يذكّر بالخسائر الثقافية في بلده عبر معرضين بـ «بيت الحكمة»

وفاء بلال: بالفن أبعث رسالة أمل إلى العراق

«سلسلة الرماد»، يضم صوراً لمجسمات مصغّرة لمشاهد الدمار التي تسببت بها الحرب في العراق. من المصدر

وصف الفنان العراقي - الأميركي وفاء بلال، بيت الحكمة في الشارقة بأنه شكّل مساحة مثالية لاستضافة معرضيه «168:01» و«سلسلة الرماد»، مشيراً إلى أن التصميم الفريد لـ«البيت» المستوحى من العمارة المعاصرة، والذي يجمع بين البساطة والحداثة والاستخدام المدروس للضوء والمساحات، أسهم في نجاح فكرة المعرضين وتجربتهما التي تعتمد على التفاعل مع المتلقي والجمهور.

وتُعد استضافة معرضي بلال الذي يعمل أستاذاً للفنون في كلية تيش للفنون بجامعة نيويورك، الأولى لأعماله في الشرق الأوسط، إذ احتفى بيت الحكمة برسالة أعماله والهدف الذي نظم لأجله هذين المعرضين، إذ يسعى إلى إعادة إحياء مكتبة كلية الفنون في جامعة بغداد، والتذكير بحجم الدمار الذي خلفته الحرب في العراق. يضم المعرض الأول «168:01» في جانب منه مكتبة مملوءة بالكتب الفارغة والبيضاء، في دعوة للزوّار لاستبدالها بأخرى ورقيّة مطبوعة، لترسل لمكتبة كلية الفنون في جامعة بغداد التي تعرضت للحرق خلال الغزو الأميركي للعراق، ما أدى حينها إلى تحوّل أكثر من 70 ألف كتاب إلى رماد. أماّ المعرض الثاني «سلسلة الرماد»، فيضم صوراً لمجسمات مصغّرة لمشاهد الدمار التي تسببت بها الحرب في العراق، والتي قام الفنان بتصميمها وتنفيذها ومن ثم تصويرها، ليقدم أعمالاً تنقل صورة حيّة عن هذه التجربة، من خلال التركيز على غياب البشر وملامح الحياة عن البيوت المهدمة التي كانت تعجّ بأرواح ساكنيها.

مكان مثالي

حول اختياره تنظيم «168:01» في مكان لا يُعد متحفاً ولا معرضاً فنياً، قال بلال لـ«الإمارات اليوم»: إن «بيت الحكمة يجمع بين مفهومي المكتبة والمساحة التعليمية الثقافية، ما جعله مكاناً مثالياً لاستضافة المعرض، ومع ما تحتضنه المكتبة من ثروة معرفية تصل إلى 265 ألف كتاب، جاء المعرض الذي يحتوي على كتب فارغة بصفحات بيضاء، ليسلّط الضوء على التناقض الصارخ بين الرفوف المملوءة بالكتب في بيت الحكمة والكتب البيضاء التي رتبت بطريقة مدروسة على رفوف المعرض لإبراز قيمة المعرفة. ويبقى الهدف من المعرض هو نفسه في كل مكان أقيم فيه، لكن الاختلاف يكمن في مواصفات المساحة التي عرض فيها، سواء كانت صالة عرض فنية أو متحفاً، وكذلك في طريقة قراءة العمل وفهمه ضمن هذه السياقات المختلفة». وأضاف عن هدفه من تقديم «168:01» كمشروع تشاركي: «يسلط المعرض الضوء على الحاجة إلى تعزيز التواصل بين الثقافات، كما يبرز فكرة إعادة البناء، وهدفي هو المساعدة في كسر عزلة المجتمع الفكري والفني في بغداد، من خلال ربطه بمجتمعات أخرى أوسع، وأن أؤكد للعراقيين أن العالم لن ينساهم بعد أن انتهاء الحرب». وتابع: «أردت من خلال عملي أن أوجد نوعاً من التواصل الإنساني والمعنوي الذي يولّد الشعور بالتعاطف ويعزز الجهود المشتركة ويحفزنا للعمل يداً بيد، فأنا أؤمن بالفن التشاركي وبقدرة الفنانين على إيجاد بيئة محفزة لجميع الجهات المعنية من مساهمين ومتبرعين ومستفيدين، بالإضافة إلى المكان الذي يستضيف المعرض، ودوره في توضيح أن عملية إعادة البناء هي عمل عاطفي وإنساني».

دعوة

يتميز معرض «سلسلة الرماد» بإبراز أهمية الوجود البشري وسط أنقاض وحطام الأماكن التي كانت مأهولة بالسكان، من خلال نثر 21 غراماً من الرماد، إذ أراد الفنان العراقي أن تكون «السلسلة» دعوة لكل إنسان إلى التفكير في معنى الخسارة الثقافية، كاشفاً عن أن «الـ21 غراماً من الرماد تمثل المقدار المفترض من الوزن الذي يفقده الجسم حين تغادره الروح عند الوفاة، كما يذكرنا الرماد بالخسائر في الأرواح البشرية وبأنه بمجرد زوال الرماد، لابدّ أن نقف من جديد لنمضي قدماً في الحياة».

وأوضح: «يرتبط هذان المشروعان بطريقة جميلة عندما نرى المكتبة في معرض 168:01 تنبثق من الرماد في بيت الحكمة بالعراق، فنشهد على استبدال الكتب ذات الصفحات البيضاء والخالية من المعرفة بأخرى تزخر بالمعرفة وتنبض بالألوان».

بداية الفكرة

عن فكرة معرض «سلسلة الرماد» بشكل خاص، قال بلال «بدأت تراودني في عام 2003 عندما رأيت للمرة الأولى صور الدمار في واحدة من مناطق النزاع في العراق، وقارنتها بالحياة المريحة التي أعيشها في الولايات المتحدة، وفكرت في حقيقة أنه بمرور الوقت تتلاشى هذه المشاهد من ذاكرتنا لنفقد مع الزمن شعورنا بمعاناة غيرنا، ثم بدأت في البحث عن طريقة ملائمة لجذب الجمهور ودعوتهم لمشاهدة صور الدمار دون أن يؤثر في مشاعرهم بطريقة قاسية، ولذلك صنعت مجموعة من الصور الجميلة لكنها في الوقت نفسه تتضمن عناصر مشوهة أو مخرّبة للفت نظر المشاهد بطريقة مؤثرة».

وتابع «كان ذلك المشروع بالنسبة لي طقساً تأملياً ساعدني على الشعور بالقرب من وطني، فقد استخدمت الصور بمثابة وسيلة لإبراز التناقض والتنافر بين الحياة الهانئة ومشاهد الصراع ومتعة النظر إلى الجمال الذي تقدمه الصور والشعور بقساوة الألم الذي يكمن في تفاصيلها. أردت أن أمنح المشاهد تجربة فنية حقيقية يلمس فيها المغزى من كل صورة من خلال تغييب العنصر البشري فيها».

مكمن قوتنا

رأى الفنان وفاء بلال، أن «التراث لا يقتصر على الأشغال اليدوية أو الأشياء، بل هو تجسيد لهويتنا وطريقتنا في الحياة وتاريخ أسلافنا وماضي أجدادنا، وهذا بالضبط ما يجعله مكمن قوتنا وتفردنا الثقافي. ولطالما كان تراث الأمم هدفاً مقصوداً لأي حرب، فتدمير الرموز التراثية لشعب ما يتيح إعادة كتابة تاريخه واستبداله، وهذا ما يسمى بالطمس الثقافي، لذلك من المهم بالنسبة لنا أن ندرك هذه الحقيقة، وأن نعمل على استعادة تراثنا وحمايته وتوثيقه من أجل حفظه للأجيال القادمة وضمان استدامة وجودنا».

مساحة للتأمل والتواصل

قال الفنان وفاء بلال عن الدور الذي يقوم به بيت الحكمة في الشارقة: «يجب أن ننظر إليه خارج إطار المكان المخصص للتعليم فقط، فهو مساحة متكاملة تجمع الناس بطريقة مختلفة عن المكتبات التقليدية التي يقتصر دورها على تقديم النتاج الفكري البشري إلى مرتاديها، سواء النتاج القديم أو المعاصر».

وأضاف «اليوم، هناك حاجة متزايدة إلى إنشاء أماكن عامة تعزّز ارتباطنا بالمجتمع وتعمّق تواصلنا مع الأشخاص من حولنا ومع المجتمعات الأخرى، وهنا يأتي دور مثل هذه الصروح الثقافية لتقدم لنا مساحة للتأمل والتواصل الاجتماعي والتفكير في العديد من القضايا الاجتماعية التي تؤثر في حياتنا، بالإضافة إلى أنها مركز للعلم واكتساب المعرفة».


- «(معرض 168:01) يسلط الضوء على الحاجة إلى تعزيز التواصل بين الثقافات».

- «مشروع سلسلة

الرماد كان طقساً

تأملياً ساعدني على الشعور بالقرب

من وطني».

تويتر