7 أيام و5 محطات في أرجاء المدينة تحت شعار «الفن للجميع»

«مهرجان مترو دبي» يوزّع على المارّة حصّتهم من الموسيقى

صورة

سبعة أيام من السفر في مَواطن السحر وعوالم الطرب الشجي، عاشها مرتادو مترو دبي، في تجربة فنية استثنائية، اختبروا تفاصيلها عبر لحظات من المتعة الخالصة، والتفاعل المباشر مع الأنغام الحيّة، التي غمرت أرجاء خمس محطات رئيسة في دبي، لتكرس طقساً من البهجة، وكرنفالاً من المفاجآت اليومية التي استقطبت جموع العاشقين للموسيقى، فاكهة الفنون، لتعدهم بلقاء ثلة من المبدعين والعازفين الذين أتقنوا مزج الحلم بالواقع، في قطع من المعزوفات المتنوعة والألوان الموسيقية المتعددة، التي أخذت جمهورها بين فراديس الخيال، في رحلة لا تنتهي، لتعيدهم من ثم إلى فضاءات الواقع ورحاب المكان.. بزرقة أضوائه، وزحمة محطاته.

مبدعون وموسيقيون من قارات العالم الخمس، وصل عددهم إلى 25 مبدعاً من 15 دولة، استطاعوا خلق حالة فنية متفردة عنوانها دبي، ليؤسّسوا لثقافة جديدة، تكرّس مبدأ الإبداع الحي، ورؤية «الفن للجميع».

شجن شرقي

وسط دبي، وتحديداً في محطة «برجمان»، تأسرك أنغام القانون الشرقي، منذ اللحظة الأولى لعبورك السلالم المتحركة المؤدية إلى «المترو»، فلا تترك لك خياراً إلا الإذعان لشجنها الشرقي العتيق الذي يغمرك، فيأخذ بمجامع قلبك، ليعلق تعب يومك، ويأمر ساعة زمنك بالتوقف، للذوبان في سحر اللحظة التي يصبو الجميع إلى تخليدها.. والسفر في تفاصيلها.. فتنسى أن تتذكر.. وتظل على ظهر الحلم.. إلى أن تنتزعك منه أصوات التصفيق المتعالية في أرجاء المحطة، احتفاء بأنامل العازف السوري رامي كنجو السحرية، المنحدرة من مدينة الطرب الأصيل والألحان الخالدة.

نسترق معه لاحقاً لحظات من الدردشة الخالصة، التي يكشف فيها عن عشقه القديم لآلة القانون، وانحداره من عائلة فنية، لوالد ضليع بأصول الموسيقى العربية، ومولع بأصول الفنون التي نقلها إلى جيل كامل من الأبناء الموسيقيين والعازفين على آلة القانون والعود والكمنجة والإيقاع الرهيف.

في الوقت الذي كشف لنا رامي عن سعادته بالانطلاقة الأولى لمهرجان الموسيقى، وحماسته لاختبار تجربة جديدة في التواصل مع الجمهور، «لحظات سعيدة لها عظيم الأثر في قلبي، لأنها تدفعني للتفكير بلقائي الاستثنائي بهؤلاء المارين في زحمة الحياة اليومية، ممن يجدون القدرة على التوقف للاستمتاع بهذه المساحة العابرة من الحلم، القادرة على غسل هموم اليوم الطويل»، في الوقت الذي وصف كنجو هذه التجربة بالقول «مكنتني هذه التجربة الفنية الرائدة من التعرف إلى المبدعين والموسيقيين المتفردين، ونقل تجربتي الموسيقية على آلة القانون للناس، كما سعدت بلقاء جماهير الشارع العاشقين للنغم، والذين أهدتهم دبي هذه المرة، أجمل مفاجآتها».

واحة متعددة الظلال

ننقل النظر بعد لحظات إلى تجربة جديدة، نتعرف من خلالها على آلة البزق، لنكتشف مهارة عازفها الأردني عمر حمدان، الآسرة، وإتقانه العزف على آلات موسيقية عدة، كالعود والغيتار، لكنه انحاز اليوم إلى آلة البزق، القادرة على التنويع والمزج بين أنماط متعددة من الموسيقى العربية والتركية والإسبانية، «باعتبار انحدار أغلب الجمهور من جنسيات متعددة، فقد أحببت أن أقدم لوحة موسيقية متنوّعة، تتمازج فيها النغمات والمقامات الشرقية والغربية، من دون أن تفقد كل نغمة أصولها وجماليتها في أذن المتلقي، الذي شدته اليوم فرادة هذه التجربة، فارتاح لهذه الأجواء التي يمكن وصفها بالواحة المتعددة الظلال والألوان الفنية»، مؤكداً أن «أغلب الموسيقيين المشاركين في هذا المهرجان نجحوا في تكريس حالة فنية خاصة، استمدت خصوصيتها من ثقافة وخبرة كل موسيقي، وإرثه الاجتماعي والحضاري».

فرح غامر

يمضي الوقت سريعاً، فيجد البعض مساحة للاقتراب من المشاركين، والتعرف على تجاربهم، في الوقت الذي ننجذب نحن لدقة تنظيم المهرجان، وحرص منظميه على انسيابية حركة مرتادي محطة برجمان، التي لم تشكل فيها تجمعات الجمهور على العازفين أي عائق أو اختناق مروري، فيدفعنا فضولنا إلى أحد رجال شرطة المحطة، المتابع للأجواء عن بُعد، ملتمسين اجتذاب أطراف الحديث، إلا أنه بادرنا بالاعتذار، بسبب انشغاله بعمله الذي هو توفير أمن المكان، لينعم الناس بهذا الاسترخاء، فاحترمنا رغبته، وانتقلنا إلى جوانا رايس، الموظفة بشباك تذاكر المحطة، التي عبرت عن حماستها للأجواء الجديدة التي كرستها هذه القافلة الفنية ذات الألوان الموسيقية المتنوعة، التي حطت رحالها في مكان عملها «منحتنا العروض الموسيقية التي تواصلت على مدار أسبوع كامل، شعوراً بالسعادة والتحفيز على تحمل أعباء العمل، وخدمة المسافرين بشكل أفضل. كما أمدّتنا الأنغام الحالمة التي توزعت في أرجاء المكان بطاقة إيجابية، تتجدد بتجدد الأنغام كل يوم»، لافتة الانتباه إلى قيمة هذه المبادرات في تحريك الأجواء، وبثّ الحيوية في الأماكن العامة.

نودع جوانا لنلتقي بالتونسي أيمن شوشان، الذي يعمل في أحد محال المحطة، والذي فضل قضاء وقت راحته في الاستمتاع بما تيسر من عروض المهرجان الموسيقية، إذ جذبه فيها ذلك الطقس الشرقي، فوصفه بالقول «سعيد بتوافر فرصة الاستمتاع ببعض ألوان الشرق التي أعشقها، هذه الفرصة التي بثت الحياة في المحطة، وجعلتنا نقضي أوقاتاً ممتعة، نجدد بها طاقتنا كل يوم».

مهارة الابتكار

لحظات ويحين موعد الجمهور مع العازف المصري مدحت ممدوح، الذي أبهر العالم بابتكاره أسلوباً موسيقياً خاصاً، تمثل في الدمج بين آلة «فلوت ريكوردر»، الآلة الموسيقية غير التقليدية، الشبيهة بالناي أو المزمار الشرقي، التي تعمل بسلّم مختلف، استطاع مدحت أن يختار له اسماً جديداً، هو «ريكوردر ـ بيت بوكس»، محققاً عبر تجربته الفنية التي تجاوزت التسعة أعوام، نجاحاً عالمياً كبيراً، مكّنه من العزف بطريقته المبتكرة في مسارح عالمية، مثل مسرح النمسا وألمانيا والبرتغال وإسبانيا، وصولاً إلى العاصمة أبوظبي ومدينة دبي، التي سبق له الإقامة فيها، والعمل مع مسرح «لابيرل»، قبل أن يقدم تجربته في محطات «مترو دبي».

وحول تجربته المبتكرة، وتفاعل الجمهور مع «ريكوردر ـ بيت بوكس»، قال ممدوح «ذكرني تفاعل الجمهور في محطات المترو، بنجاح تجربتي على وسائل التواصل الاجتماعي قبل سنوات، والتي تجاوزت فيها حاجز الـ100 مليون مشاهدة، كذلك مشاركتي في برنامج (آراب غوت تالنت)، ووصولي إلى المراحل النهائية، وأنا على يقين بأن تجربتي في مهرجان مترو دبي للموسيقى، ستفتح لي آفاقاً جديدة، وتسهم في التعريف بتجربتي على نطاق واسع، أتمنى أن يصل إلى العالمية».

لغة الفن تجمعنا

قبل أن نغادر المحطة، جذبتنا ياشفي مانيهار، الطالبة الهندية، التي وقفت وسط الجموع منبهرة بأنغام آلة القانون، تلك الآلة الموسيقية التي بدت لها «غريبة» بعض الشيء وآسرة، فقالت بعفوية «كم من الرائع الاستمتاع بجرعة يومية من الفن الراقي، خصوصاً إن كنا من مرتادي المترو المواظبين على التنقل كثيراً في دبي، بحكم الدراسة، مثلي! لهذا وجدت المبادرة سباقة ورائعة، لأنها تكرّس حس الفن وروعة الموسيقى في أيامنا ومشاويرنا اليومية. وقد أسعدني أنني استطعت طوال أيام هذا المهرجان، استبدال سماعات هاتفي اليومية، بموسيقى حيّة، وأشكال فنية متنوعة لم أعرفها من قبل»، لافتة إلى أنها حرصت طوال أيام المهرجان، على زيارة محطاته الخمس، ونقل تجاربها فيها على صفحاتها الخاصة على وسائل التواصل، ليعلم بها الأصدقاء والمتابعون، كما عمدت إلى ربط وسم كل عازف التقته في المهرجان بصفحتها الخاصة وصفحات الأصدقاء، ليتعرف إليه أكثر عدد من الناس، وعن هذه المبادرة ختمت ياشفي «ليس غريباً على دبي مثل هذه المفاجآت الفنية، والمبادرات الذكية، التي جمعتنا اليوم على لغة الفن الواحدة».

عروض يومية على مدار أسبوع

قالت شيماء السويدي، مديرة المشروعات الإبداعية في براند دبي، الذراع الإبداعية لحكومة دبي، إن مهرجان مترو دبي للموسيقى، نجح في استقطاب شرائح متعددة من الجمهور، وذلك في ظل مشاركة ثلة من أبرز الأسماء الفنية والموسيقية من بلدان متعددة، شملت الإمارات والمملكة العربية السعودية وسورية ولبنان والأردن ومصر، مروراً بالعديد من دول شرق آسيا مثل إندونيسيا والهند، وصولاً إلى روسيا والبرتغال وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول، وأضافت «تم اختيار محطات المترو الخمس بناء على الدراسات والأرقام الإحصائية التي زودتنا بها هيئة الطرق والمواصلات بدبي ـ الجهة المشاركة في تنظيم هذا المهرجان ـ والتي أشارت إلى أن محطتي برجمان والاتحاد من أكثر محطات المترو استخداماً، تليهما محطات مول دبي ومول الإمارات ومركز دبي للسلع المتعددة، وعلى هذا الأساس تم تحديد أوقات إقامة العروض الموسيقية في هذه المحطات، واعتماد عروض يومية على مدار أسبوع كامل من المفاجآت».


- شيماء السويدي: «اخترنا محطات المترو الخمس الأكثر ازدحاماً».

- المصري مدحت ممدوح أبهر العالم بابتكاره أسلوباً موسيقياً خاصاً بسلّم مختلف.

25

مبدعاً من 15 دولة

استطاعوا خلق حالة

فنية متفردة عنوانها

دبي.

تويتر