ينقل أجواء الشهر الفضيل.. ولا ينسى وجوه الطيبين

رحالة مغربي.. ويوميات رمضانية في جوار الأزهر المعمور

صورة

في دار لا تبعد عن الأزهر سوى بـ400 خطوة، حطّ العالم المغربي أبوسالم عبدالله بن محمد العياشي، رحاله المؤقتة، بعد مسير شاق وطويل، ليستريح هو ومن معه من قاصدي بيت الله الحرام، أياماً معدودات بقاهرة المعز «حفظها الله وأمنها»، كما دعا لها حينما دخلها في 26 من رمضان عام 1072 هجرية.

ينقل العياشي الأجواء الرمضانية في تلك الرحاب، ويصف الجامع العامر بالعبّاد والعلماء، ونفحات ليلة القدر التي باتها في الأزهر، ويعتبر أن كل الليالي ها هنا على حال تلك ليلة السابع والعشرين من رمضان: «كل ليلة بذلك المسجد كليلة القدر، لأنه معمور بالذكر والتلاوة والتعليم آناء الليل وأطراف النهار لا تنقطع منه العبادة ليلاً ولا نهاراً، صيفاً وشتاء، فهو عديم النظير في مساجد الدنيا بأجمعها، حاشا المساجد الثلاثة لما لها عند الله من أعظم المزايا وأرفعها».

ويروي العياشي لقاءه الأول مع مشايخ لهم محل خاص في قلبه، على رأسهم أبوإسحاق إبراهيم الميموني (رحل في عام 1079 هجرية)، الذي تقدمت به السن «وأثر الهرم فيما عدا عقله، وأخذت السن من قواه، ما ظهر أثره في قوله وفعله، ومع ذلك قد مُتع بسمعه وبصره وبنضارة الوجه على كبره، دخلت عليه بعد العصر فوجدته يصحّح مع بعض الطلبة تأليفاً له في مباحث تتعلق بقوله تعالى: (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم) مع آية أخرى أتى فيه بالعجب العجاب».

أصوات ندية

• 2005 العام الذي حازت فيه «الرحلة العياشية» جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي.

• 1072 هجرية، السنة التي انطلق فيها العياشي (1037 - 1090هـ) من سجلماسة المغربية إلى مكة المكرمة مرواً بالجزائر وتونس وطرابلس ومصر والقدس.

ويبدو أن الأصوات الندية لم تغب يوماً عن جنبات الأزهر الشريف، وفي تلك الفترة الزمانية كان يرعاها شيخ القراء بالقاهرة ورئيس أهل التجويد - والكلام للعياشي - الشيخ سلطان بن سلامة المصري الذي توفي عام 1075 هجرية، من قسّم أوقاته بين العبادة والتلاوة والتدريس والفتيا، وكان لا يتحمل أدنى خطأ من الطلبة الذين يقرأون عليه، وكان يبالغ في التقريع والتوبيخ «إلى غاية لا يحتملها إلا من علم حقيقة حاله».

وينقل صاحب الرحلة أجواء ليلة ختام رمضان من تلك الرحاب الأزهرية، في يوم التاسع والعشرين، إذ كان يحضر كل شيخ أنجب تلاميذه وأحلاهم صوتاً، ليتلو آيات من القرآن «بقراءة مطربة، منهم من يقرؤها بالقراءات السبع، وبعد فراغه ينشد منشد بصوت رخيم قصيدة من إنشاء بعض التلامذة فيها مدح النبي، صلى الله عليه وسلم، والترضي عن مؤلف الكتاب المقروء، والدعاء للشيخ الذي يدرسه، ثم يقوم آخر ويثني على الله ورسوله بثناء بليغ ثم على آل رسول الله».

على قدر النية

وكما يعدّد العياشي العلماء والفقهاء الذين لقيهم في جوار الأزهر، لا ينسى أصحاب الوجوة الطيبة، من المريدين والبسطاء، ورقاق الأحوال والقلوب من أهل الطريق الذين تعلّقوا بالله، واعتكفوا في تلك الأمكنة لا يبرحونها، ومنهم كانت تهفو روحه إلى مكة ولا يستطيع إليها سبيلاً، كما الحال مع رجل يلقب بعلي الصوفي: «الساكن بسطح الجامع الأزهر، وهو رجل منفرد في بيت لم يتزوج قط.. وهو ممن ترجى بركته، وكان يتمنى الحج مع كبر سنه». وحاول العياشي أن يصبّر ذلك الرجل، فقال له إن «الحج لم يفرض عليك لضعفك، وقلة ذات يدك»، ولكن ظلت نفس ذلك المشتاق ترنو إلى البيت الحرام «ولم ترجع نفسه عن مآربه، ثم منّ الله عليه بالحج في هذه السنة بأن حرك قلب بعض الولاة، فأخذه معه رجاء بركته، وقام وتكفل بكل مؤنه، والله يعامل العبد على قدر نيته، وينفع أولياءه ولو على يد أعدائه».

يفصّل العياشي مشاهداته في القاهرة، وذكريات الرمضانية، وما بعد الشهر الفضيل، وزياراته للمساجد التي بجانب الأزهر، والمقامات المختلقة، ففي كل بقعة يرقد ولي أو إمام، أو صاحب ذكر طيب، يقدّره أهل المحروسة، كما يقدّره ذلك الرحالة المغربي الذي أبدى إعجابه بالإجلال الذي تحظى به المساجد التاريخية، والعناية التي تلقاها في القاهرة، ونقل الكثير عن تلك الأيام، وعن بركاتها وكذلك بعض غرائبها.

تويتر