أكدوا أن «أبوالفنون» لا يحيا بعيداً عن عشاقه

فنانون إماراتيون: مسرحنا الجماهيري في «غيبوبة»

صورة

«لماذا تراجعت عروض المسرح الجماهيري في الدولة؟».. سؤال يحمل الكثير من علامات الاستفهام التي نقلتها «الإمارات اليوم» إلى فنانين ومبدعين مهمومين بـ«أبوالفنون»، اتفقوا جميعاً على أن المسرح الجماهيري يعاني، ويعيش أزمة وغيبوبة حالياً، مقارنة بما حققه من نجاحات سابقة، وتقديمه عروضاً ناجحة استمرت فترات طويلة، واستقطبت الجمهور.

وأكد المسرحيون أن «أبوالفنون» لا يعيش بمعزل عن جمهوره الذي يقدم بالأساس له، مشيرين أيضاً إلى العقبات المعهودة من غياب الدعم المادي، وتراجع الأقلام المبدعة، والمبالغة في الرؤية البصرية على حساب المضمون من جهة أخرى الذي أوقع المسرح الإماراتي في فخ «غيبوبة الصورة»، في الوقت الذي أسهمت فيهمواقع التواصل الاجتماعي التي غزت المشهد في هجران البعض للمسرح، وتقلب اهتمامات عشاقه.

«غيبوبة الصورة»

واستعرض الكاتب والممثل والمخرج الإماراتي، ناجي الحاي، المراحل التاريخية الأهم للمسرح الإماراتي الذي انطلق ببداية مبشرة، على حد تعبيره، في السبعينات، مع المخرج الكويتي الراحل صقر الرشود، الذي استطاع التأسيس لنقلة نوعية فاعلة في «أبوالفنون»، بعد أن اتكأت أعماله التي نجحت باقتدار في شد الجمهور المحلي، على رقي المضامين وجماليات الطرح.

وأضاف الحاي «لا شك أن الاستعانة بالتجارب الفنية العربية بعد توجه وزارة الثقافة نحو عدد من المخرجين العرب، قد أسهمت في استفادة جيل المسرحيين الشباب آنذاك منها بالشكل المطلوب، لكنها أسهمت أيضاً في ابتعاد الجمهور عن المسرح، نتيجة طرحه لأفكار وموضوعات مستوردة، دخيلة عن المشهد المحلي وواقع أهله».

وأضاف «استمرت تجربة ابتعاد الجمهور الإماراتي عن المسرح خلال الثمانينات، وصولاً إلى فترة التسعينات التي شهدت انفراجة واضحة، توازت مع تجربة تقديم مسرحية (حبة رمل) في عام 1990، التي قدمت للخشبة موضوعات ورؤية فنية مجددة بالكامل، فيما شكل عرضها لمدة أسبوعين خلال شهر رمضان تحدياً جديداً أسهم في استكمال جميع عناصر نجاحها».

واعتبر الحاي مسيرة المسرح الإماراتي في تلك الفترة «مصالحة فعلية مع الجمهور بطريقة تنويرية، انطلقت بتقديم أعمال مسرحية متميزة مثل مسرحية (جميلة) للكاتب والإعلامي جمال مطر، وغيرها من تجارب الكتّاب الإماراتيين التي أصبحت علامات فنية فارقة في تلك الفترة».

وبرر هذا التراجع بمصطلح «فرد العضلات»، الذي مارسه بعض المسرحيين من ناحية الاهتمام بالرؤية البصرية على حساب المضمون، ما أدخل المسرح الإماراتي في ما اعتبره الحاي «غيبوبة الصورة»، التي سرعان ما أصبحت الشغل الشاغل للمهتمين بالمجال والناشطين فيه، الذين انغمس معظمهم في التباهي والمبالغة في السينوغرافيا والرؤية البصرية على حساب التناولات الهادفة.

وأكمل «مازلت أرفض مصطلح المسرح النخبوي، وأعتبره (حجة الفاشلين)، وحبيس المختبرات الإبداعية فحسب، فالمسرح الحقيقي يجب أن يكون جماهيرياً ومتصلاً اتصالاً وثيقاً بالناس والمجتمع».

وأكد على قيمة وعي المسرحيين الإماراتيين بأهمية تغيير أدواتهم، والتخلص من عقدة الدعم الحكومي، والاقتداء في هذا بتجارب معظم الفرق المسرحية حول العالم، وتجاوز هذه الاتكالية الثقافية.

تجارب متميزة

من جانبه، ربط الكاتب الإماراتي جمال سالم تراجع المسرح الجماهيري الإماراتي بتجربة الاحتفاء بالمسرح في فعاليات مثل أيام الشارقة المسرحية، التي وإن وجدها تدفع عجلة الإنتاجات، فإنها تسهم في المقابل، في التركيز على نمط مسرحي محدد على حساب الأعمال المسرحية الجماهيرية، ما أفقد المسرحيين الإماراتيين القدرة على تقديم أكثر من عمل واحد، على اعتبار أن هذه الفعالية المسرحية مدعومة من قبل دائرة الثقافة بالشارقة، وتقدم مجموعة من الجوائز والدعم المادي للفرق.

وأضاف «أتمنى أن تتحول أيام الشارقة المسرحية إلى فعالية تقام كل عامين، حتى يتسنى للمسرحيين الإماراتيين تقديم أعمال جماهيرية حقيقية، وإتاحة الفرصة لكتّاب المسرح في الإمارات لخوض تجارب جديدة، والارتقاء إلى مستويات فنية وجمالية أبعد من أجواء المنافسات في أيام الشارقة المسرحية».

وحول ما إن كانت ندرة المؤلفين المسرحين وراء تراجع المسرح الجماهيري في الإمارات، قال سالم «بالعكس أعتبر إسماعيل عبدالله أفضل كاتب على مستوى الوطن العربي، فهو صاحب بصمة واضحة ولافتة، هذا إلى جانب آخرين ذوي تجارب فنية ناجحة في المجال بلا شك، أمثال جمال مطر وناجي الحاي وعبدالله صالح».

أسباب متعددة

بينما رأى الفنان الإماراتي سعيد سالم، مؤسس مسرح أم القيوين الوطني ورئيس مجلس إدارته، أن المسرح الجماهيري يحتاج إلى ميزانيات مالية كبيرة، مقارنة بالأعمال النخبوية التي يتم تقديمها للمشاركة في أيام الشارقة المسرحية، نظراً للميزانية التي تم رصدها من قبل دائرة الثقافة في الشارقة لهذه الأعمال، مشدداً على ضرورة بحث الفرق المسرحية الإماراتية عن مصادر استثمارية جديدة، في ظل عدم إسهام رجال الأعمال والمصارف العاملة في الدولة في دعم المشروعات الإبداعية والفنية.

وأضاف «في بداية تأسيس الفرق المسرحية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، استطعنا تشكيل قاعدة جماهيرية كبيرة، لكن في ظل قلة الموارد المالية، بدأ عدد الأعمال المسرحية يتقلص، بالتزامن مع دخول الأعمال الكوميدية التي قدمها عدد من النجوم الخليجيين، أمثال طارق العلي وحسن البلام وداوود حسين، علماً بأن الجمهور أقبل على هذه النوعية من الأعمال التي اعتمدت في مجملها على النص والاستعراض وأسماء نجومها اللامعة».

وأكمل «لا شك أن العمل المسرحي الجيد يحتاج إلى ميزانية مالية عالية، يجب أن تتكفل بها المؤسسات الثقافية، لأن الأمر يتعلق باختيار نص جيد، وتقديم موضوع اجتماعي يقترب من الجمهور، مثلما حدث في مسرح أم القيوين الوطني، الذي استطاع تقديم أعمال مسرحية بالجملة، اجتذبت الجمهور، وحصدت العديد من الجوائز المهمة».

نماذج ناجحة

من ناحيته، توقف الكاتب والفنان الإماراتي عبدالله صالح عند تجربة مسرح دبي الشعبي «الوطني حالياً» في فترة التسعينات من القرن الماضي، ونجاحه في تقديم سلسلة أعمال جماهيرية ناجحة مثل «أبومحيوس في بتايا»، و«أبومحيوس في ورطة»، و«أبومحيوس 97»، و«أبومحيوس في المجلس الوطني»، مشيراً إلى تغير الظروف والإمكانات الفنية التي فرضت الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي للترويج للتجارب المسرحية ذات الطابع الجماهيري.

وأضاف «كما يقال، لكل زمان دولة ورجال، وفي هذه الفترة، أعتقد أن جيل الشباب من الفنانين هو الأقدر اليوم على تشكيل المشهد من جديد، ومتابعة المسيرة وإعادة الجمهور إلى المسرح، بالاعتماد على أدوات وتقنيات جديدة أبرزها وسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت الحيز الأمثل لاجتذاب الجمهور وإعداده من ثم لتجارب الفرجة المسرحية. ويمكنني التوقف هنا عند تجربة مروان صالح ابني الذي نجح بذكاء مع كثيرين من أبناء جيله من المبدعين أمثال أحمد مال الله وموسى البقيشي وآخرين، في تطويع هذه الوسائل التقنية الحديثة للترويج لأعمالهم المسرحية التي حققت النجاح الجماهيري المفاجئ لدرجة نفاد تذاكر العرض المسرحي وتهافت الجمهور على متابعتها باهتمام، في ظاهرة يجدر التوقف عندها ودراستها، للوقوف على أهم وأنسب السبل لإعادة ألق المسرح الإماراتي بكل أطيافه».

• البعض انغمس في التباهي والمبالغة في السينوغرافيا والرؤية البصرية على حساب التناولات الهادفة.

• الفرق المسرحية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي استطاعت بالفعل تشكيل قاعدة شعبية كبيرة.


رسالة خاصة

توجّه الفنان سعيد سالم برسالة خاصة إلى الكاتب الإماراتي جمال سالم، متمنياً عودته المتألقة إلى الكتابة المسرحية.

وأضاف «لا شك أن هذا الكاتب المبدع هو الأنجح والأقدر على الوصول بأعماله المسرحية إلى الجمهور، وهذا ما تجلى في مسرحيات (شمبريش)، وكذلك (فراش الوزير) التي نالت متابعة واهتماماً جماهيرياً واضحين، ونفذت ما يزيد على 70 عرضاً في مختلف إمارات الدولة، وصولاً إلى جزيرة داس للمرة الأولى على الإطلاق».

الحراك الكويتي

نوه الكاتب جمال سالم بتجربة الحراك المسرحي الجماهيري في الكويت، الذي استطاع بناء قاعدة جماهيرية عريضة على مدار السنوات الماضية، لتتحول الأعمال المسرحية الجماهيرية فيه مع مرور الوقت إلى تقليد فني متأصل وعريق.

وأضاف «تم عرض 15 مسرحية جماهيرية خلال فترة عيد الفطر المبارك أخيراً في الكويت، وأعتقد أن هذا الرقم يكشف بوضوح عن مستويات النجاح التي حققها هذا المسرح على مستوى جماهيري في الكويت».

تويتر