عشّاق السفر ينتظرون على أمل.. بين التذكارات المنسية

يجلس الآن عشاق السفر من جميع أنحاء العالم في منازلهم، دون أن يدري أحد منهم كم ستطول مدة هذه العزلة الاجتماعية التي سببتها جائحة كورونا، غير أن هذه العزلة أتاحت لهم فرصة لترتيب الخزانات، وإزالة الأتربة من على تذكاراتهم السياحية التي نسوها منذ فترة طويلة.

وتتنوع هذه التذكارات بين قبعات مكسيكية ذات حواف عريضة، وخيوط تضم حبات خرز ملونة. وتمنح الأيام الحالية التي يسودها الهدوء كثيراً من محبي السفر، فرصة لإعادة اكتشاف لحظات جميلة واستعادة ذكريات سعيدة، تتعلق بالأماكن التي اشتروا منها هذه التذكارات.

وكثيراً ما يحدث أن يعود المسافرون إلى بيوتهم، ويقومون على عجل بتفريغ حقائبهم، ثم ينظفون ملابسهم التي كانوا يرتدونها وقت الرحلة، ويستأنفون حياتهم اليومية مرة أخرى كالمعتاد.

وهذه التذكارات التي كانوا يساومون على أسعارها في الأسواق، سواء كانت مفروشات منسوجة يدوياً أو دمي صغيرة تكسوها ملابس تقليدية، أو فناجين من الخزف زيّنها فنانون محليون، تفقد بالتدريج بهاؤها تحت طبقة من الأتربة، والآن تكتسب مثل هذه التحف أهمية جديدة بعد أن أدى حظر التجوال لأن يقبع أولئك الذين يتوقون للسفر في بيوتهم.

والهدايا التذكارية التي تم شراؤها أثناء عطلات سابقة وخلال رحلات إلى الخارج، تتحول الآن إلى قطع فنية تذكّر بأوقات كانت أفضل، وبأن الأمور ستسير نحو الأحسن.

ولكن لماذا نجلب هدايا تذكارية معنا؟ وماذا تعني لنا خاصة الآن عندما لم نعد نستطيع السفر؟

تقول مؤرخة الفن كاترينا كوبنفالنر، التي تبيع منسوجات من مختلف أنحاء العالم في متجرها المسمى «الخزانة الدولية»، إن «الهدايا التذكارية تعد أكثر من مجرد تذكارات، فهي تكون غالباً بقايا ملموسة من عالم اختفى بالنسبة لنا»، وكمثال على ذلك تعرض أقمشة منسوجة يدوياً من الهند لم تعد تجد لها مثيلاً في أوروبا.

وتضيف كوبنفالنر إن «التذكارات فقدت اعتبارها لأن كل شخص أصبح يعتقد أنها مجرد شيء فلكلوري لا قيمة له، غير أنه في كل حضارة توجد ثقافة تعبر عن نفسها في أشكال مادية يمكن استكشافها، ومن هنا ينفتح أمامك تاريخ مثير للاهتمام للغاية».

ولكن ليس من الضروري أن يكون التذكار قطعة فنية أو شيئاً للاستخدام اليومي، وفِي هذا الصدد توضح كوبنفالنر «أعتقد أن قمصان الـ«تي شيرت» المطبوع عليها عبارة أنا أحب نيويورك جيدة أيضاً، كما أن التذكارات التي يعتبرها البعض تافهة أو مثيرة للتندر يمكنها أن تعبر عن حكايات شعبية من البلد الذي يقصده الزوار، وبالتالي يجب أن نعطيها التقدير المستحق».

بينما يقول فولفجانج كاشوبا، عالم الأعراق البشرية، إن «التذكارات غالباً ما تكون أشياء تافهة، وأحياناً ذات قيمة فنية، ولكنها دائماً ما تكون مشحونة بالعواطف. كما أنها بمثابة تأريخ لوقائع الحياة الذاتية للمسافر، كما لو كانت نوعاً من المفكرة التي تذكرنا بأحداث الماضي!».

ويضيف أن هذه الأشياء تقوم بدور مهم في مساعدة الناس على تذكر أحداث الماضي المختلفة التي عايشوها. وحتى لو لم تكن أصلية فيمكنها أيضاً المساعدة على إيجاد صلة بالتاريخ.

ويشير البروفيسور كاشوبا إلى أن من بين التذكارات المزيفة الشائعة قطعاً من سور برلين. ويوضح أن «التذكارات تعد قطعة من تاريخ العالم يمكنك لمسها ووضعها على رف بمنزلك، وهي تعطيك تجربة مادية محسوسة وتلفك بمشاعر الإثارة والحنين والشجن المرتبطة بمكان الزيارة».

وغالباً ما يشتري الزوار هدايا تذكارية للآخرين وليس لأنفسهم، وهي هدية ربما تبعث مشاعر الود وتعبر عن الصداقة مثل تقديم نوع من الحلوى أو مشروب محلي.

غير أن جائحة كورونا تعني الآن أن الوقت الحالي ليس هو المناسب للتجمعات الاجتماعية، إذ إن معظم الناس لديهم تعليمات بالبقاء في المنازل، وتجنب الاختلاط الاجتماعي، وستمر فترة من الوقت قبل أن يبدأ الناس في السفر مرة أخرى.

ومن هنا، كما يقول كاشوبا، فإن الناس يستخرجون تذكاراتهم من الخزانات، ما يوقد مشاعر الشوق للسفر، وتحفز الانتظار بأمل لمستقبل ما بعد الجائحة.

تويتر