«قصة».. فرجة تناقش هموم المرأة ودورها في الحياة

ما الظل؟ وهل البحث عنه هو محاولة لإيجاد الحقيقة؟ من خلال هذين السؤالين، يمكننا الغوص في القضايا التي يستعرضها العمل المسرحي «قصة»، والذي قدم على خشبة ندوة الثقافة والعلوم أول من أمس، ضمن مهرجان دبي لمسرح الشباب. يبدأ العرض المسرحي الذي أنتجه مسرح دبي الأهلي، ومن تأليف ميرة المهيري، وإخراج عبدالله المهيري، بالاستعراض والرقص، لندرك من اللحظة الأولى أننا أمام عمل حافل بالفرجة المسرحية دون أن تغيّب تفاصيله معالجة قضايا المرأة الاجتماعية وما يحاصر كينونتها ودورها في الحياة.

قيم ومفاهيم

نجح العرض في استقطاب الجماهير، فقد غص المسرح بالحضور الذي أنشد لحكاية برعت الكاتبة في جعل الجمهور يلتمس من خلالها أوجاع نسائية تمس تفاصيل حياته، فالقصة كانت فعلياً محملة بالقصص والمواقف التي تبحر في القيم والمفاهيم والمنظومة الحياتية الكاملة. ارتحل الجمهور مع الفارسة انتصار، وقامت بدورها عذاري السويدي، التي ترفض الزواج من محبوب، وتنطلق في مغامرة على حصانها للبحث عن الظل، فتخوض في غمار بحثها الكثير من الصراعات في قرى مختلفة، ومع جماعات متعددة. تأخذنا المؤلفة بشكل رمزي إلى القيم التي تحكم حياة النساء، فتتوقف الفارسة انتصار عند قرية «التعنيف»، ثم تنتقل منها إلى قوم «غلط»، وبعدها إلى قرية خاصة بالشعر الفصيح والمعاصر الرديء، ومن ثم إلى قرية «الكبت» التي تبرزها برمزية الأقنعة.

 

تساؤلات

تقدم المؤلفة من خلال شخصية الفارسة انتصار العديد من التساؤلات حول المفاهيم التي تحيطنا، ومدى صلاحيتها في هذا الزمن، لتلامس وجع امرأة ترفض ما يمليه عليها المجتمع من ضرورة الزواج، وتتبع إصرارها في البحث عن الظل، الذي قد يكون حقيقة وجودها وحياتها وكينونتها. وقدّم المخرج عبدالله المهيري هذه الأحداث وفق مسرح متنوّع ومفتوح، فانتقل من الاستعراض والرقص، إلى الأحداث الدرامية، والكوميديا، وجعل عنصر الفرجة البصرية ينتصر لخدمة النص.

تشكيلات حركية

حملت أدوار الممثلين الكثير من التشكيلات الحركية، لاسيما أن أعدادهم كانت كبيرة على المسرح، فيما كانت السينوغرافيا التي صنعها المخرج من السلالم تعتمد على الديناميكية والحركة، ما أتاح له خلق بيئات مختلفة، عبر تشكيلات السلالم القصيرة والطويلة، فالقصيرة كانت تتحول إلى ممرات، بينما كانت السلالم المتقاطعة تتحوّل إلى مجالس خاصة بالشعر ومنصات خطابة ومدرسة للتلقين وليس التعليم. هذا التشكيل المتنوّع في السلالم وخلق بيئات مختلفة، أثرى العرض على الخشبة، ولكن انتقص منه الإضاءة الخافتة في بعض الأحيان، والتي كانت تغيب ملامح الممثلين عن الجمهور.

فصحى وعامية

بدأ العرض باللغة العربية الفصحى، ولكنه سرعان ما بات يدخل اللهجة الإماراتية المحلية على النص، فتنوّع بين اللهجتين، كما حمل العديد من الرقصات الاستعراضية، التي وظف البعض منها بشكل خادم لمجريات الأحداث ولاسيما الفقرات التي ارتبطت بالشعر، فيما أتت بعض الرقصات والاستعراضات مبهمة إلى حد ما.

وظفت ميرة المهيري تفاصيل العرض لخدمة القضايا الآنية، فكانت تعبر عن صرخة امرأة في وجه الكثير من المفاهيم المجتمعية، ولكنها أعادتنا في نهاية العمل إلى نقطة البدء، حين أنهت العمل بتزويج انتصار من محبوب، وظهورها حاملاً، مع تزويدها وتسليحها بالإصرار على المحاولة من جديد للمضي في رحلة البحث.

وقالت ميرة المهيري لـ«الإمارات اليوم»: «العمل تجربتي الأولى في التأليف المسرحي، وحول وجه الشبه بين القصة ودونكيشوت، فعلياً يمكنني القول إنني أوجدت القالب العام من الرواية فقط، ولكن الرحلة التي مرت بها الفارسة أردتها أن تعكس الواقع الاجتماعي الآني، فأسقطت ملامح حياتنا الحاضرة». وأكدت ميرة أنها أرادت من النهاية أن تعيدنا إلى نقطة البدء، لأن المرأة في المجتمع العربي تحاصر دائماً بمن يملي عليها ما تفعل، خصوصاً في موضوع الزواج، مهما كافحت واجتهدت، واصفة تجربتها بمهرجان دبي لمسرح الشباب بكونها «فرصة مميزة لأشارك أولى تجاربي مع الجمهور».

مساحة للتجريب

وقال المخرج عبدالله المهيري: «مهرجان دبي لمسرح الشباب هو مساحة للتجريب، ومن خلاله يمكننا مناقشة الموضوعات التي تهمنا، وما لفتني في هذه السنة أن المهرجان قد أخذ طابع الكوميديا، وذلك لأنه وفقاً لنظرة الجهة المنظمة بأن الكوميديا تجذب الناس، ولكني فعلياً أرى أن أي عمل جميل يمكنه أن يكون جاذباً للحضور». ولفت المهيري إلى أنه حين يعمل في المسرح يبحث عن المتعة له كمخرج وكذلك للجمهور، موضحاً أن فريق العمل حقق في دورة العام الماضي نجاحاً جماهيرياً لافتاً أوجد ثقة مع الجمهور، ولهذا تمكن من استقطابه في هذه الدورة. وأشار إلى أنه أراد من خلال مزج أنواع المسارح المتنوعة أن يقدم ما هو قريب من شارع الشباب والجمهور العادي وليس المختص فقط. واعتبر أن العمل الفني يتطلب احترام الجمهور، ولهذا التعب هو أساسي في تقديم أي عمل، مشيراً إلى أن «دبي لمسرح الشباب» له مكانة خاصة لديه، لأنه كان له الدور الأبرز في صناعة اسمه وخبرته، متمنياً له الاستمرار في التقدم والنجاح. صناعة حلم الطفولة

تأثرت المؤلفة ميرة المهيري خلال الندوة التطبيقية بالكلام الذي سمعته من الحضور والممثلين، كما طلبت في نهاية الندوة من الفريق الذي شارك في إنجاز العمل من مخرج وممثلين ومشرفين الوقوف للحظة، لتعبر لهم جميعاً عن امتنانها وشكرها، لأنهم كانوا الأشخاص الذين حولوا حلم الطفولة لديها إلى واقع، مشيرة إلى أن المسرح كان حلمها منذ مدة، ولكنها لم تدخل غمار تجربة الكتابة فيه إلا بعد أن نالت موافقة والدها المسرحي سالم المهيري. ميرة المهيري:

«مسرح الشباب فرصة مميزة لأشارك أولى تجاربي مع الجمهور».

عبدالله المهيري:

«المهرجان مساحة للتجريب، ويمكننا مناقشة الموضوعات التي تهمنا». 

الأكثر مشاركة