«برونتو» يا «قبضاي» الدراما السورية

ناجي جبر.. إبداع باقٍ في الفكاهة بعد الغياب. أ.ف.ب

رحل أبوعنتر، وأخذ معه «القبضاي»، صاحب «الشبرية» الجاهز لاستعمالها متى واجهه أحدهم، ولم يعد ذلك القلب الذي يخترقه سهم ظاهراً الآن على ساعده وقد كتب تحته «باطل» .

إنه الممثل السوري ناجي جبر الذي رحل أول من أمس، بعد صراع مع سرطان الرئة، وعن 69 عاماً، ولعل العالم العربي كان ـ ومازال ـ يعرفه بـ«أبوعنتر»، تلك الشخصية الأثيرة التي ظهرت في مسلسل «صح النوم» من إخراج خلدون المالح، مع صديقه غوار الطوشة (دريد لحام)، وكان الأخير يشاركه هموم عشقه المجنون لفطوم حيص بيص، بينما أبوعنتر جاهز لفعل أي شيء لمساعدة غوار على الرغم من إيمانه بأن «الحب مذل».

عبارات كثيرة ستحضر بمجرد استعادة أبوعنتر، إنه من كان يجيب على الهاتف بالإيطالي «برونتو»، ويقول «ما لها فكاهة ولا مازية»، مستثمراً كل تلك العبارات في الخروج علينا بشخصية لا تنسى، شعبية بامتياز، لصيقة بالبيئة الدمشقية حتى العظم، ومتحلية بكل ما يجعله نموذجاً عربياً لتلك الشجاعة الأسطورية المترافقة مع واقعية تجد شرعيتها بالفكاهة.

شكل ناجي جبر مع دريد لحام ما يمكن اعتباره ثنائياً رديفاً لثنائي دريد ونهاد قلعي، مثلما هي الحال في «صح النوم»، ولتمسي هذه العلاقة ساطعة بعد غياب نهاد قلعي في «وادي المسك»، لكن وكما كل ممثل حصيف، أحس ناجي جبر بأنه تقولب تماماً بشخصية أبوعنتر، ولم تنجح مع ذلك كل محاولاته الهرب منها، إلا على خشبة المسرح، ربما وعبر شراكته مع أخويه الممثل الراحل محمود جبر وهيثم جبر، وليبقى ظل شخصية أبوعنتر مرافقاً لناجي جبر، سواء في التلفزيون أو السينما، وبكلمات أدق تلك الشخصية القوية صاحبة الدم الخفيف والقلب الطيب، وتحديداً مع رفاق دريد ونهاد، مثل ياسين بقوش ونجاح حفيظ وعبداللطيف فتحي.

وأذكر هنا دوره في فيلم «أبوعنتر قاهر الفضاء»، ولعل أدواراً أخرى في سينما القطاع الخاص في سورية كانت على شيء من محاولاته كسر هذا الحصار، مثلما هي الشخصية التي قدمها مع إغراء في «أموت مرتين وأحبك» و«باسمة بين الدموع» مع نبيلة النابلسي.

فترة انقطاع أبوعنتر عن التلفزيون والسينما كانت طويلة، ويحكى عن أنه كان مشغولاً تماماً بـ«مسرح الشوك» مع أخويه، إلا أنه لم يبق كذلك، إذ سرعان ما عاد في أدوار تدور في فلك أبوعنتر، مثلما هي الحال في «أيام شامية» و«أهل الراية» التي كان فيها جميعاً ذلك «القبضاي» المعهود والذي يقرر بقبضته القانون الذي غالباً ما يكون عادلاً وعرضة لمزاجه المتقد في آن معاً.

في مسلسل «غزلان في غابة الذئاب»، قدم ناجي جبر شخصية ضابط الأمن المحمل في الوقت نفسه بالنيات الحسنة، في استثمار لافت قامت به مخرجة العمل رشا شربتجي للقوة والطيبة التي كانت تتجاور دائماً في أدوار ناجي جبر، ولعل ظهوره بتلك الشخصية كان تذكيراً لافتاً بقدرات هذا الممثل وخصوصيته.

رحيل ناجي جبر سيكون مدعاة لحزن الملايين في الوطن العربي، ولعله امتلك كل الصفات التي تجعله حاضراً متى كان غائباً، وحاضراً بقوة متى أطل من الشاشة. لن يظهر ناجي جبر في الجزء الثاني من «بيت جدي» بعد لعبه البطولة في الجزء الأول، وسيكون علينا استعادته كإنسان أيضاً لا ينفصل عن كونه ممثلاً، ففي أحد مقالب الكاميرا الخفية على التلفزيون السوري، كان على منفذ المقلب بناجي جبر أن ينجو بنفسه، لأن أبوعنتر كان عصياً تماماً على أن يمر عليه المقلب، لا بل إنه قلب الأمر رأساً على عقب بحيث تحول من ضحية إلى صاحب المقلب.

لابد أن الكثير سيبقى من ناجي جبر، وتبقى أدواره حاضرة بالحياة، وكلما واجه أحدهم مشكلة سيقول «باطل»، وربما سيجيب على الهاتف بـ«برونتو».

تويتر