المهرجان يُسلّط الضوء على دور النساء في الصقارة

«أبوظبي للصيد».. علاقة تاريخية وطيدة بين الصقر والأسرة الإماراتية

صورة

«المرأة في الصقارة»، أحد محاور المؤتمر المهم الذي يستضيفه معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية في دورته المقبلة، حول «مستقبل رياضة الصيد بالصقور»، بالتعاون مع منظمة اليونسكو، وبتنظيم كل من نادي صقاري الإمارات، والاتحاد العالمي للصقارة والمحافظة على الطيور الجارحة (IAF)، الذي يضم في عضويته 110 أندية ومؤسسة معنية بالصقارة، تُمثّل 90 دولة تضم في مجموعها ما يزيد على 75 ألف صقار حول العالم.
ويقام المعرض تحت رعاية سموّ الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة الظفرة رئيس نادي صقاري الإمارات، وذلك خلال الفترة من 27 سبتمبر ولغاية الثالث من أكتوبر في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، بتنظيم من نادي صقاري الإمارات. ويحظى الحدث برعاية رسمية من هيئة البيئة - أبوظبي، الصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى، ومركز أبوظبي الوطني للمعارض.
وشجّعت فعاليات الصيد بالصقور، التي تنظمها دولة الإمارات على مدار العام في العقدين الأخيرين، الفتيات على تعلّم فنون ومهارات وعلم الصقارة والصيد والقنص، ما فتح الباب لمشاركتهن في مسابقات الصقارة، كما حدث في مجال الخيل ورياضات تراثية أخرى.
يذكر أن مدرسة محمد بن زايد للصقارة وفراسة الصحراء، احتفت في 2018، في رماح ومنتجع تلال بمنطقة العين بإمارة أبوظبي، بتخريج أول دفعة على مستوى العالم من الصقّارات، بعد أن نجحن في إتقان الصقارة العربية وأخلاقياتها وقواعدها وفنونها العريقة. وشهدت المدرسة إقبالاً واسعاً على تعلّم فن الصقارة العربية وتقاليد العيش في الصحراء، واستطاعت أن تستقطب إلى الآن 2021 طالباً من الجنسين، منهم 1163 من الذكور، و858 من الإناث.
كما شهد مهرجان الصداقة الدولي للبيزرة، الذي نظمه نادي صقاري الإمارات أعوام 2011 و2014 و2017 في إمارة أبوظبي، إضافة لجميع دورات معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية، مُشاركة عدد كبير من الصقّارات من مختلف أنحاء العالم، فضلاً عن العديد من الباحثات من أوروبا والولايات المتحدة واليابان.
واحتفت أنشطة وفعاليات أبوظبي التراثية بحضور نسائي أوروبي - ياباني من صقارات مخضرمات وواعدات، وعلى مستوى المرأة الإماراتية شاركت صقّارات في مسابقات مهرجان البيزرة المختصة بالصقارة في صحراء «رماح».

خصوصية وطنية
من جهته، أكد ماجد علي المنصوري، رئيس اللجنة العليا المنظمة لمعرض أبوظبي للصيد الأمين العام لنادي صقاري الإمارات ورئيس الاتحاد العالمي للصقارة والمحافظة على الطيور الجارحة، أن «المرأة الإماراتية شديدة الحرص على خصوصية هويتها الوطنية وعادات وتقاليد مجتمعها، التي تعتبر الصقارة إحدى ركائزها، وهي تتقدم وتقتحم كل المجالات بثقة وقوة».
وغدت الصقارة رياضة الأسرة الإماراتية، حيث الكثير من الأسر تملك طيوراً. وكان الصقر ذات يوم يُعيل الأسر، حيث كان يخرج به الرجل للقنص والمجيء بما يصطاده رزقاً لأولاده، لذا فإن هناك علاقة وطيدة تاريخية بين الصقر والأسرة الإماراتية، ومن ثم لم يكن هناك كثير عناء في إحياء هذا التراث الأصيل، خصوصاً أن الأسر الإماراتية تحرص على زيارة فعاليات الصقارة والتمتع بعروضها في الطبيعة، كما تحرص الأمهات على التقاط صور لأولادهن مع الصقارين والصقور.
وتوجد في الإمارات اليوم صقارات يُدرّبن ويعلمن ويربين الطيور، وبعضهن متخصصات في تطبيب الصقور، وكما حدثت طفرة في السنوات الماضية في مجال دخول المرأة الإماراتية لعالم الفروسية والخيول، فليس من المستبعد في المستقبل القريب بروز المئات من الصقارات الخبيرات، على الرغم من أن الصقارة رياضة شاقة وفيها عناء.
واليوم تواصل الطفلة الإماراتية عوشة خليفة المنصوري (ثماني سنوات)، تألقها في مختلف المهرجانات والمعارض بثبات، مسطّرة مسيرة حافلة بالإنجازات. وقد لمع نجمها منذ كان عمرها نحو أربع سنوات، حين شاركت في كأس رئيس الدولة لرياضة الصيد بالصقور، كما شاركت في معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية ومهرجان الصداقة الدولي الرابع للبيزرة عام 2017 بتنظيم من نادي صقاري الإمارات، هي تُعدّ إحدى أصغر الصقّارات في العالم، إن لم تكن الأصغر.

النساء صيادات قديمات
استنتج علماء آثار من جامعة كاليفورنيا، في دراسة لهم نُشرت في أبريل 2021 بمجلة ناشيونال جيوغرافيك الصادرة بالفرنسية، أن ما بين 30 و50% من صيادي الطرائد الكبيرة في العصور القديمة، كانوا من النساء، وهو ما يؤكد خطأ الاعتقاد السائد أن الرجال في عصور ما قبل التاريخ كانوا يصطادون، بينما كانت النساء تجمع النباتات وتعتني بالأطفال.
تقول ديانا دورمان-والترز، من جمعية «المستشارون الدوليون للحياة البرية - المملكة المتحدة»، إن «الصقر المدرب بشكل جيد كان طيراً عالي القيمة، وهو أفخر هدية كان يمكن تقديمها في العصور الوسطى، إلى رجل من طبقة النبلاء أو حتى إلى الملك نفسه، من قبل أي شخص تعبيراً عن العرفان».
من جهتها، أشارت الباحثة البريطانية ليزا جارفيس، إلى أن جائزة الصقارة للمبتدئين في المملكة المتحدة انطلقت منذ عام 2006 وأقرّتها هيئة الصقارة، وتركّز على رعاية الطيور الجارحة ومزاوجتها لدى الصقارين المبتدئين، إضافة إلى الصقارين المحترفين. وصممت الجائزة لتقييم قدرة المتدربين على الاحتفاظ بطير في ظروف آمنة وصحية عبر الممارسة العملية والخلفيات المعرفية الضرورية. وأضيف للجائزة في مايو 2011 مكون جديد موضوعه تكييف طائر جارح حر وتطييره.


هولندا تحلم بطيران حر
أما الصقارة الهولندية تولا ستابرت، فتقول إنّه «كان لدينا إبّان العصور الوسطى في هولندا فضاء كاف، لكن رغم أن الفضاء لم يكن يمثل مشكلة، فقد مورست الصقارة على نطاق ضيق فقط. ولم يكن في هولندا أي بلاط ملكي مثل بقية أوروبا. ولكن في الجنوب، قام مزارعو فولكنزوارد بتقنية فريدة من نوعها لصيد صقور الشاهين على طريق هجراتها. وأصبحت طريقتهم في الصيد والتجارة ذائعة الصيت، وجعلت من هولندا جزءاً مهماً من تاريخ الصقارة».
وتوضح: «لدينا اليوم بلد يطغى عليه المدّ الحضري مع فضاء محدود لممارسة الصقارة. ولا تستطيع الشواهين التحليق بأسلوبها الراقي الذي كان سائداً أيام نادي لو للصقارة. وأصبح الباز معروفاً أكثر فأكثر. ولا يسمح القانون الهولندي إلا بهذين النوعين من الجوارح في ممارسة الصقارة مع نطاق جغرافي محدود للفرائس. ويعتبر وجود الصقارة مرهوناً بالموازنة بين التشريعات والتراث الثقافي الهولندي، لكن لايزال من الممكن ممارسة الصقارة بشكل جيد جداً».
وتؤكد تولا: «ما نريده هو فضاء أوسع وصقارة شرعية ومزيد من فرائس الصيد، من أجل الحفاظ على الصقارة باقية في المستقبل. وسنظل نحلم على الدوام بطيران حر».


صقارات عراقيات
سعيد زرقاني، أحد مؤسسي جمعية الصقارين العراقيين، الذي شارك في دورات سابقة من مهرجان البيزرة، قال: «إن والدته (حمده حسين - 82 عاماً) كانت تقنص معه ومع والده على مدار 28 عاماً، وكانت صقارة تصيد الصقور وتدربها، فأنا من أسرة ورثت الصقارة جيلاً بعد جيل».
وأكد أن «هناك صقارات عراقيات، ولكن مازلن يجدن حرجاً في تسجيل أنفسهن ضمن جمعيات الصقارة، على الرغم من أن جمعية الصقارين العراقيين ليس لديها أدنى مشكلة في تسجيلهن وإعطائهن (هوية)، لكن العادات والتقاليد ربما تقف حائلاً ضدّ ظهورهن للعلن، وهذه مشكلة في العراق ومعظم الدول الخليجية».


10000 عام
أثبتت الحفريات والنصوص القديمة، من خلال التقنيات الجديدة في التنقيب الأثري، أن الصقارة انتشرت في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً في منطقة الخليج العربي قبل 10 آلاف عام، ثم انتشرت في ما بعد، حيث عُرفت في تخوم آسيا الشرقية، كما مورست في أوروبا وأميركا الشمالية.
ودخلت الصقارة إلى أوروبا عبر الشرق العربي، كما وصلت الصقارة إلى اليابان منذ نحو 2000 عام، وكان الصقار الأول في اليابان كوري الجنسية، ومنحه الإمبراطور آنذاك زوجة يابانية، فتعلمت زوجته استخدام الصقور في الصيد، فكان أول صقار ياباني امرأة.
 

تويتر