كريمة الصقلي تنتصر لروحية «أنغام من الشرق»

هدية قيمة قدمها مهرجان «أنغام من الشرق» الذي تنظمه «هيئة أبوظبي للثقافة والتراث» لجمهوره من عشاق الطرب الأصيل والفن الجميل، من خلال الحفل الذي أقيم، أول من أمس، وأحيته الفنانة المغربية كريمة الصقلي أو أسمهان المغرب كما يطلق عليها. وقدمت واحدة من أجمل أمسيات المهرجان، وأكثرها تعبيرا عن روح المهرجان الذي يسعى إلى إحياء الطرب الأصيل، وتكريم الأصوات والأسماء التي صنعت تاريخ الغناء والموسيقى العربية.

تألقت الصقلي في الحفل الذي امتد إلى ما يقرب من الساعة الرابعة صباحا، واضطر المنظمون لتمديده بناء على طلب الجمهور الذي رفض أن تغادره الصقلي من دون أن يحظى بحصة إضافية من الطرب الذي طالما اشتاق إليه في زحام الغناء التجاري الذي يحيط به طوال الوقت.

بدأ الحفل بمقطوعة موسيقية، قدمتها الفرقة الموسيقية المغربية بقيادة المايسترو مصطفى الرقراقي، بعنوان «فرحة وزازات»، قبل أن تدخل كريمة الصقلي إلى المسرح على أنغام أغنية أسمهان «عليك صلاة الله وسلامه» التي تصف فيها الرحلة الروحانية لحجاج بيت الله . فكشفت الصقلي عن خامة صوتية نادرة اعتقد بعضهم أن العالم العربي أصبح عاجزا عن أن يجود بها في هذا العصر. وعقب انتهاء الأغنية، قابلتها بعض الحاضرات بتحية مغربية تقال عادة في الأعراس والمناسبات السعيدة، لتتجه الصقلي لتقديم قصيدة «يا ليل طول»، ثم أغنية «نعشق ليل الشمائل» باللهجة المغربية، لتعود من جديد لتقدم أغنية محمد عبدالوهاب «أنا والعذاب وهواك» بتوزيع موسيقي حديث ورشيق، ثم أغنية «القلب ولا العين» التي استهلتها بموال أطرب الحضور، لتعود إلى أجواء القصائد من جديد وتقدم «اسقنيها»، تلتها رائعة أم كلثوم «حبيبي يسعد أوقاته»، وما أن وصلت الصقلي إلى الجزء الختامي منها، ورددت فيه عبارة كوكب الشرق الشهيرة «الليلة عيد»، حتى ضج المسرح بتصفيق الجمهور الذي بلغ حالة نادرة من الاستمتاع والتوحد مع الأغنيات وصوت المطربة؛ وهي الحالة التي وصفتها الصقلي بأنها «لحظة لا تكتمل إلا حين يتقاسمها الفنان مع جمهوره ويصلان معا إلى الدرجة نفسها من الاستمتاع والطرب».

وعلى نغمات الأغنية الشهيرة لأسمهان «ليالي الأنس في فيينا»، أبدعت كريمة الصقلي في إظهار مقدرتها الصوتية، وقدرتها على التحكم في طبقات صوتها وتلوينه، وفقا لمتطلبات اللحن على الرغم من صعوبته، ليقابلها الجمهور بعاصفة من التصفيق وقوفا، مطالبا بالمزيد من الطرب، فقدمت المطربة أغنية «هاقابله بكره» لأم كلثوم التي أرادتها أن تكون خاتمة للحفل، لكنها عادت تقديرا لمطالبة الجمهور لتقدم أغنية مغربية «الليل ليل عجيب»، ودور «امتى الهوا يجي سوا» للموسيقار زكريا أحمد لتنهي ليلة لا يمكن أن تنسى لعشاق الطرب.

ظهرت موهبة الصقلي الغنائية وميولها الفنية في سن الطفولة، إذ كانت تغني بإتقان، وهي في ربيعها التاسع أغنية «أغدا ألقاك» إحدى كلاسيكيات سيدة الطرب العربي أم كلثوم. أما بدايتها، فتأخرت حتى عام ،1999 إلا أنها أبرزت تميزها الكبير، وهذا ما تجلى في مشاركتها في مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية في دار الأوبرا في ليلة خصصت لتكريم المطربة الراحلة أسمهان.

شاركت كريمة الصقلي في عشرات المهرجانات الدولية والمناسبات العربية المتنوعة، وكانت تحلم برسالة فنية توصلها إلى العالم العربي، انطلاقاً من المغرب. ومازالت تمضي في تجسيد هذه الرسالة التي نقلتها مع مشوارها الفني، من مجرد حلم إلى واقع تجسده يوماً بعد يوم، وتعتبر مساهمتها في إحياء التراث الفني والموسيقي الذي صنعه أجدادنا من عناصر حماية هذا التراث وتطلعاً للإسهام فيه، وهي تغني القصيدة الفصحى واللحن الجميل، عبر تعاونها مع كبار الموسيقيين والشعراء.

ولم تكن كريمة الصقلي يوما مرددة أغانيات العصر الذهبي، وإنما ترى في ذلك تذكيراً بالتراث الذي من أجله عانى المطربون وجاهدوا بكل ما يملكون في سبيل النهوض بالطرب الأصيل، فمن لا ينظر إلى ماضيه لا يستطيع التقدم إلى الأمام، فهي صاحبة نظرة للماضي، تعززها بجملة كبيرة من الغناء المعاصر الذي تحاول من خلاله إكمال مشوار العمالقة.

تويتر