه العراقي والبابلي والألماني والمصري والإنجليزي وأنواع أخرى كثيرة تتميز بألوانها وصفاتها، وقد تلاءمت هذه الطيور مع البيئة العراقية وغالبا ما يكون فصل الربيع والصيف موسم التكاثر». ويضيف: «هناك أسواق مختصة ببيع الطيور وأشهرها سوق الغزل ببغداد قرب جامع الخلفاء في شارع الجمهورية ويقصده أهل بغداد كل يوم جمعة لعرض وشراء الطيور، ولا تخلو المناطق البغدادية القديمة من أسواق للطيور فهناك في الأعظمية والكاظمية والفضل وباب الشيخ أسواق أيضا لكن أشهرها سوق الغزل لقدمه ولجودة ما يعرض من أنواع الطيور للقادمين إليه من كل مناطق بغداد والمحافظات الأخرى، وتتراوح أسعار الطيور الفاخرة من هذه الأنواع ما بين 200 إلى 1000 دولار للزوج الواحد». ويقول عصام موصلي (57 عاما)، ضابط متقاعد إن «كثيرا من أهل بغداد يهتمون بتربية الطيور الزاجلة بأنواعها التي تمتاز بالجمال والسرعة والذكاء كالزاجل العراقي والألماني والإنجليزي، من أجل المشاركة في المسابقات التي تجريها جمعية مربي الزاجل في بغداد ومن أجل الحصول على الجوائز الثمينة». ويضيف «لقد اشتركت في آخر مسابقة جرت في بغداد وفزت بالجائزة الأولى فقد قطع الزاجل الذي أملكه المسافة بين دمشق وبغداد في 24 ساعة وتعتبر فتره زمنية قياسية».

ويقول حاتم سلمان (50 عاما)، وهو صاحب محل لبيع الطيور «لم أسمع قط أن مربي طيور بغداديا قد أعدم طيوره خوفا من أنفلونزا الطيور لأن غالبيتهم يعتقدون أنها لا تصيب الطيور التي تتخذ من أقفاص كبيرة فوق سطوح البيوت أبراجا لها، فضلا عن أن أنفلونزا الطيور لم تؤثر في العراق والعراقيين كبقية دول العالم لندرة ظهورها، بل إن العراقيين واصلوا تناول لحوم الدجاج».
تويتر