خبراء خليجيون: تراثنا منجم أخلاق

أعرب أكاديميون وباحثون في التراث من الإمارات ودول الخليج العربي عن تطلعاتهم لوضع منهاج موحّد للتربية الأخلاقية في دول الخليج، مؤكدين أن التربية الأخلاقية تمثل عنصراً متجذراً في الثقافة والتراث الشفهي العربي والخليجي.

استراتيجية موحّدة

شهد اليوم الأول للمؤتمر عقد ورشة عمل لوضع وتبني استراتيجية خليجية موحّدة في التربية الأخلاقية، تم خلالها طرح محاور محددة للانطلاق منها لوضع «خارطة طريق» لوضع استراتيجية لحفظ التراث الخليجي.

القوة الناعمة تواجه التطرّف

أكدت الدكتورة موزة غباش أن الدعوة للتركيز على التربية الأخلاقية وقيم التسامح ليست جديدة، ولكن التركيز عليها حالياً جاء رداً على موجة الفكر التطرفي التي ظهرت في السنوات الأخيرة، ودعت بقوة إلى رفض الآخر، فكل الحروب التي نشهدها الآن في العالم قائمة على الصراع بين الهويات ونبذ الآخر. كما دعت غباش إلى وضع موسوعة ثقافية خليجية وتحديثها باستمرار، باعتبارها أداة من أدوات القوة الناعمة، معتبرة أن الحروب اليوم لا تعتمد في الأساس على الأسلحة بقدر اعتمادها على الثقافة والفنون، وغيرها من أدوات القوة الناعمة.

وثمّن الباحثون خلال مشاركتهم في المؤتمر الخليجي الخامس للتراث والتاريخ الشفهي، الذي انطلقت فعالياته صباح أمس في أبوظبي تحت عنوان «التربية الأخلاقية تراث خليجي أصيل»، بتنظيم من دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، مبادرة دولة الإمارات إدخال «التربية الأخلاقية» في المناهج هذا العام.

وأشار مدير عام دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، سيف غباش، إلى أن المؤتمر يهدف إلى إثراء مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى إدخال منهاج التربية الأخلاقية في المؤسسات التربوية والتعليمية في الإمارات، كأساس متين لبناء أجيال المستقبل، وإعدادهم لتحمّل مسؤولياتهم في بناء الحاضر والمستقبل على أسس من القيم الأخلاقية، والمقومات الإنسانية والحضارية، التي تشكل المنهل الذي يمد المجتمع بمعاني القوة والتطور والازدهار. وأعرب غباش، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي يقام على مدى يومين بمشاركة عدد من الأكاديميين والباحثين والخبراء في الجامعات الخليجية والمؤسسات التعليمية والجهات المعنيّة بالتراث والتاريخ، إضافة إلى عدد من المتخصصين في علم الاجتماع والتاريخ، في فندق سانت ريجيس بأبوظبي، عن تطلّعه إلى أن يكون هناك منهاج خليجي موحّد في التربية الأخلاقية وغيرها من المواد الدراسية التي تُعِدّ الأجيال الجديدة للغد. بينما شدد مدير إدارة التعليم في الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، الدكتور محمد بن مسلم المهري، في كلمة المشاركين، على أهمية التربية الأخلاقية، وما تحمله من قيم التسامح وقبول الآخر، وكذلك تعزيز الانتماء والهوية الوطنية لديهم.

مشروعات كبرى

من جانبها، قالت رئيسة رواق عوشة بنت حسين الثقافي في دبي، الدكتورة موزة غباش، إن مفاهيم الهوية والتراث والتربية الأخلاقية تمثل سلسلة مترابطة وركيزة لبناء حضاري جديد، مضيفة في كلمتها التي حملت عنوان «الهوية والتراث الشعبي.. التربية الأخلاقية أنموذجاً» أن دولة الإمارات أطلقت في الفترة الأخيرة مشروعات كبرى هي «تحدي القراءة العربي» و«تحدي الترجمة العربي» ومنهاج التربية الأخلاقية، وهي مشروعات نهضوية لإحياء الحضارة العربية والإسلامية.

من جانبه، أشار الدكتور حمد بن محمد بن صراي، إلى اهتمام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، بغرس القيم الأخلاقية في نفوس الأجيال، كما كان الجانب التربوي ميداناً رحباً برز فيه الشيخ زايد من خلال أحاديثه وزياراته ولقاءاته بالطلبة وأولياء الأمور، وتتبعه للواقع التربوي بناءً وعمارةً وتدريساً.

وأوضح أن المجالس التي أظهر فيها الشيخ زايد قدرة فائقة في إدارة الحوارات، أسهمت بشكل كبير في توجيه الأنظار إلى نقاط محددة تدور حول الأخلاق، وآداب المجالس، وإكرام الضيف، واحترام القيادات، وتقدير الكبار، وتربية الصغار.

وتطرق بن صراي إلى الجوانب الإنسانية لدى الشيخ زايد - رحمه الله - التي تبرز من خلال تواصله مع الناس، من شتى الأقطار والأجناس، بما يمثل توعية أخلاقية لأفراد المجتمع بأن البشر متساوون في الحقوق والواجبات مهما كانت أديانهم ومذاهبهم.

ثقافة الصحراء

وحول «تمثيلات التربية الأخلاقية في الثقافة الشعبية الخليجية: ثقافة الصحراء أنموذجاً»؛ جاءت مداخلة عضو هيئة التدريس في جامعة البحرين، الدكتورة ضياء عبدالله خميس الكعبي، مركّزة على بيان قيم ثقافة الصحراء البدوية وتجليات هذه القيم في الثقافة الشعبية الخليجية على تنوعاتها المختلفة من سير الفروسية والحكايات الشعبية والشعر النبطي والأمثال، وغيرها، التي سادت ولاتزال الجزيرة العربية ومناطق من الخليج العربي.

ودعت الكعبي إلى وضع استراتيجية أخلاقية لمناهج التربية الأخلاقية الخليجية تستفيد في بنائها من قيم المروءة العربية الأصيلة في ثقافة الصحراء، واستخدام التقنيات الحديثة لتقديم هذه القيم للأجيال الجديدة، وتنظيم دورات للبروتوكول البدوي، وتشجيع الطلبة على نظم الشعر النبطي، وتعريفهم بسير مستشرقين حضروا إلى المنطقة في بدايات القرن الماضي، وكتبوا عن الحياة والشخصية العربية.

قيم

من جهته، شدد عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، الدكتور معجب بن سعيد الزهراني، على أهمية الحكايات الشعبية باعتبارها منجم التربية الأخلاقية المهجور، محذراً من أن خفوت الحكاية الشعبية في المجتمعات الحديثة، إن لم يكن غيابها، يعني تلاشي أحد مصادر تشكيل الشخصية الخليجية.

وأشار إلى أن أهمية الحكاية الشعبية تنبع من استقصاء مكامن علاقاتها المتواترة مع الخلق النبيل، وهو ما يمكن إيجازه في محورين رئيسين: الأول يكشف عن الموضوعات العامة للحكاية الشعبية، وذلك برصد القيم التي تتناولها، وتحث عليها، أما المحور الآخر فيتناول تمثيل التربية الأخلاقية في الإبداع البنيوي في الحكاية الشعبية، مثل: بناء الشخصيات، والزمان والمكان، وبدايات الحكاية ونهاياتها، وغير ذلك.

أيضاً كانت الحكايات الشعبية محور مداخلة خبيرة المناهج الكويتية، الدكتورة بزة الباطني، التي استعرضت تجربتها في كتابة حلقات برنامج «حكايات خليجية»، مستمدة من الحكايات الشعبية، والصعوبات التي واجهتها في إيجاد قصص مناسبة وتقديمها بطريقة تناسب العصر.

بينما استعرض المدرس في وزارة التربية والتعليم بسلطنة عمان، ناصر بن سيف السعدي، أسس ومقومات ثقافة التسامح في التراث العماني، راصداً جانباً من الجهود والأدوار التي مارستها النخب الاجتماعية والدينية في عمان، من أجل ترسيخ وإرساء مبادئ التعايش في وجدان الإنسان العماني، متطرقاً للعديد من الصور والملامح التي تؤكد سعي العلماء والفقهاء من أجل نبذ التعصب والكراهية مع الأديان والأجناس الأخرى.

«المجالس مدارس»

من جانبه، تحدّث عضو هيئة التدريس في جامعة الطائف، عائض محمد الزهراني، عن مبادرة (الجامعة القدوة) بجامعة الطائف لتعزيز القيم الأخلاقية، إذ قامت الجامعة بمبادرات متنوعة لترسيخ هذه القيم الأخلاقية لدى منتسبيها طلاباً وأساتذة وإداريين في تجربة فريدة تستحق أن تروى. كما تحدث عن المجالس التي تمثل مراكز لتعليم الأخلاق والتواصل وترسيخ القيم في نفوس الأبناء، داعياً الى تطبيق مبادرة «سوالف لا هواتف» للحد من سيطرة الهواتف على الحياة الاجتماعية بين الناس.

الأكثر مشاركة