رأى أن «كوفيد-19» أوجد ثقافة عمل تنظر بشكل جدي للمستقبل

ظاعن شاهين: الإمارات أثبتت قدرتها على تحويل التحديات إلى فرص

صورة

قال المستشار الإعلامي في هيئة دبي للثقافة، ظاعن شاهين، إن «السلوكيات الثقافية مهمة للدراسة في التحولات الطارئة الكبيرة والمؤثرة في المجتمعات، مثل الانتشارغير المسبوق لمرض (كوفيد-19)، الذي تواجهه البشرية حالياً».

وأوضح شاهين أن «الثقافة واحدة من أكثر الطرق الأساسية التي تشكل كيفية عيشنا في العالم، فنحن كائنات بيولوجية وثقافية على حد سواء، لذلك عندما ينتشر مثل هذا المرض المرعب عبر أجزاء كبيرة من العالم، فيمكننا أن نتعامل مع ذلك بطرق بيولوجية وثقافية».

وأضاف شاهين لـ«الإمارات اليوم»: «إننا كمجتمعات غير متشابهة، ربما تكون لدينا ردود فعل ثقافية خاصة بنا، تعتمد على قدرة استجابة دولنا للمعطيات الجديدة الطارئة والمستحدثة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتركيبة مجتمعاتنا بمؤسساتها المختلفة، وكذلك هيكلة أسرنا وطريقة حياتنا، ومتانة منظومتنا الصحية والاقتصادية، واستشرافنا للمخاطر قبل حدوثها، لذا يمكن أن يكون تأثير المرض أكبر أو أقل اعتماداً في قدرة الاستجابة للطارئ العاجل، ومنظومة الإجراءات والسلوكيات الخاصة بنا».

وشرح شاهين أن اللحظة التاريخية أو المنعطف التاريخي الذي نمر به، يملي علينا إعادة النظر في حاضرنا المتغير، «فمن بين التغييرات التي تحدث الآن الدفع الواضح نحو التحديث الرقمي، الذي نلحظه ونمارسه بشكل يومي ،من خلال استخداماتنا المتلاحقة لتقنيات الاتصال عبر الإنترنت، فبعد أن تغول هذا المرض وأجبر الناس جميعاً من أقصى المعمورة إلى أقصاها على البقاء في بيوتهم، وفرض شروط التباعد الاجتماعي، قاد ذلك إلى تحقيق واحدة من التحديات التي تحولت إلى فرص، وهي العمل عن بُعد، من خلال إدارة أعمالنا اليومية أو التدريس أوالتسوّق أوشراء احتياجاتنا الغذائية الضرورية، عبر التطبيقات المتعددة أو بواسطة الهاتف المحمول».

سلوك ثقافي جديد

وذهب المستشار الإعلامي في هيئة دبي للثقافة للاستشهاد بإشارة الباحث الألماني في الاتجاهات والمستقبل، ماثيوس هوركس، إلى أن «الذكاء البشري الاجتماعي» سيساعدنا في السيطرة على الأزمة التي يمر بها العالم اليوم، ويقول إن المسافة الجسدية القسرية ستعزّز التقارب الجديد، إذ بدأ البشر في مختلف المجتمعات يتواصلون بشكل مكثف أكثر من ذي قبل، عبر الدردشة المرئية، أو الهاتف مع الزملاء والأصدقاء القدامى، وأخذ الكثيرون يسألون عن أحوال جيرانهم وهل هم في حاجة إلى خدمة أو مساعدة، وهذا في حد ذاته يمثل تغيّراً سلوكياً ثقافياً واجتماعياً فرضته معطيات الواقع الجديد.

وتابع شاهين أنه «مع انكفاء العالم ودخوله إلى الداخل، تتكشف الطرق الثقافية الفريدة التي تتعامل بها البلدان مع جائحة (كوفيد-19)، وتعلن كل دولة عن طابعها المميز في التعامل مع الجائحة، فقد قيل سابقاً إن شخصية الإنسان الحقيقية لاتظهر إلا في الأزمات، ومع تزايد الإجراءات الاحترازية للمساعدة على إبطاء انتشار الفيروس، فإن إحدى أكثر الظواهر إثارة للاهتمام هي الطرق الإبداعية التي تعاملت بها المدن والبلدان المختلفة مع الوباء، وتحديد (ثقافة الحجر الصحي) الخاصة بها، ففي إيطاليا، تم تصوير السكان المعزولين ذاتياً وهم يغنون ويمارسون الأوبرا من شرفاتهم، بينما وزع البلجيكيون الفطائر الشهيرة والبطاطس المقلية في أنحاء البلاد، في الوقت الذي لايزال فيه بعض الناس في الدول الاسكندنافية يتدربون للعمل على الدرّاجات».

وعن الإمارات بلد التسامح والإنسانية، كما وصفه شاهين، قال إن «المواطنين والمقيمين هتفوا من شرفات منازلهم وبشكل متواصل النشيد الوطني للدولة، وقاموا بتحية جنود الخطوط الأولى الأمامية، إضافة إلى انضمام جموع كثيرة وكبيرة من الناس شباباً وكباراً في جمعيات التطوّع ليكونوا في خدمة الوطن، ما يكشف ثقافة الخير والعطاء الإنساني وشخصية دولة الإمارات وسمعتها، وقدرتها على تحويل التحديات والصعاب إلى تواصل وخير وفرص سانحة للعلم، والتحدي، والعمل، بشكل يأخذنا إلى أن القيادات المخلصة، والأشخاص الحقيقيين، والأماكن الجاذبة، والثقافات الراسخة، تجعل هذا العالم متنوّعاً ومعطاءً بشكل يفوق الخيال».

هندسة المكاتب المفتوحة

ويتابع شاهين أن «هندسة المكاتب المفتوحة ستتغير لتصبح المكاتب متباعدة، وتكون محطات التنظيف المجهزة بمطهر اليدين والمناديل المضادة للبكتيريا هي القاعدة، وتنخفض شعبية أماكن العمل الرشيقة ذات المقاعد غير المعينة، ليتمكن الموظفون من استرداد فسحة الأمان والتحكم في الحصول على مساحة شخصية يأتون إليها كل يوم بشكل متكرر، في الوقت الذي سيتم خلاله استبعاد التركيبات التي تعمل باللمس، مثل مستشعرات الأبواب والأحواض الأوتوماتيكية وموزعات الصابون والمصاعد. وقد يقوم المهندسون المعماريون أيضاً بتصميم مساحات بمواد البناء المتينة والأثاث والأرضيات والأسطح الأخرى، التي يمكن أن تصمد أمام التنظيف العميق المتكرر، والذي من المتوقع أن يكون ضرورة دائمة لمكان العمل المستقبلي لسنوات مقبلة».

كما أن الفحص الطبي الإلزامي، مثل اختبارات درجات الحرارة، واختبارات الأجسام المضادة، سيصبح هو القاعدة أثناء العمل، وستصبح أقنعة الوجه الجاهزة عنصراً أساسياً في خزانة ملابس الموظفين، على الرغم من أن الأعمال غير الرسمية ستبقى على الأرجح هي القاعدة في المكاتب، وسيصبح ارتداء قناع الوجه حول المكتب أمراً شائعاً، وهذه فرصة لشركات ومصانع النسيج لابتكارات جديدة حول كيفية جعل الأقنعة أكثر حماية وراحة وأناقة. ويرى الباحثون في إدارات الموارد البشرية أن ساعات العمل القياسية التي تصل إلى تسع ساعات عمل، ستصبح شيئاً من الماضي، ففي الوقت الذي يتعامل فيه المحترفون مع متطلبات الحياة العملية والحياة المنزلية في المكان نفسه، سيخفف العديد من أصحاب العمل القواعد المتعلقة ببدء ساعات العمل وإنهائه في وقت محدد. ويشير أولئك إلى أن معياراً جديداً حول الثقة والاحترام سيوجد في الطرق التي سيدير بها أصحاب العمل موظفيهم، إذ سيكون من الصعب عليهم إنكار المرونة حول ساعات العمل، خصوصاً بالنسبة للموظفين الذين يعملون في تقنية وتكنولوجيا المعلومات، فبالنسبة لمعظم الأعمال المكتبية، يمكنك كما يقول هؤلاء القيام بعملك عن بُعد تماماً، ومع التكنولوجيا يمكنك بناء عملك وفقاً لجدولك الزمني.

وللحفاظ على الإحساس بكينونة مقر العمل، فيجب على أصحاب الأعمال تحديد التوقعات عندما يحتاجون إلى الجميع في المكتب، وسيتعين على الموظفين والمديرين العمل معاً بشكل وثيق، لضمان عدم تعرّض أي شخص للضغط، كي يرد على رسائل البريد الإلكتروني والرسائل في جميع ساعات اليوم، فمن خلال البرمجة المسبقة والتواصل عبر برنامجي «زووم» و«مايكروسوفت تيمز»، سيتم خلق توازن بين أوقات العمل والأوقات الشخصية. ومن هنا يمكن لثقافة العمل الأكثر مرونة أيضاً أن تخلق مزيداً من الإنصاف في المنزل، حيث يتمكن كل من الرجال والنساء من قضاء وقت ممتع مع أسرهم، إذ يفضل الكثير من الرجال كذلك الخيارات المرنة بافتراض أنهم استمتعوا بالوقت في المنزل مع أطفالهم، وعلى الرغم من أن مجموعة متنوّعة من خيارات العمل لن تحل جميع قضايا الإنصاف، فإن بعض الدول الإسكندنافية بدأت فعلياً في إنشاء وإحلال ثقافة أكثر توازنا بين الجنسين.

تلاشي وظائف الإدارة الوسطى

ويضيف شاهين أن «الخبراء في سياسات الموارد البشرية يرون أن السنوات المقبلة ربما تنذر بعاصفة جديدة بعد زوال جائحة (كوفيد-19) أساسها تفريغ طبقة إدارة الوظائف الوسطى، الأمر الذي سبق، وإن حدث خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008 بعد أن سحبت المؤسسات كل أنواع طبقات الإدارة الوسطى، وهو أحد الأسباب التي جعلت نمو الأجور بطيئاً حتى مع وصول الاقتصاد إلى آفاق جديدة.

ولكنه ورغم ذلك، كما يتابع، يظل البعض أكثر تفاؤلاً من أن الطلب على المديرين من الدرجة الأولى سينتعش بمجرد أن يهدأ الوباء، لأن الشركات سترغب في التأكيد على الإنتاجية، فقد ظل شبح الأزمة المالية ماثلاً أمام تلك المؤسسات، التي فطنت متأخرة لحجم غلطتها في تراكم المشكلات التي حدثت إثر التخلص من تلك الطبقة، فأحد المخاوف من هيكل إداري هش هو أنه سيطلب من عدد أقل من المديرين الإشراف على حجم أكبر من التقارير المباشرة، ما يفسح المجال للخطأ، وانعدام الرقابة وسوء الإدارة.

تسريع الأتمتة

وفي الوقت الذي حذّر فيه خبراء المستقبل من «الروبوتات التي تسرق الوظائف»، يرى المستشار الإعلامي في هيئة دبي للثقافة، أن جائحة «كوفيد 19» زادت من مخاوف الأتمتة التي ستحل محل وظائف العمال، بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي، فقد اضطر العديد من المطاعم والمقاهي وتجار التجزئة إلى إيجاد طرق للعمل مع أقل عدد ممكن من الموظفين الموجودين فعلياً. وأضاف أن «الخبراء في سياسات الموارد البشرية يرون أن فيروس (كورونا) تسبب في تسارع بعض اتجاهات العمل مثل (الأتمتة)، ونظرياً قد يكون الموظفون العاطلون عن العمل مستعدون للقبول بوظائف ذات أجر أدنى، إلا أنهم قد يحتاجون إلى تطوير مهارات جديدة، من أجل العثور على وظائف جديدة، وما نراه اليوم هو الحاجة الكبيرة للمهارات وإعادة التدريب الهائلة بالنسبة للعاطلين أو المقبلين من فئة الشباب على ميدان العمل». وفي الإجابة عن سؤال: «هل ستصبح الشركات والمؤسسات رقمية بشكل أسرع؟»، و«هل نتطلع إلى بطالة جماعية تصيب دول العالم؟»، يرى شاهين أنه «قد يكون هناك طلب متزايد لإغلاق الفجوة الرقمية، ففي دولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية نجد أن ما يقرب من 21 مليون أميركي يفتقرون إلى الوصول إلى الإنترنت، وفقاً للجنة الاتصالات الفيدرالية، وتقدر بعض التقارير أن هذا الرقم أعلى من ذلك، وهذا يعني أن ملايين العمال، بغض النظر عن الصناعة، غير قادرين ببساطة على العمل عن بُعد.


عضلات جديدة للعمل

رداً على سؤال حول التغييرات الأخرى التي سنراها في الأشهر أوالسنوات المقبلة، يستنتج المستشار الإعلامي في هيئة دبي للثقافة، ظاعن شاهين، أن ثقافة المكاتب بدأت خلال أشهر قصيرة، وبشكل سريع ومذهل، بالتآكل والذوبان، بعد أن تم استبدال معظم الاجتماعات بالبريد الإلكتروني والرسائل الفورية، ووسائل التواصل الجديدة عبر برنامجي «زووم» و«مايكروسوفت تيمز»، وغيرهما من البرامج العملية القادرة على التشبيك، فالوباء كان بمثابة معادل تكنولوجي من نوع ما، حيث لم يكن لدى الأشخاص الذين لم يعتادوا في السابق على استخدام الأدوات التقنية في مكان العمل أي خيار سوى التكيف، وفي بعض الحالات أصبح البعض منهم أكثر كفاءة، وصار الجميع بفضل استمرارية الأعمال يبنون فعلياً عضلات جديدة للعمل.

وتحقيقاً لهذه الغاية يرى شاهين أنه «أصبحت هناك ثقافة عمل تنظر بشكل جدي للمستقبل، فالتواصل مع الجميع صار أكثر مرونة بالنسبة لأعضاء الفرق، الذين لم يعودوا يعملون معاً في مكتب مركزي، فقد انتقلت المكالمات الهاتفية والاجتماعات إلى الفيديو، الأمر الذي ساعد على بناء الثقة بين الموظفين، الذين كانوا سابقاً لا يملكون القدرة على التفاعل الشخصي، فعندما يكون الشخص قادراً على التعرف إلى الإشارات غير اللفظية، أو تتم دعوته عبر دردشة الفيديو، يتكون لديه نوع من الحميمية بطريقة أسرع مما يحدث في بيئة العمل التقليدية».

«الثقافة واحدة من أكثر الطرق الأساسية التي تشكل كيفية عيشنا في العالم».

«ثقافة المكاتب بدأت خلال أشهر قصيرة، وبشكل سريع ومذهل، بالتآكل والذوبان».

«منظومة الإجراءات والسلوكيات، خلال الجائحة، زرعت ثقافة جديدة».

تويتر